رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالوهاب ونهلة القدسي.. أحبها في بيروت واختطفها في دمشق ليتزوجها في القاهرة


عاش الموسيقار الخالد محمد عبدالوهاب كـ" النهر الخالد" يبدع ويطرب الملايين، على مدى أربعة عقود من الزمان، لم تهتز أوتاره ولم تهدأ أنغامه، فقد كان الرجل يحمل قلبا يعشق الجمال، ويتعبد في محرابه بكل ما يمتلك من جوارح، ورغم عشرات قصص الحب التي انتشرت عنه، إلا أن عشقا واحدا أسر عقله وقلبه وجعله مستعد لأن يدفع حياته ثمنا من أجل أن " يحيا الحب".

قصة حب هزت كيانه وجعلته يتحول – وهو في نهاية الخمسينات- إلى فارس من فرسان العصور الوسطى، مستعد لأن يختطف محبوبته التي ملكت قلبه ويهرب بها على صهوة جواده الأبيض، وقد فعلها عبدالوهاب بكل جسارة ليتزوج بالسيدة نهلة القدسي.



كان الموسيقار محمد عبدالوهاب قد تزوج قبلها مرتين، الأولى عام 1931 من الأرملة الثرية زبيدة الحكيم وعاشا معا لمدة 11 عاما دون أن يرزقا بأولاد، ثم تزوج من السيدة إقبال نصار عام 1942، وأنجبت له أولاده الخمسة أحمد ومحمد وعائشة وعفت وعصمت، ودام زواجهما قرابة 15 عاما.

وبينما كان عبدالوهاب في أوج مجده وشهرته في نهاية الخمسينات، وبالتحديد في عام 1957، مرت كالطيف في حياته.. كانت تعتقد أن مرورها سيكون عابرا، فهي زوجة الشاعر والدبلوماسي والسياسي الأردني عبد المنعم الرفاعي، الذي شغل من قبل منصب رئيس الوزراء في بلاده، وقد أثمر زواجها عن ابنهما الوحيد " عمر".

كانت في زيارة مع زوجها إلى بيروت، وبمصادفة نادرة رسمها القدر بكل براعة، نزلا في فندق "بريستول" حيث كان يقيم الموسيقار محمد عبدالوهاب، والذي أشيع أنه مصاب بوعكة، ولكي تكتمل روعة المصادفة قررت صديقاتها من سيدات المجتمع الراقي أن يزرن عبدالوهاب ويتمنين له الشفاء، وتمنت أن تكون معهم لكنها ترددت كثيرا، لذلك رفضت في البداية لكن صديقاتها تمكن من إقناعها بأن تحضر الزيارة متخفية، وبالفعل غطت عينيها الجميلتين بنظارة سوداء كبيرة.. يبدو أنها جعلتها أكثر سحرا وجمالا أمام فنان يعشق الجمال والجميلات.

ترك عبدالوهاب كل الحاضرين وتوجه إليها مباشرة، وسألها لماذا لا تخلعين نظارتك؟ وأمام رفضها قرر أن يستفزها فسألها بكل مباغت " هل أنت حولاء" فغضبت وردت بحدة " أنت قليل الأدب" وانصرفت.
خرجت نهلة القدسي من الغرفة لتدخل قلب عبدالوهاب إلى الأبد، لم يعرف ما الذي حدث، كيف سحرته بهذه السرعة وملكت كل تفكيره، وأخذ يجمع المعلومات من كل من الفندق، حتى عرف من هي، ومن دون تردد اتصل بزوجها في جناحه بالفندق وطلب أن يراه، ومرة أخرى رأى نهلة القدسي من دون نظارة سوداء، أمرأة ساحرة الجمال وهي صامتة، تزداد سحرا وألقا إذا مابدأت في الكلام، فهي ابنة عائلة حلبية عريقة وتربت على حياة الصالونات الراقيــــــة، بعد دقائق من بداية الأمسية بدا أكثر انجذابا لها وزاد هيامه وولعه بها، والحقيقة أن الإعجاب لم يكن من طرف واحد، فقد اهتز قلبها بعد الحديث معه، وبعدها لم تنقطع الاتصالات الهانفية بينهما.

اشتعلت نار الحب بسرعة كبيرة، وفوجئت به يتحدث معها عن الزواج.. مفاجأة رائعة لم تتوقع أن تحدث بهذه السرعة، ولكن كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أنا زوجة شخصية كبيرة وأم ؟ التقاليد والصحافة والناس... كيف يمكن أن نواجه كل هذا.. والأهم هل سيقبل زوجي أن يطلقني؟ هل يكتفي بأنه سيأخذ ابننا فقط كما تقضي التقاليد في بلده..؟.

لم تنجح حيرتها وتساؤلاتها في أن تهدئ من هذا السيل الجارف من المشاعر، الذي أصبح مسيطرا على كل ذرة في كيانه، فأصبح لا يفكر إلا في شيئ واحد وهو كيف يعيش بالقرب منها؟.

فاتحت زوجها في الأمر وطلبت الطلاق، لكنه رفض بشكل قاطع، فكان القرار الحاسم الذي اتخذه عبدالوهاب وأخبرها به، حيث طلب منها أن تهرب من البيت إلى دمشق حيث سيكون في انتظارها هناك، بعد أن يكمل ترتيباته على أعلى المستويات لتأمين سفرهما من دمشق إلى القاهرة.
وصل عبدالوهاب إلى الفندق المطل على نهر بردى، وجاءه الاتصال من حبيبته صباح يوم الاثنين حيث أخبرته أنه ستلحق به صباح الأربعاء، وعاش عبدالوهاب لحظات قاسية من القلق والتوتر على مدى ثمانية وأربعين ساعة، وبدا كل المحيطين به يدركون هذا على وجهه الذي لم يروه بهذا العبوس أو الشحوب من قبل.. كان يفكر فيما يمكن أن يحدث لها لوعرف زوجها بخطتها للهروب من البيت، ماذا سيفعل بها وأي خطر يمكن أن تتعرض له، لم ينم حتى الصباح وظل ينظر من النافذه يحدق في أي سيارة أو في أي شخص يقترب من الفندق.. وأخيرا جاء الفرج عندما توقفت السيارة الفاخرة أمام باب الفندق ونزلت منها نهلة التي كانت تغطي رأسها وأجزاء كبيرة من وجهها بإشارب.. وتوجهت إلى بوابة الفندق فلم يطق صبرا ونزل يستقبلها بعناق حار في البهو وسط ذهول الحاضرين.

في غضون سويعات كان كل شيئ معدا، وكانت اتصالات عبدالوهاب لا تنقطع مع المحامي مجدي العمروسي في القاهرة، وعندما طمأنه بأن كل شيئ أصبح آمنا، توجه مع نهلة إلى المطار، وقيل أن جهات سيادية كانت تتابع تطورات الموقف دقيقة بدقيقة وقيل أيضا أنها تولت الكثير من الترتيبات.
وعلى الفور بثت وكالة أنباء الشرق الأوسط الخبر، فتحرك الزوج بحنكة السياسي المخضرم ليحتوي الأمر بأقل خسائر ممكنة، فأعلن للجميع أنه وزوجته نهلة القدسي قد توصلا إلى الطلاق.

بدأ عبدالوهاب ونهلة يتنفسان الصعداء، وكان عليهما انتظار انتهاء إجراءات الطلاق ووصول أوراقه إلى مصر، ثم انتظار انقضاء العدة الشرعية.. وأخيرا دخل الموسيقار الكبير إلى القفص الذهبي للمرة الثالثة والأخيرة.