رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإعلام والاتصال التفاعلي.. المسكوت عنه في ثورات الربيع العربي

الإعلام والاتصال
الإعلام والاتصال التفاعلي.. المسكوت عنه في ثورات الربيع الع

باتت وسائل الإعلام والاتصال التفاعلي وشبكات التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك ويوتيوب وتوتير والوايتساب والمدونات والتغريدات، من أبرز وسائل الاتصال السريعة التي تنقل المشهد في لحظة بالصوت والصورة، وأصبحت تنافس بشدة وسائل الإعلام التقليدية المرئية والمسموعة والمقروءة مثل الفضائيات والإذاعات والصحف القومية منها والخاصة، لدرجة أن معظم ثورات الربيع العربي أغفلت دور هذه الوسائل التفاعلية، وباتت من المسكوت عنه في هذه الثورات وما يُستجد من ثورات في دول أخرى عربية وعالمية.

وقد تكون أحداث الثورات التي اندلعت في بلدان عربية عام 2011 أبرز مثال للدور الفعال التي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي في تغطية الأحداث الميدانية، دون وسيط أو رقيب، لدرجة أن المتخصصين في مجال الإعلام باتوا يطلقون مصطلح "صحافة المواطن" على عملية تحول المواطن العادي من مجرد متلقٍ للأخبار إلى مشارك في توثيق الأحداث بالصوت والصورة عبر كاميرات الهواتف النقالة.

وأصبحت هذه المواقع والوسائل تتيح مساحات أوسع نسبيا للنقاش والحوار الحر، ولا سيما مع صناع القرار وكبار الشخصيات الذي بات لبعضهم صفحات رسمية على توتير أو فيسبوك أو يوتيوب.

الإعلام التفاعلي قرية كونية

ويمكن القول أنه في ظل الثورة الكبيرة فى مجال وسائل الاتصال التي جعلت من العالم قرية كونية ، وفي عصر استهلاك الأخبار في جمل قصيرة عبر 140 حرفا لم تعد قنوات التليفزيون والصحف هي المصادر الإعلامية الوحيدة التي يستقي منها الجماهير معلوماتهم.

وتشير آخر الاحصاءات الى هناك أكثر من 40 مليون مستخدم لموقع فيسبوك في العالم العربي و260 مليون مشاهدة يوميا على موقع يوتيوب مصدرها دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بينما تعد اللغة العربية من أكثر اللغات نموا على موقع تويتر.

مع تطور الحاسبات ، وشبكات الهاتف ، وشبكات المعلومات ، واستخدام تكنولوجيا البث الفضائي ، وظهور تكنولوجيا الوسائط المتعددة ، وتكنولوجيا الاتصال التفاعلي بتطبيقاتها المختلفة ، ظهرت وسائل اتصالية حديثة وعالمية ومتميزة وذلك لما تمتلكه هذه الوسائل من إمكانات وقدرات وخصائص تكنولوجية تفتقدها الوسائل الاتصالية التقليدية، ولعل أهم هذه الخصائص التي تتميز بها هذه الوسائل الاتصالية الحديثة ـ وفي مقدمتها شبكة الانترنت ـ هي امتلاكها لأدوات تفاعل بين المرسل والمستقبل، وقدرتها علي النقل الحي السريع للمعلومات، واستخدامها للوسائط المتعددة كالصوت والصورة الثابتة والمتحركة، وتبادل الرسائل بين أطراف العملية الاتصالية.

ومن أهم الظواهر الجديدة في فضاء الانترنت ظاهرة المدونات التي تتيح للفرد العادي المستخدم للانترنت أن يكون صحفيا وكاتبا ومنتجا للمعلومات وقادرا على إسماع صوته للآخرين متجاوزا قيود وموانع الوسائل التقليدية .

لذلك اكتسبت ظاهرة المدونات " البلوجز " زخما كبيرا مع تطور تقنيات الإعلام الجديد ، وأحدثت ردود فعل عديدة على المستويين الرسمي والشعبي ، كما أثارت جدلا مستمرا بين المعنيين من السياسيين والإعلاميين والأكاديميين والمختصين والمهتمين باعتبارها "صحافة بديلة" أو أنها منفذ جديد للتعبير الحر دون رقابة ، كما أثارت نوعا من الشك في أن تكون سببا في التفتيت وإثارة النعرات الطائفية.

ومن ذلك ظهر موقع يوتيوب في فبراير 2005 ويعد ذلك فتحا باهرا في عالم الانترنت من حيث الفكرة حيث تشاهد عددا من اللقطات المصورة والطريفة والنادرة، كما ظهر المجموعات البريدية التي تكتفي بتسجيل الاسم والبيانات وتستطيع أن ترى أحدث ما وصل إليه إبداع العقل العربي في مجال بث الصور بأنواعها .

