رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القرآن يتحدى الإلحاد بنظرية النسبية وأينشتاين


«ألم تَرَ إلى ربك كيف مَدَّ الظِّلَّ ولو شاء لجعله ساكنًا ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا». هناك من ينظر إلى الحياة من زاوية ضيقة، وهو أنه يريد الكون كله ساكنًا لا يتحرك، ويرفض التطور، فهو يعيش فى الماضى، مثل هذا سيعانى بشدة، لأن الحياة دائمًا متحركة، كل شىء فيها نسبى، والثابت الوحيد فيها هو القيم والأخلاق.
فى الدين أيضًا، هناك متدينون يريدون أن يعيشوا عصر النبى الكريم، لا حياته، أى بنفس طرق وأدوات زمانه، مع أن الله أخبرنا فى القرآن بأن الكون كله متحرك «كل يوم هو فى شأن»، «يقلب الله الليل والنهار»، «يزيد فى الخلق ما يشاء»، والثابت الوحيد هو الله وحده «كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام».
كذلك فى العلم، هناك ثابت وآخر نسبى، حسب نظرية النسبية لـ«أينشتاين»، فإن الزمان والمكان نسبيان، والثابت الوحيد الذى لا يتغير أبدًا هو سرعة الضوء ٣٠٠ ألف كم فى الثانية، والباقى كله متغير، بعكس نيوتن الذى يقول إن الكون كله فى حالة سكون.. الزمان والمكان ساكنان.
علماء الفيزياء فى مزاحهم يشبهون أينشتاين بشعره الطويل، الذى لا يعتنى به، ونيوتن بشكله الأنيق على أنهما نقيضان، وهم يعبّرون عن سعادتهم بنجاح نظرية الأول، لأنه لولاها ما ظهر اختراع الكهرباء ومولدات الطاقة، والمفاعلات النووية، ولما أمكن استخدم «جى بى إس».
فـ«أينشتاين» يرى أن الكون هو عبارة عن حركة صاخبة، الأرض تدور حول نفسها، وفى الوقت ذاته تدور حول الشمس، والشمس بمجموعتها كلها تجرى حول المجرة، حتى المجرات فى الكون تتباعد عن بعضها بصورة مستمرة ومنتظمة.
ويستحيل أن نحكم على حركة أى كوكب على أنها حركة مطلقة أو سكون مطلق، بل نقول إن الكوكب الفلانى يتحرك بالنسبة للكوكب الفلانى حركة نسبية.
عندما تشاهد صاروخًا ينطلق لأعلى، تلاحظ أنه كلما ابتعد قل طوله فى اتجاه حركته، حتى يبتعد تمامًا، وهذا أول ركن من أركان النظرية النسبية لـ«أينشتاين»، ومن بداخل هذا الصاروخ ستتأخر ساعة الوقت فى يده، وإن لم يشعر بذلك، لأن إيقاع قلبه وجميع عملياته الحيوية فى الصاروخ ستتباطأ، وكلما زادت الحركة سيزيد تباطؤ الزمن، وهذا هو الركن الثانى من أركان النظرية النسبية، يتباطأ الزمن كلما زادت السرعة حتى نصل لسرعة الضوء، فيتوقف الزمن، وإن كان الوصول لسرعة الضوء بالطبع مستحيلًا.
ولنفترض - على سبيل المثال - أنه لو لك أخ توأم انطلق بالصاروخ إلى الفضاء وكان عمره ٢٠ سنة، فإنه سيكبر ببطء بسبب تباطؤ الزمن، بينما أنت ستكبر بالمعدل الطبيعى، ولو ظل فى الفضاء لمدة ٧٠ سنة، سيصير عمرك ٩٠ سنة، بينما هو سيكون فى عمر ٣٠ سنة.
وهذا ما أثبته العلم بدقة، كما تنبأ أينشتاين بالضبط، من خلال التجربة «روبيديوم كلوك»، وهى ساعة دقيقة جدًا، وُضعت فى صاروخ انطلق فى الفضاء بسرعة ١٠٠ ألف ميل فى الساعة، وفى نفس الوقت وضعوا طبقًا لاسلكيًا ضخمًا يستقبل دقات الساعة على الأرض، فاتضح أن الساعة أخرت بنفس الطريقة التى حسبها أينشتاين فى المعادلة.
