رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قراءة فى المشهد السياسى


الإرادة الشعبية الثورية هى الهادى والضامن لطريق الثورة ولتحقيقها على أرض الواقع تحقيقاً لآمال الجماهير العريضة ولذا تصبح حكومة الببلاوى على موعد مع القدر لكى تحقق الخطوة الأولى فى طريق المسيرة الثورية الطويلة.

إذا كانت الثورة هى التغيير الجذرى للمجتمع للأحسن فى جميع المجالات فهذا يعنى أن إسقاط السلطة أو إقالة الحكومة أو إيقاف العمل بالدستور وحل المجالس النيابية ليس هو الثورة أو أن هذا هو غاية المنال.. ولكن هذا هو البداية والخطوة الأولى فى طريق التغيير الثورى وإذا كان الشعب المصرى العظيم على غير عادة التاريخ قد قام بموجتين ثوريتين فى أقل من عامين ونصف العام وأسقط مبارك وبعده مرسى لأنهما كانا مغيبين عن الشعب وبعيدين عن مشاكله مستهينين بقدرته فاقدين ثقته غير قادرين على كسب مصداقيته باحثين عن مصالحهما الضيقة الذاتية والتنظيمية فإن هذا هو الانقلاب الثورى الشعبى الذى ساندته القوات المسلحة الذى يحتاج إلى نضال دائم وبذل الغالى والنفيس حتى يصبح ثورة كاملة محققة على أرض الواقع محققة آمال الجماهير الواسعة.

ولذا فالظروف الاستثنائية التى يعيشها الوطن والمشاكل المحيطة بالمواطن على مدار الساعة والمصاعب الجمة التى تحاصر السلطة المؤقتة لا تترك هناك أى مجال للتجريب فالبدائل تقلصت وأصبحت محدودة كما أنه هناك فارق بين الثورة وبين الإصلاح فالمجلس العسكرى طنطاوى وعنان لم تكن له أى علاقة بالثورة وإن أقصى ما كان يبتغيه هو عملية إصلاحية تسقط التوريث انتهت باختطاف الإخوان للثورة وللوطن. كما أن اختيار رئيس المحكمة الدستورية العليا «بالحظ والقدر» كرئيس مؤقت للبلاد فى هذه المرحلة الانتقالية فهو لا علاقة له بالسياسة ولا بالثورة بحكم الواقع والموقع.

وهذا يعنى أن النظرة الإصلاحية أكثر حضوراً لديه من الطريق الثورى وقد ظهر هذا فى الدور المتصاعد لمجموعة مستشاريه وعلى رأسهم المسلمانى وبنفس الوضوح فإن رئيس الوزراء د. الببلاوى بحكم تجربته العملية فى المؤسسات الاقتصادية العربية ومن منطلق عقيدته السياسية والاقتصادية بانتمائه لحزب ليبرالى يمثل يمين الوسط فهو أيضاً لا علاقة له بالثورة وأقصى ما لديه هو عملية إصلاحية فى الجانب الاقتصادى سيحكمها الجانب العلمى أكثر من السياسى والأهم أنه لا يجب أن يغيب عن أنظارنا غياب التنظيم الثورى والطلائع الثورية التى كان يجب أن تتصدى للمشهد الثورى من خلال برنامج شورى محدد التوجهات معروف المراحل ولكن كان البديل هو الهبة الجماهيرية الرائعة بموجتيها «يناير ــ يونيو» بشعارات سياسية اجتماعية عامة أكثر منها ثورية مازالت شعارات لم تدخل مجال التنفيذ والتطبيق.

فى ظل هذه المعطيات السياسية للمشهد السياسى يكمله ذلك الموقف فى الجانب الآخر لجماعة الإخوان ومعها مجمل التيار الإسلامى بكل فصائله «مؤجلين خلافاتهم التكتيكية» رافضين لما حدث من انقلاب ثورى شعبى ساندته القوات المسلحة حفظاً لدماء المصريين بعد فشل مرسى فى عام حكمه الأول معتبرين أن ما حدث هو انقلاب عسكرى ضد حكم ديمقراطى ناسين أو متناسين أن الصندوق ليس هو كل العملية الديمقراطية ولكنه أداة شكلية لمعرفة التوجهات العامة والاختيارات الجماهيرية وهذه التوجهات وتلك الاختيارات يمكن أن تقاس بكثير من الآليات الديمقراطية بغير الصندوق ومنها وأهمها تلك الهبات الجماهيرية التى أسقطت مبارك فى يناير 2011 وبنفس الآلية مضافاً إليها توقيع اثنين وعشرين مليون مواطن على استمارات تمرد تعلن رفضها للنظام أسقطت مرسى، وهنا يجب أن نعى أن مشكلة الإخوان ومن معهم ليس كرسى السلطة فى مصر ولكن الأهم هو أن هذا الكرسى هو المفتاح السحرى لتحقيق المشروع الإخوانى التاريخى والعالمى لكى يحققوا الأستاذية على العالم ووصول سلطة تقول إنها إسلامية فهذا هدف لمجمل التيار الإسلامى حتى تحقق الخلافة الإسلامية.

