رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالوهاب داود يكتب: كريسماس بلا صداع


فى مسلسل «تاجر السعادة»، الذى كتبه عاطف بشاى، لم يكن النجم خالد صالح أكثر من «عوّاد» كفيف، فشل فى دراسته، لكنه استطاع أن يُقنع مَنْ حوله بأنه صاحب كرامات، وأن يبيع لهم وَهْم قدرته على إسعادهم. ومما أذكره أننى التقيت المخرج رضوان الكاشف فى استراحة أحد الأفلام، وكانت قد مضت سنوات على آخر فيلم له، فاتخذنا جانبًا، حيث حدثنى بشغف عن موضوع فيلمه الجديد، قبل أن يستحوذ على انتباهى وهو يبلغنى باسمه المبدئى، كان العنوان ملفتًا وجميلًا، لكن عندما عدنا إلى صالة العرض، كان بداخلى يقين بأنه سوف يضطر لتغييره إلى عنوان تجارى، يضمن للمنتج رواجًا لدى الجمهور الباحث عمن يبيع له الوهم، ربما حاولت إقناعه أن يتمسك بالعنوان الذى اختاره هو ومؤلفه، وحاول تطمينى بأنه لن يغيره، لكن ما حدث بالفعل، هو أنه لم تمضِ أسابيع حتى جاءتنى دعوة لبدء تصوير فيلم «الساحر»، يومها نظرت إلى الدعوة بأسى وحزن شديدين، فقد عرفت أنه قد تمت الإطاحة بـ«نظرية البهجة» لحساب شباك التذاكر.
وعندما فكرت فى عنوان لهذه الزاوية، التى أرجو أن تستمر، كان العنوان المبدئى الذى راودنى، هو «تاجر السعادة»، لم أكن على يقين مما أريد أن «أبيع» لكم هنا، لكننى بالتأكيد، لا أريد أن أبيع الوَهْم لأحد، فليست لى «كرامات مصباح»، ولا أنتظر العائدات من شباك التذاكر.. والحقيقة أنه لم يكن فى ذهنى غير مونولوج المبهج الأبدى إسماعيل يس «عم يا صاحب السعادة»، لأننا «كلنا عايزين سعادة».
لتكن هذه المساحة بوابة لنا «معًا» للاحتفال بالحياة، لذاتها، بعيدًا عن أى تعقيدات، أو قواعد، وليكن اتفاقًا، ألا تفتيش فى ضمائر، ولا أحكام نهائية، بل لا أحكام مطلقًا، فلا أنتم آلهة، ولا أنا نبى، لستم قضاة، ولن أقف فى ركن الدفاع، نحن هنا معًا «عايزين سعادة»، فخلونا ندور عليها بالراحة، ومن غير قلق.
على أى حال.. كل عام وأنتم بخير، فقد بدأ بالأمس موسم أعياد الميلاد المجيد، وهى أيام يمتد فيها السهر، إلى جانب الصلوات والطقوس الدينية بالطبع، وكما ترسخت طقوس للاحتفال بالمولد النبوى لدى عموم المسلمين، ترسخت لدى المسيحيين طقوس للاحتفال بميلاد السيد المسيح، أساسها السهر، وتبادل الهدايا، وتناول ما تيسر من المشروبات، مع زيادة حادة فى استهلاك الكحوليات، يتساوى فى ذلك المسلمون والمسيحيون واليهود، ومن لا دين لهم، ما يؤكد أنها عادة بلا مرجعية دينية، خصوصًا أن هناك الكثير من الأصدقاء الأقباط الذين أعرف عنهم جيدًا أنه لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بها، ولا يقربونها، لا فى «الكريسماس» ولا فى غيره، لكن الواقع يؤكد حقيقة الارتفاع الحاد لمبيعات الخمور خلال هذه الفترة، وهناك حكايات عن كتّاب وفنانين «بهدلوا الدنيا» فى هذه الليلة، منهم من يقضيها فى التنقل بين البارات، والمطاعم، والفنادق، ولا ينتهى بهم الحال على خير طبعًا.. ومنها حكايات الشاعر العراقى الكبير مظفر النواب، الذى يكاد لا يخلو بار فى القاهرة إلا وبه ذكرى له، أو أثر لمروره الصاخب، ومنها ما عاينته بنفسى من فقدان شاعر وصحفى كبير لبصره بسبب الإفراط فى «الشرب» ليلة رأس السنة، بسبب الخمر المغشوش طبعًا، لكنه عندما وصلت المحكمة إلى شبه قرار بإغلاق «البار»، القريب من مبنى نقابة الصحفيين بوسط القاهرة، تراجع عن القضية، مرددًا عبارته التى ما زالت تتردد فى رأسى: «تُغلَقُ عينى، ولا يُغلقُ فى القاهرةِ بار».
فإن كان لا بد من تناول الكحوليات فى ليلة رأس السنة، فلا بأس بالقليل منها، لا داعى للإفراط، وإن كان لا بد من الإفراط، فلا بأس بالجيد المضمون الصنعة، لا داعى للمغشوش، وإن كان لا بد من المغشوش، فلا داعى للتنقل بين الأنواع مختلفة التركيز، ولا داعى للإكثار من «المزات أو الطعام، خصوصًا السكريات»، وإن كان لا بد من القيادة فى طريق العودة، فلا بأس «بنفس أو اثنين من سيجار» لتفادى التوقيف فى إشارات المرور، فالسيجار وحده قادر على إخفاء رائحة الكحول. ولا مفر من تناول كوب كبير من «اللبن» بمجرد الاستيقاظ، مع قرص «أسبرين» لتفادى اصطباحة عامرة بالصداع، والزغللة، والدوخة.. وكل عام وأنتم بخير.