رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ميراث

جريدة الدستور

ميراث الجدة
وضع أبى صورة أمه فى موقع بارز من حجرة الضيوف، تزوجتُ وورثتُ الشقة، لم تشأ زوجتى تخصيص حجرة للضيوف، ولا أن تضع صورة جدتى فوق حائط غرفة أولادها.
تحيرت: فوق أى الحوائط أضع الصورة؟ جلست أحتسى فنجان القهوة، عفوًا نظرت الصورة على مقعد أمامى، بدت مائلة، كانت جدتى تسعى للتعلق بالبرواز الخشبى الأجرب المتهالك.
ورطة جميلة
بلغ الأمر أن تبيع وتشترى وتربح فى السوق، لم تنتبه أن البعض يشترى منها بأسعارها الأعلى، لكونها أنثى ترعى غيرها، وحدها تظن أن الرجل داخلها هو من يقنع الجميع، غير أنها لم تستطع إزاحة صورة الشاب الوسيم العفى، وهو يلاحقها.. فقالت: «لماذا يلاحق هذا الشاب العفى الجميل، الرجل تحت جلدى؟».
حياة خاصة
كان يزعجنى الضجيج الدائم بين أمى وأبى، وأنا صغير السن، إن نهارًا حول مائدة الطعام، وإن ليلًا فوق سريرهما، حتى أننى سمعتهما يضحكان بضجر.. فلما كبرت، تمنيت لو دام الضجيج، وأقدر عليه!
الطين
اشترى الفازة المصنوعة من طين الأرض، خزفًا فخمًا، انتابه الرعب حين تحطمت، بان له، بقايا ديدان تسعى، عظام أجنة مجهضة، وأشياء أخرى لم يخطر على باله أبدًا.. أن يراها!
حزن
كنت أكثر من عض الشفتين، ومن ردد: «وحدوا الله»، ومن شارك النسوة النواح. دهشوا، فلم يكن من أقربائى، كان رئيسى فى العمل، قبل أن يقبروه، سألنى زميلى: «ما كل هذا التراب؟»، أخفيت ذراعى، فشلت فى إخفاء الأتربة من فوق رموش عينى!
البتر
فلما بترا ذراعى، كنت أعلم أننى سوف أظل لفترة من الزمن، أشعر وكأنها لم تبتر.. الآن وبعد كل تلك السنوات، على يقين، أننى صفعت بهما نصف سكان الأرض!
برىء
أعترف: «أنا القاتل».. لساعات وأيام وشهور وسنين، يسلمونه للزنزانة المظلمة، يتبادلون عليه، من الشرطى الجلف، حتى القاضى الوقور. مل اللعبة، آثر الصمت، اكتفى بتحريك بؤبؤى عينيه، فغضب المحامى، ومال نحوه هامسًا: أتحسب أننا لا نعرف أنك برىء!
صمود
إلى جوار سريره بدت صامدة، همس الطبيب: «افتحى المقبرة»، اتصلت برجل المدافن، ظلت صامدة حتى قبرته، تقبلت كلمات العزاء بصمود.. لمحت سيدة جميلة صغيرة رشيقة، أضافت ملابس الحداد جمالًا على جمالها، أحاطوها.. عرفت أنها زوجة أخرى للفقيد، فى تلك اللحظة فقط، نفرت صرخة زاعقة طويلة تعلو مقبرة زوجها وكل المقابر المجاورة؟!
هوة
وكأنهم ألقوا بى فى حفرة بلا قرار، لعلها المقبرة.. حزنت وأنا أرانى أهوى إلى هوة سحيقة، المفاجأة.. وجدتهم يهوون خلفى!
مشاجرة
وقف الرجلان.. عين الأول، صاحبى يرينى اللوحات الفنية وجمال الطبيعة والفتيات اللاتى يأكلن القشطة بالعسل، فردت عين الآخر، صاحبى يعمل ويرينى قلب الساعات اليدوية.. فقالت الأنف، صاحبى يشممنى روائح الزهور.. أنف الثانى، أنا أشم رائحة الطعام الشهى وأكشف الفاسد.. وأنا يشنقنى صاحبى بالموسيقى، فردت أذن الآخر.. صاحبى نجح لأنه يسمع جيدًا.
حتى اليوم لا يدريان سر النظرات العدوانية التى تبادلها الرجلان، ثم أدارا ظهريهما، وذهبا فى اتجاهين متضادين.