رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أيام الخلاص.. ماذا يفعل المسيحيون فى «أسبوع الآلام»؟

جريدة الدستور

بدأت الكنيسة المصرية، أمس الأول، أسبوع الآلام، الأكثر قدسية فى السنة القبطية، وهو أسبوع يحتفل فيه المسيحيون بدخول «يسوع» القدس وإنشاء سر التناول، ثم صلبه وموته، ثم القيامة من الأموات فى يوم «أحد القيامة»، حسب المعتقدات المسيحية.
بدأ الأسبوع بـ«أحد الشعانين»، وهو يوافق ذكرى دخول السيد المسيح إلى مدينة القدس، ويليه أيام البصخة المقدسة «الإثنين والثلاثاء والأربعاء»، ثم خميس العهد، وهو ذكرى العشاء الأخير للمسيح، فالجمعة العظيمة التى شهدت، حسب الاعتقاد المسيحى، محاكمة وصلب المسيح، ثم «سبت النور» الذى تقام مساءه قداسات عيد القيامة فى الكنائس.
«الدستور» تستعرض فى السطور المقبلة أهم ملامح وطقوس أسبوع الآلام.

البابا تواضروس يقضى خلوته فى دير الأنبا بيشوى.. والكنائس تتشح بالسواد
أعلنت الكنائس، عقب انتهاء قداس «أحد السعف»، إيقاف القداسات اليومية، وبدء صلوات «البصخة» المقدسة، التى تعنى «الاجتياز» أو «العبور» باللغة اليونانية، واتشحت الكنائس بالسواد، وأغلقت الأديرة أبوابها ليدخل الرهبان حالة من العزلة، حتى ليلة العيد.
ويقضى البابا تواضروس أسبوع الآلام، وفق جدول خاص، بدأ منذ ترؤسه قداس «أحد الشعانين» الذى أقيم أمس بدير الأنبا بيشوى، المقرر أن يقضى فيه عدة أيام فى إطار الخلوة.
ورجحت مصادر كنسية أن يترأس البابا قداس «خميس العهد» فى الكاتدرائية المرقسية بالعباسية أو فى دير مار مينا العجايبى بكينج مريوط بالإسكندرية، على أن يتمم صلوات الجمعة الحزينة وعيد القيامة المجيد بالكاتدرائية، من أجل استقبال المهنئين من كبار رجال الدولة فى المقر البابوى.
ومن المقرر أن يتوجه مساء الأحد المقبل من جديد إلى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، من أجل قضاء احتفال «شم النسيم» وسط الأساقفة والرهبان كعادته.
وأعلنت الأديرة القبطية التوقف عن استقبال الرحلات والزائرين بمن فيهم أسر رهبان الدير، مع غلق الأبواب، واحتجاب الرهبان لقضاء فترة الخلوة والاستعداد الروحى لأسبوع الآلام.
ورغم ما اعتاد عليه الرهبان من عزلة وسكون طيلة حياتهم منذ دخولهم إلى الأديرة، إلا أن أيام أسبوع الآلام بالتحديد تحمل خصوصية أكثر من غيرها فى حياتهم، ففيها يلجأ الرهبان لطقوس تجعلهم أشد عزلة وزهدًا، وسط انخراطهم فى الصلوات وتفضيلهم الابتعاد عن العالم بكل ما فيه.
وحول الطقوس الخاصة فى هذه الأيام، قال أحد رهبان دير أبو مقار بوادى النطرون، إنه ومنذ منتصف فترة الصوم الكبير يصبح تركيزنا وتأملنا وصلواتنا يدور حول آلام المسيح، وهو ما اعتدنا عليه منذ تسلمناه من آبائنا.
وأضاف: «عندما نضع كل تركيزنا فى المسيح، نصبح مستعدين لهذا الأسبوع المجيد بكل تفاصيله، خاصة معاناة السيد المسيح النفسية والروحية والجسدية، لذا نعيش فى سيرته لحظة بلحظة مع الصوم والالتزام بالنسك والامتناع عن الكلام فى أى موضوع، حتى إننا نلتزم الصمت طوال الأسبوع باستثناء الصلوات».
وكشف عن أن الرهبان يتلون عادة فى هذا الأسبوع الصلاة التى تعلموها من الأب متى المسكين، والتى يقول مطلعها: «المجد لك.. يا مَنْ وقفتَ حزينًا حزنًا دخل أعماق نفسك حتى إلى الموت وأنت حىٌّ».
وتابع: «خلال فترة أسبوع الآلام يكثف الرهبان الصوم الانقطاعى، فمنهم من يصوم للغروب، ومنهم من يصوم باليومين ويفطر على نعناع وخبز أو ماء وملح، والقليل جدًا من الأكل».