أما الفيس بوك، فقد بدأ على الانترنت منذ سنوات بجامعة هارفارد الأمريكية بجهود الطالب " مارك جوكر بيرك " بغرض تجميع زملائه في الجامعة لتبادل الأخبار وصورهم وآرائهم ليكتسب شعبية واسعة والذي أدى نجاحه إلى إغراء شركة مايكروسوفت العالمية لشراء 5% من أسهم الموقع بمبلغ يتراوح بين 300 ـ 500 مليون جنيه ، ولعل ما جرى في تونس ومصر من ثورة أدت إلى استقطاب الملايين وإجبار الرئيس حسني مبارك إلى سلسلة من إجراءات الإصلاح انتهت بالتخلي عن منصب رئيس الجمهورية وتكليف الجيش بإدارة شؤون البلاد،

ثم كانت ثورة 30 يونيو 2013 والتي أدت هي الأخرى إلى عزل الرئيس محمد مرسي، وانتقلت إدارة البلاد إلى رئيس مؤقت هو المستشار عدلي منصور، مع تدشين ملامح مرحلة انتقالية تؤسس لانتخابات برلمانية ورئاسية جديدة.

عدوى "تمرد" في دول عربية

ولعل من أبرز الأمثلة على أهمية أدوات الإعلام والاتصال التفاعلي، ما تشهده الآن دول عربية مثل تونس والبحرين والسودان من انتشار ما يمكن تسميته بـ "عدوى تمرد" التي كانت سبباً في انهيار شعبية نظام حكم الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين، وكانت مع غيرها من قوى المعارضة سبباً كافياً لزلزلة الأرض تحت أقدام نظام حكمهم.

ونظراً لأن العالم أصبح قرية كونية صغيرة، ظهرت حركة "تمرد" في البحرين تدعو لإسقاط النظام عبر النزول فى مظاهرات كثيفة فى ١٤ أغسطس المقبل، على غرار ما فعلت حركة "تمرد" المصرية فى ٣٠ يونيو الماضى، حيث كان نشطاء فى البحرين قد أعلنوا فى مطلع يوليو الحالى إطلاق حركة معارضة، أطلقوا عليها اسم "تمرد ١٤ أغسطس". وقد دعا المئات من الشباب البحرينى عبر مواقع التواصل الاجتماعى، الشعب للنزول إلى الشوارع بكثافة فى ١٤ أغسطس، معتبرين أن مسيرات ذلك اليوم المنتظرة ستكون تجديدا لاحتجاجات ١٤ فبراير ٢٠١١ التى قادتها المعارضة الشيعية. ولكن وزارة الداخلية البحرينية حذرت فى بيانها إن "من يشارك فى المسيرات والمظاهرات التى تدعو لها تمرد يعد مخالفا للقانون وسيتم اتخاذ الإجراءات القانونية حياله".

كما ظهرت حركة "تمرد" في تونس وتدعوا إلى سحب الثقة من المجلس التأسيسى (البرلمان) ، واعتبرت أن يوم ٢٥ يوليو الجاري الذى يصادف عيد الجمهورية فى تونس قد يكون حاسما إذا تحقق تقدم جيد فى جمع التوقيعات المساندة للحركة والتي جاءت استجابة لمطالب التونسيين بحل المجلس التأسيسى بعد تأكدهم من إنفاق مبلغ قرابة ١٤٠ مليون دينار تونسى (نحو ١٠٠ مليون دولا أمريكى) على كتابة دستور لم يتم الانتهاء منه حتى الآن.

وليست السودان ببعيدة هي الأخرى عن التمرد، حيث أعلنت حملة سودانية انطلقت على غرار حملة "تمرد" المصرية أنها جمعت ٨٢٠ ألف توقيع على استمارة للإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير وذلك بعد أسبوع من انطلاقها من خلال حزب الأمة القومى السودانى المعارض بزعامة الصادق المهدى، والذى أطلق هذه الحملة للتوقيع على استمارة بعنوان "تذكرة التحرير" الداعية لإسقاط النظام البشير.

ويبقى التأكيد على حقيقة أن وسائل الاتصال والإعلام التفاعلي هي التي باتت تهدد عروش الأنظمة الحاكمة من خلال العمل على تعبئة الرأي العام وتوجيهه نحو معرفة حقيقة الأوضاع في بلاده، وكشف سياسة التضليل أو الخداع الإعلامي التقليدي التي كثيرا ما تلجأ إليه الأنظمة لتحسين صورتها أمام شعوبها.