ولذا فقد وجدنا تلك المواقف التى لا تريد أن تعترف بالواقع وأن تستوعبه وأن تعتبره جولة تحتاج إعادة التقييم الذاتى استعداداً لجولات أخرى ولذا وجدناهم وعلى غير ما كانوا يعلنون طوال تاريخهم بأنهم ضد أمريكا الشيطان الأعظم وضد أوروبا الصليبية وضد التدخل الأجنبى وجدناهم يطلبون التدخل من أمريكا وأوروبا وغيرها وجدناهم يهددون بالعنف ونشر الفوضى وعدم الاستقرار رغم أن أمريكا وأوروبا لا يعنيهم غير مصالحهم حتى لو تحالفوا مع الشيطان ولذا نرى مواقفهم التى تتغير على مدار الساعة خاصة بعد زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية واشتون مندوبة الاتحاد الأوروبى فإذا كان هذا هو المشهد فماذا يكون الوضع؟ فإذا كان المشهد كذلك فالأهم هو تلك الإرادة الشعبية العظيمة والرائعة التى أصبحت تعبر عن نفسها بطريقة غير مسبوقة فى تاريخ الانتفاضات والثورات من حيث اختصار الزمن والقدرة على الحشد.

لذا فهذه الإرادة الشعبية الثورية هى الهادى والضامن لطريق الثورة ولتحقيقها على أرض الواقع تحقيقاً لآمال الجماهير العريضة ولذا تصبح حكومة الببلاوى على موعد مع القدر لكى تحقق الخطوة الأولى فى طريق المسيرة الثورية الطويلة وهذه الخطوة تتمثل فى عدة مهام مهمة لا تحتمل المساومة أو التردد أو التأخير وهى الأمن والاقتصاد فلا أمن ولا أمان ولا استقرار سياسى واجتماعى واقتصادى بغير استتباب الأمن وشعور المواطن بالأمان لا إنتاج ولا استثمار دون أمن واستقرار وعودة الثقة بين الشرطة والشعب والدور المهم الذى تقوم به الشرطة منذ 30/6 يعنى السعى للمزيد وتسهيل كل المتطلبات للأمن حتى يؤدى دوره وفى إطار القانون بعيداً عن تصفية أى حسابات حتى لا نكرر ما تم فى ظل حكم الإخوان أما المشكلة الاقتصادية فرغم تفاقمها وتجذرها من حيث زيادة عجز الموازنة العامة وارتفاع معدلات البطالة وزيادة حجم الدين الداخلى والخارجى وفوائدهما ونقص احتياطى النقد الأجنبى.

فهذا وغيره كثير يحتاج إلى نظرة غير تقليدية وإلى حلول ثورية فى الفكر والإبداع والأداء والمطلوب أن تشعر الجماهير بالحلول السريعة لمشاكلها اليومية حتى تعود الثقة فى الحكومة والدولة فتعود هيبتها الأهم فليعلم الجميع الحكومة والتيارات السياسية التى أخذت نصيبها من الكعكة والشباب الثورى والشعبى العظيم الذى هو الصانع الحقيقى لما يحدث أننا فى بداية الطريق والطريق طويل ولا يجب أن نقع فيما كان بعد 25 يناير ونكرر الأخطاء، الآخر لن يسكت وهذا حقه ولكن فى الإطار السلمى والثورة تنجح بالتلاحم الجماهيرى لكسب ثقتها فى الانتخابات القادمة وإلا ستظل تدور فى الحلقة المفرغة.. حفظ الله مصر وشعبها من كل سوء يا رب العالمين.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق