رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لأول مرة.. خطة «سلاح البترول» في حرب العاشر من رمضان

حرب أكتوبر
حرب أكتوبر

رغم مرور نحو 45 عامًا على حرب أكتوبر «العاشر من رمضان 1973»، إلاّ أنه مازال هناك الكثير من الأسرار والحكايات التى لم ترو ولا تعلمها الأجيال التى لم تواكب فترة هذه الحرب.

من هذه الأسرار، التى نجحت «الدستور»، أن تحصل على جزء منها خطة سلاح البترول في الحرب وكيف استطاع هذا السلاح، بقيادة المهندس أحمد عز الدين هلال، الذى تم تعيينه وزيرًا للبترول في مارس 73 لوضع خطة محكمة لامتدادات المدراعات والمعدات العسكرية وتوفير كميات الوقود الكافية داخليًا وخارجيًا خلال فترة الحرب بتعليمات من الرئيس الراحل أنور السادات.

وشهدت حرب أكتوبر أصعب اللحظات التي مر بها الجنود والقيادة السياسية حتى عبور خط برليف بنجاح، وانتصروا بسبب عزيمتهم وقوتهم، كما ساهمت الدول العربية بدور بارز في مساعدة مصر خلال الحرب، وقدمت الدعم الكامل المتاحه لديها من دعم مادى وعسكرى وبترولى.

واستطاع عز الدين هلال، خلال الخطة البترولية ان يقود سلاح البترول فى الحرب دون أن يشعر المواطن المصرى بأى نقص فى الوقود وكذلك تموين سيارات نققل الجنود والمدرعات.

وقال المهندس عبد الله غراب، وزير البترول الأسبق، لـ"الدستور"، إنه أثناء الحرب كان يبلغ من العمر 18 عامًا وشاهد خلال تلك الفترة كيف كانت وزارة البترول بالتعاون مع قيادات القوات المسلحة أن يكونوا فريقًا للعمل لتلبية جميع احتياجات مصر داخليًا بحيث لا يشعر المواطن بأى أزمة فى الوقود.

أشار غراب إلى أن سلاح البترول فى ذلك الوقت كان له دور فعّالًا بالتعاون مع المملكة العربية السعودية والملك فيصل الذى أجبر الدول التى كانت تعاون إسرائيل فى الحرب على التراجع من خلال حظر وصول النفط اليها وإمداد مصر بالوقود للتغلب على العدو الإسرائيلى.

وتابع:"المهندس أحمد عز الدين هلال، كان له دوره الوطنى والعربى والذى يجسّد كيف يستطيع العرب مواجهة الغرب عندما تتوحد إرادتهم، وأن الكثيرين من الشباب في وقتنا الحالى لايعرفون كيف استخدمت مصر سلاح البترول العربى فى حرب 1973.

وشبّه غراب حرب أكتوبر بملحمة 30 يونيو حينما وقف جموع الشعب لاستيرداد مصر من أيادى الخونة، إضافة إلى أن حرب العاشر من رمضان استفاد منها العرب فى استرداد كرامتهم، ومضاعفة إيراداتهم وفوائضهم المالية، من خلال استخدام سلاح البترول والضغط على دول الغرب التى كانت تساند تل أبيب.

كما طالب الرئيس السادات، المهندس أحمد عز الدين هلال لتنفيذ هذه المهام وقال له السادات بعد حلف اليمين: سنحارب وطلب زيادة أرصدة المنتجات البترولية وتوفير إحتياجات الجيش، وفى مايو 1973 زار الملك فيصل عاهل السعودية مصر وسأله السادات عن استخدام سلاح البترول في المعركة ضد أمريكا والدول المؤيدة والداعمة لدولة الاحتلال، فكان رد الملك فيصل: «إذا دخلتم المعركة فنحن معكم»، ويوم 7 سبتمبر اجتمع السادات مع كل الملوك والرؤساء العرب بالسعودية واستدعى الملك فيصل السفير الأمريكى لإبلاغ الرئيس نيكسون أن العلاقات السعودية الأمريكية لا بدّ أن تتأثر إذا استمرت واشنطن في دعم إسرئيل لاحتلال الأراضى العربية، وقال الشيخ زايد آل نهيان، رئيس الإمارات: أنا بدوى قادم من خيمة فى قلب الصحراء ومستعد للعودة إليها فورًا وكل ما تملكه أبوظبى من البترول هو لكم وللمعركة وكان شجاعًا عندما قال: «الحظر لأمريكا إجراء صغير ونحن قادرون على إجراءات لضرب المصالح الأمريكية».

