رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

والختان يعود ليقتل بناتنا


لم يتبق شيء فى مصر لم تطله يد التدمير والتخريب والتراجع والإقصاء.. آخر الحوادث المؤلمة فى مصر ضحية جديدة لممارسة الختان التى يدعو لها من يسمون أنفسهم بـ«الدعاة»، فهم يدعون أن الختان يصون العفة للبنت، وكم من أصوات تعالت من التيار المتأسلم والمتشدد والمتطرف لترويع البنات والنساء وللدعوة لإلغاء قانون حقوق الطفل المصرى الصادر فى عام 2008.

إن هذا القانون لم يجئ من فراغ ولا من سلطة عليا إبان النظام السابق، وإنما هذا القانون جاء لضمان حقوق الطفل المصرى وحمايته ورعايته بما يليق بدولة بحجم مصر كانت لها الريادة فى كل المجالات.

ولقد كنت من أوائل المطالبين طوال مسيرتى مع القلم بتأمين حقوق الطفل وحقوق المرأة، ولا شك أن كلا القانونين الصادرين، قانون الأحوال الشخصية وقانون الطفل المصرى، جاءا بعد جهود كثيرة وعلى مدى عقود متتالية، وبالضغط على النظام السابق لتحريك القوانين فى اتجاه تحقيق الحماية لكل من الطفل والمرأة.

ولقد طالبت على مدى سنوات طويلة بتحريم العنف ضد الطفل المصرى، وأدنت ظاهرة الختان التى هى بدعة قادمة إلينا من أفريقيا، وقبل إصدار هذا القانون الذى يجرم ظاهرة الختان، قدم لنا الأزهر فتواه فى أنه لم يرد فى تعاليم الدين الإسلامى، كما أن الكنيسة أيضاً قدمت رأيها فى أنه ليس وارداً فى تعاليم الدين المسيحى، وهكذا صدر قانون حقوق الطفل المصرى وبه مادة تقضى بتجريم ختان الإناث وذلك فى عام 2008.

ولكن وبعد تراجع ظاهرة الختان، وبعد ظهور القانون عام 2008، إذا بمن يستبيحون بناتنا مرة أخرى، وهكذا ذهبت الطفلة «سهير الباتع» ضحية لجريمة الختان ولم يتجاوز عمرها 12 عاماً، وهى من محافظة الدقهلية، ويبدو أنه أجرى لها الختان فى إحدى العيادات الخاصة، الختان قد تم بوحشية بالغة لأن سهير الصغيرة لم تتحمل هذه العملية الهمجية فتوفت على الفور.

إن الختان هو عملية همجية يتم فيها استئصال جزء من جسد الطفلة رغماً عنها وفى سن صغيرة، بما يتنافى مع الديانات السماوية والقوانين الوطنية والمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر.

إننى أدعو إلى معاقبة كل من شارك فى هذا العمل الإجرامى الذى أودى بحياة الطفلة المصرية «سهير الباتع» كما أدعو وسائل الإعلام إلى التوعية بحرمة جسد الفتيات المصريات، وضرورة الإبلاغ عن العيادات التى تمارس هذه العملية الإجرامية، وتجريم كل من يقوم بها سواء فى العيادة الخاصة أو فى منزل بعيداً عن الأعين، إن عفة البنت تكمن فى عقلها وتعليمها وتوجيهها إلى الأخلاق النبيلة وإلى تعلم المسئولية عن نفسها.

إن تكريس فكرة أن المرأة مجرد جسد، هو قمة التخلف الذى أصبح ينتشر وتبنته بعض الفضائيات الخاصة فى مجتمعنا مصحوباً بنظرة دونية للبنات من جانب التيارات التى تدعى الإسلامية، وتقدم مستوى رديئاً من التفسيرات المغلوطة للدين.

إن قلبى مع أم سهير التى فقدت فلذة كبدها، وإننى أخشى ما أخشاه الآن أن تعود هذه العادة الهمجية لتمارس ضد بناتنا مع انتشار الفتاوى المغلوطة والهمجية والممنهجة ضد البنات والنساء، لإقصائهن واعتبارهن «عورة».

أننى أدعو الجمعيات والمؤسسات المختصة بحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل لإدانة هذا العمل الإجرامى.

لقد سبق أن أفتى كل من شيخ الأزهر د. أحمد الطيب ومفتى الجمهورية السابق د. على جمعة بأن الختان هو عادة لا تتفق مع الأصول والقوانين الإسلامية، إننا نطالب بمعاقبة كل من قاموا بقتل الطفلة «سهير» حتى لا تتكرر المأساة مرة أخرى مع طفلة أخرى