وشهد محيط الكنائس إجراءات أمنية مكثفة، لتأمين المصلين والزائرين فى «أسبوع الآلام» تضمنت تمشيط الشوارع الجانبية، ومنع التجمّعات خارجها.
كما تضمنت خطة التأمين منع السيارات من الاقتراب من أسوار المبانى الكنسية، والتنبيه على إبلاغ الجهات الأمنية حال رصد أى أجسام غريبة فى محيطها، بالإضافة إلى منع الألعاب النارية أو الشماريخ وغيرهما من محدثات الأصوات المرتفعة.
واشتملت الإجراءات التأمينية نشر قوات حراسة مدعمة بقوات من الأمن المركزى والمدرعات وخبراء المفرقعات فى محيط الكنائس والأديرة، مع تفعيل الدخول عبر البوابات الإلكترونية للتأمين.
وشهدت الأيام الماضية انتداب البابا تواضروس ٣٠ كاهنًا لترؤس صلوات أسبوع الآلام وعيد القيامة فى عدد من الدول، ورعاية أبناء الكنيسة فى بلاد المهجر.
ووفقًا لمجلة الكرازة، فإن البابا انتدب ٢ من الكهنة للخدمة فى إفريقيا، هما القس إسطفانوس مرقس والقس بطرس وليم، كما انتدب ٧ كهنة للخدمة فى الولايات المتحدة الأمريكية وهم: القمص صموئيل كمال، والقس صليب عجيب، والقس يونان ميخائيل، والقمص توما يعقوب، والقمص مينا جبر، والقس يوسف نعيم، والقس بيشوى جورج.
أما على مستوى إيبارشيات أوروبا، فانتدب البابا ١٧ كاهنًا للخدمة خلال فترة أسبوع الآلام وعيد القيامة وهم: القس إسطفانوس سمير، والقس بافلى موريس، والقس انسطاسى، والقمص يوحنا، والقمص صرابامون فاروق، والقس رافائيل رجائى، والقس مينا مكرم، والراهب إفرايم الأنبا بيشوى.
بالإضافة إلى الراهب ساويروس الأنبا بيشوى، والقس زكريا كمال، والقس أنطونيوس فخرى، والقس يوحنا مكين، والراهب فام الأنبا بيشوى، والقس برسوم سعد، والقس غبريال عبدالنور، والراهب بولس الأنبا بولا، والقس فيلوباتير جورجى.
كما انتدب ٤ كهنة للخدمة فى كندا وهم: القمص يوسف داود، والقس صموئيل فوزى، والقس يوسف القمص سرجيوس، والقس كيرلس سعد.

الامتناع عن الأفراح والزينة والأطعمة الحلوة.. ووقف السلام بالتقبيل لعدم التمثل بـ«يهوذا» الخائن
يحظى أسبوع الآلام بطقوس خاصة لدى الأقباط، الذى يعتبرونه أقدس أيام العام، لذا تتسم فعالياته بالزهد والتقشف والصيام، والابتعاد عن مظاهر الفرح والانخراط فى التأمل والإحساس بآلام المسيح.
ويشهد هذا الأسبوع امتناع الأقباط عن كل مظاهر الفرح، بما فيها الأطعمة ذات المذاق الحلو، مع انخراط كثيرين فى الصيام ساعات طويلة قد تمتد من منتصف الليل وحتى غروب اليوم التالى أو ما بعده، مع الاكتفاء بتناول وجبة واحدة تتكون غالبًا من الماء والملح فقط.
ويمتنع الأقباط ضمن عادات أسبوع الآلام عن كل ما يعد رفاهية أو فرحًا، كما يتفرغ بعضهم بشكل كامل للعبادة والصلاة والتأمل فى قصة حياة السيد المسيح ووصاياه وتعاليمه.
أما الكنيسة فتشهد طوال هذه الأيام الاستغراق فى صلوات البصخة، التى تعنى «العبور من الظلمة إلى النور»، والتى تقام صباحًا ومساءً على مدار الأسبوع، مع إيقاف الصلوات والقداسات اليومية المعتادة، كما تغلق الكنائس أبواب الهيكل طيلة صلوات «البصخة»، مع وضع صورة المسيح مكللًا بالشوك، أو وضع صورته مصلوبًا.
كما تمنع زائريها من السلام المصحوب بالتقبيل طيلة الفترة الممتدة بين يوم الأربعاء وحتى إقامة قداس عيد القيامة، حرصًا على عدم تمثلهم بقبلة يهوذا الإسخريوطى تلميذ المسيح، مع الاتشاح بالستائر السوداء ورفع الصلوات والألحان الحزينة.
