رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمود خليل يكتب: العلاقات الخفية بين «شيعة إيران» وتيارات الإسلام السياسى

محمود خليل
محمود خليل

شكل قيام الثورة الإيرانية ١٩٧٩ بقيادة «الخمينى» نقطة تحول أساسية فى علاقة السنة بالشيعة، فقبل هذا التاريخ لم يكن ملف العلاقة بين أصحاب المذهبين مفتوحًا إلا على مستوى «التقريب» فيما بينهما، وقد لعب الأزهر الشريف دورًا أساسيًا فى هذا السياق وكانت فتوى المرحوم الشيخ محمود شلتوت بجواز التعبد بالمذهب الجعفرى نقلة نوعية فى تاريخ العلاقة بين السنة والشيعة وجاء فيها: «إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية مذهب يجوز التعبد به كسائر مذاهب أهل السنة».
قامت الثورة الإسلامية فى إيران واستطاعت إسقاط حكم الشاهنشاه «لقب يعنى ملك الملوك» محمد رضا بهلوى، بعدها اضطربت أعصاب العروش السنية التى تحكم دول الخليج، ووصلت تداعيات الثورة إلى مصر، وبدأ مصطلح «تصدير الثورة الإيرانية» فى الشيوع، وارتفعت معدلات الخوف والقلق من تسرب فكرة الثورة إلى المجتمعات الملكية والجمهورية الهادئة حتى الركود، خصوصًا أن الجماعات الإسلامية فى مصر- وعلى رأسها الإخوان- أخذت تعبر عن سعادتها بالثورة التى قامت فى إيران، وأصبح حلمًا مشابهًا يداعب مخيلة قياداتها وأعضائها.. هنالك بدأ ملف الخلاف بين السنة والشيعة فى الظهور من جديد.

جاء على لسان المرحوم عمر التلمسانى- المرشد الثالث لجماعة الإخوان- فى حوار له مع مجلة المصور يعلق فيه على الثورة الإيرانية: «الإيرانيون يأخذون بالمذهب الشيعى ونحن قوم سنيون، والذى بين الشيعة والسنة من خلاف ومصدره الشيعة وليس أهل السنة عميق وخطير. وحين قام الخمينى بالثورة أيدناه ووقفنا بجانبه، مع ما بين أهل الشيعة والسنة من خلاف جذرى فى العقائد، أيدناه لوجود شعب مظلوم كان يظلمه حاكمه أشنع الظلم وأبشعه، وحين يتمكن هذا الشعب من التخلص من ذلك الاضطهاد لا نملك أن ننكر ذلك عليه، نحن أيدناه من الوجهة السياسية لأن شعبًا مظلومًا استطاع التخلص من حاكم ظالم، واستعاد حريته، ولكن من ناحية العقيدة، السنة شىء والشيعة شىء آخر». هذا النص الذى جاء على لسان «التلمسانى» يضعنا أمام فكرة التأثر السياسى الذى بدأ يمارسه الفقه الثورى الشيعى على أهل السنة، وهو تأثر يمتد بجذوره إلى كل من جمال الدين الأفغانى وعبدالرحمن الكواكبى. تأثر جعل فكرة الثورة على الحاكم الظالم مقبولًا ومعقولًا لدى أهل السنة، سواء بصورة سلمية أو بصورة قائمة على المواجهة. خلبت فكرة المواجهة للحكام الظالمين عقول الكثير من شباب أهل السنة، واستعادت الذاكرة حركة «فدائيان إسلام» التى قادها نواب صفوى واعتبرتها نموذجًا جديرًا بالتأمل، خصوصًا فيما يتعلق بالاعتماد على الحركة السرية، وتنفيذ عمليات اغتيال للشخصيات السياسية المناوئة، وتحريض الجماهير على الثورة. ومن المعروف أن شاه إيران «محمد رضا بهلوى» أعدم «نواب صفوى»، بعد محاولة لاغتيال رئيس الوزراء الإيرانى فى الخمسينيات «حسين علاء».

وقد أدى إدراك الأنظمة السياسية العربية لخطورة هذه الفكرة والتداعيات السلبية لهذا الطرح على ثبات عروشهم وأنظمتهم إلى المبادرة لمواجهة «التجربة الإيرانية» الجديدة. بادر الرئيس السادات- رحمه الله- إلى استقبال الشاه، بعد أن رفضت الولايات المتحدة الأمريكية لجوءه إليها، وأنشأ يتحدث للمصريين فى خطبة شهيرة عن المساعدات التى قدمها الشاه لمصر خلال حرب السادس من أكتوبر، واستدعى الحديث النبوى الذى يقول: «ارحموا عزيز قوم ذل»، ثم كانت المواجهة الأخطر عندما اندلعت حرب الثمانى سنوات بين كل من العراق وإيران، وما تبعها من غزو عراقى لدولة الكويت، ثم حرب تحرير الكويت ثم سقوط بغداد عام ٢٠٠٣ على يد القوات الأنجلو أمريكية، ليصعد الشيعة لحكم العراق بعد أن ظل محكومًا حكمًا سنيًا لزمن طويل، ثم كان ما تعلم من تداعيات ناتجة عن التعامل الطائفى من جانب حكام العراق الجدد، ومحاولاتهم المتواصلة لتهميش أدوار السنة، وتجريعهم نفس الكأس التى تجرعته الشيعة فى العراق على مدار تاريخ حكم البعث، ثم دخل تنظيم «داعش» إلى المشهد الذى أعلن بعد أسابيع من سيطرته على الموصل وتكريت والرقا إقامة خلافة إسلامية سنية وأخذ يدعو المسلمين السنة من كل حدب وصوب للهجرة إلى المناطق التى يسيطر عليها فى العراق وسوريا لتكوين جيش قوامه مليون مقاتل يعيد الدول الإسلامية إلى حظيرة الخلافة من جديد، ويقاوم التمدد الشيعى فى المنطقة. لم تعد الرايات السود والملابس السوداء زى الشيعة كما ابتكره سليمان بن صرد والمختار بن أبى عبيد الله خلال القرون الأولى من الصراع السنى- الشيعى، بل أصبح تنظيم داعش يرفعها هو الآخر!.