في 15 أكتوبر، كلّف السادات المهندس أحمد هلال بالسفر إلى السعودية ثم الكويت لتنفيذ استخدام البترول العربى فى المعركة، وبالفعل بعد بدء الحرب بـ10 أيام اجتمعت 6 دول خليجية منتجة للبترول في الكويت، ونقل هلال فى بداية الاجتماع وجهة نظر القاهرة الواقعية بأنه لا بدّ أولًا من الحفاظ على الإمكانيات المالية العربية لأن القطع الكلي أو التأميم يدفع الدول المعادية للعرب لتجميد الأموال العربية مع محاولة دفع الدول الصناعية الكبرى للضغط على أمريكا وإسرائيل، وبالفعل قرر العرب البدء بخفض الإنتاج، بل قررت مبدئيًا أن يكون لها حق تسعير بترولها وليس شركات الكارتل العالمي وهى 7 شركات بترول كبرى كانت تتحكم فى إنتاجه وتسعيره عالميًا من جانب واحد وليس للدول العربية أى حق.

وكان موقف الدول العربية التي قررت تنفيذ زيادة سعر بترولها 70% وبذلك ارتفع سعر بترول السعودية من 3 دولارت للبرميل إلى 5 دولار والعراق من 4 إلى 7 دولاروليبيا من 4 إلى 8 دولارات، وكان رفع السعر دولارًا يعنى أن تدفع أمريكا ودول أوروبا زيادة 10 مليارات من الدولارات.

واقترحت ليبيا والعراق حرمان واشنطن من البترول العربى وتأميم المصالح البترولية الأمريكية، وسحب الأرصدة العربية من أمريكا، وفى اليوم التالى17 أكتوبر قرر الوزراء البدء في خفض الإنتاج 5% وتزداد أو تقل النسبة بمدى تعاون الدول المستهلكة مع إسرائيل.

كان العرب فى ذلك اليوم أغنى أغنياء العالم بقرارات زيادة الأسعار 70% وخفض الإنتاج 5% ولم يتردد العرب فى التخلى عن سياسة الحكمة والتروى، فأعلنت كل الدول العربية وقف تصدير بترولها بالكامل إلى أمريكا وهولندا وكندا وجنوب أفريقيا والبرتغال بالكامل وألغت البحرين التسهيلات للأسطول الأمريكى، وأصيب العالم بذهول بعد تخفيض الإنتاج العربى 10% لباقى الدول المستهلكة الداعمة لإسرائيل.

مع وقف إطلاق النار فى 23 أكتوبر استمرت حرب البترول ولم تتوقف، وظهرت نتائج أكتوبر 73 بسرعة فغالبية الدول المؤيدة أجبرت على تغيير مواقفها الداعمة لإسرائيل ودافع السفير الهولندى بإيران أن بلاده لم تمد إسرائيل بالسلاح ولم تنقل جنودها إلى إسرائيل، وأوقفت برلين إرسال الأسلحة لإسرائيل وغيّرت اليابان سياستها المؤيدة لإسرائيل وتغيرت سياسات كل الدول وأيدت جميعها التمسك بقرار مجلس الأمن الشهير رقم 242 بإنسحاب إسرائيل من جميع الأراضى المحتلة، والذى ذهب مع الريح، ولم يتبق للدول العربية التى كانت فقيرة فأصبحت غنية بمضاعفة موارده من البترول على حساب دماء الشهداء من أبطال مصر فى حرب أكتوبر.

قال مدحت يوسف، الرئيس الأسبق لهيئة عمليات وزارة البترول، إن سلاح البترول شارك فى نجاح حرب اكتوبر بنسبة كبيرة، وذلك عندما اتفق العرب بأن يكون لهم دور حاسم وفعال فى المعركة وإعادة ما سلب منهم من أراضى وموارد مالية وبترولية، فكانت حرب العاشر من رمضان هى أكبر فرصة للعرب للمشاركة فيها لاعادة حقوقهم المنهوبة.

أوضح يوسف أن الدول الاوربية كانت تقف طوابير لنقص المواد البترولية اثناء الحرب خاصة بعد فرض حظر النفط اليها ليصبح جزءًا من أدوات الضغط عليها للتوقف من مساندة اسرائيل فى الحرب، وجاء ذلك عبر إذاعة نبأ قطع البترول عن هذه الدول فى الإذاعات العربية والعالمية، ما أدى لإصابة الدول الأوربية بالصدمة وأعلنوا وقتها حظر قيادة السيارات خلال فترة الحرب، وفي هولندا حثت السلطات على استخدام الدراجات الهوائية، وكان الأمر صعبًا على اليابان التي تعرضت لضغوط نفطية من أجل قطع علاقاتها مع دولة الاحتلال.

وأشار يوسف إلى أن بعض الدول الأوربية والولايات المتحدة اعتمدت خطط استراتيجية بديلة والبحث عن مصادر أخرى للوقود كطاقة الرياح والطاقة الشمسية، إضافة إلى قيام بعض الدول بتحويل معداتها ومصانعها لتكنولوجيا حديثة لتواكب الخليط الجديد للبترول، ما كلفها مليارات الدولارات للتخلص من سيطرة العرب على الموارد الطبيعية "الوقود".