ويشهد يوم الخميس المعروف باسم «خميس العهد» تذكر الأقباط مشهد خيانة يهوذا الإسخريوطى للسيد المسيح فى ليلة القبض عليه وتسليمه للرومان.
وتحيى الكنائس هذه الذكرى عبر قيام أحد الكهنة بغسل أرجل الشمامسة والشعب، مقتديًا بالمسيح الذى غسل أرجل تلاميذه.
ويمثل يوم الجمعة، المعروف باسم «الجمعة العظيمة»، أحد أهم الأيام فى أسبوع الآلام، وفيه يستغرق الأقباط فى الصلوات لنحو ١٢ ساعة، تبدأ من الـ٦ صباحًا وحتى الـ٦ مساءً، لتذكر مشهد صلب السيد المسيح.
وحول الطقوس الخاصة بأسبوع الآلام، قال القس لوقا راضى، راعى كنيسة القديس يوحنا المعمدان بالقوصية: «نحن نتبع رحلة السيد المسيح فى طريقه إلى الآلام، حتى يأتى يوم الخميس الذى يشهد إقامة القداس التأسيسى لسر الأفخارستيا الذى صنعه المسيح».
وأضاف: «فى خميس العهد نشهد تأسيس السر وغسل الأرجل، وفى الجمعة العظيمة نقيم صلوات البصخة، ونتبع المسيح على الصليب، وتسهر الكنيسة معه فى ذكرى وجوده بالقبر بقراءة سفر الرؤيا وإقامة قداس ليله أبوغالمسيس، ثم تحيى الكنيسة مساء السبت قداس العيد وإعلان عن قيامة السيد المسيح من بين الأموات».
وواصل: «يشهد أسبوع الآلام عددًا من العادات الشعبية المصرية، منها طبخ الأقباط أكلة معينة كل يوم، فمثلًا يشهد يوم الأربعاء طبخ الأقباط الفريك، بينما يشهد الخميس أكل وجبة من العدس، فيما يشهد الجمعة طبخ النابت والطعمية وشرب الخل».
وأكد القس أن هذه الأكلات لا تحمل دلالة طقسية معينة، بل ترتبط بالثقافة الشعبية المصرية، موضحًا: «يستحم الأقباط يوم الأربعاء مثلًا بنبات العرعر المعطر، لأنهم يسمون هذا اليوم بأربعاء أيوب، الذى تقول القصة الشعبية إن الله شفاه من البلايا التى أصابت جسده بعدما استحم به، وهم يقرنون آلامه بآلام المسيح».
وقال: «الناس يتفرغون للعبادة فى هذا الأسبوع ويعيشون خلاله فى نسك وزهد، ويمتنع الأقباط جميعًا عن كل مظاهر الفرح وتحرم السيدات على أنفسهن الزينة طيلة أيامه، فلا يلبسن الحلى ولا يتجملن ولا يظهرن شيئًا من ذلك فى ملابسهن، بالإضافة إلى إلغاء جميع الحفلات ودخول الكنيسة كلها فى حالة حزن».
وأضاف أن «الأقباط داخل الكنيسة وخارجها يقضون هذا الأسبوع الأكثر قداسة على مدار العام بعيدًا عن مظاهر المرح واللهو، وبعض النساك يصومون الأسبوع بجملته أو يصومون ٣ أيام ويأكلون مرة واحدة فقط، ثم يصومون الثلاثة أيام الباقية، حتى إن كثيرًا منهم لا يأكلون شيئًا منذ خميس العهد وحتى قداس العيد، وغالبيتهم لا يأكلون فى أسبوع الآلام سوى الخبز والملح فقط».
وأشار إلى أنه «حتى الأقباط غير المكرسين أو الذين لا يعيشون فى الرهبنة، فإنهم لا يأكلون شيئًا حلو المذاق من الطعام الصيامى كالحلوى والمربى والعسل مثلًا، لأنه لا يليق بهم أن يأكلوا شيئًا حلوًا وهم يتذكرون آلام السيد المسيح، كما أنهم لا يأكلون طعامًا مطبوخًا، كى لا يشغلهم إعداد الطعام عن العبادة».
ولفت إلى أن غالبية الأسرار تعطل فى هذه الأيام عدا سرى الاعتراف والكهنوت، فمثلًا لا تمارس فى هذا التوقيت أسرار المعمودية أو الميرون أو التجنيز، ولا يرفع بخور أو تقام قداسات أو عقود سر الزواج، فيما تؤجل «مسحة المرضى» إلى جمعة ختام الصوم.