أركان النظرية النسبية هى:
- الحركة تقلل الطول.. انكماش الطول.
- سرعة الحركة تقلل الزمن.. تباطؤ الزمن.
- كل شىء نسبى متغير إلا سرعة الضوء ثابتة «٣٠٠ ألف كم فى الثانية».
لكن هناك شيئًا قاله العلم فى عام ٢٠١٥ له علاقة عجيبة بالدين..
الدكتور جيمس كولاتا، أستاذ الفيزياء النووية المتفرغ بجامعة ميتشيجان، ألّف كتابًا بعنوان: «علم الكونيات الابتدائى: من كون أرسطو إلى الانفجار الكبير وما بعدها»، وبالتحديد فى صفحة ٤٩ إلى ٥٠، تحدّث عن النظرية النسبية، وأركانها، وأوضح أقوى مثال لفهمها، وهو ظل الإنسان، وقد استعان بتجربة بسيطة اعتمدت على متابعة حركة الظل.. كيف؟
أتى بعصا ووضعها داخل غرفة تسمح بدخول ضوء الشمس، وكان طول ظل العصا، وهى فى وضع أفقى، ١ متر على أرضية الغرفة، وطول ظلها ١ متر على حائط الغرفة، وهى فى وضع عمودى، وبدأ يحركها بسرعة من الوضع الأفقى للرأسى وبالعكس سريعًا.
لاحظ أن طول العصا يقل مع كل زاوية حركة، وأن الزمن يقل ويتباطأ مع كل سرعة لحركة العصا، وأثبت بالقياسات وبالمعادلات الرياضية أنه حدث لظل العصا انكماش الطول وتباطؤ الزمن نتيجة الحركة.
وتجربة الظل، من وجهة نظر «كولاتا»، هى أبسط فكرة يشرح من خلالها النظرية النسبية وأركانها، لأن ما حصل للظل من انكماش الطول وتباطؤ الزمن نتيجة الحركة هو «النظرية النسبية».
عندما سألوه: لماذا أجريت التجربة على الظل بالذات لتفهم الناس نظرية النسبية؟، قال: لأنها أسهل طريقة للتشبيه لتقريب الصورة لأذهان الناس عنها.
والعجيب أن القرآن الكريم ذكر منذ ١٤٠٠ سنة نفس المثال بالضبط الذى كتبه الدكتور «كولاتا» فى كتابه سنة ٢٠١٥، «ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنًا ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا * ثم قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا».
«ألم تر إلى ربك كيف مد الظل»، إشارة لحركة الظل وعدم سكونه، والمثل هو الظل كمثال سهل لحركة كل الأشياء الأخرى، «ولو شاء لجعله ساكنًا»، تأكيد على أنه متحرك وليس ساكنًا، «ولو شاء لجعله ساكنًا»، وكأنه تهديد لو كان الكون ساكنًا لاستحالت الحياة.. يعنى كلام نيوتن خطأ.
«ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا»، الضوء هو الدليل وسط المتغيرات، والدليل فى الفيزياء هو القيمة الثابتة، «دليلًا» يعنى شيئًا ثابتًا يدل عليه.. إشارة إلى ثبات الضوء.. العلم يقول: سرعة الضوء ثابتة.
«ثم قبضناه إلينا قبضًا يسيرًا»، أى الظل.. القبض للظل يعنى انكماش الطول «الركن الأول فى نظرية النسبية».. «قبضًا يسيرًا» يعنى الزمن يقل ويتباطأ، وهو الركن الثانى من نظرية النسبية.
هذه الآية جمعت أركان النسبية بالحرف الواحد، من خلال التشبيه بالظل تمامًا مثل كلام «أينشتاين» و«كولاتا».. إنها مرايا العلم والدين والحياة.
لماذا جعل ربنا هذه الآية فى القرآن؟ ليقول لنا: الكون كله متحرك.. تحركوا «ولو شاء لجعله ساكنًا»، لكنه لم يشأ ذلك.. شاء أن يجعله متحركًا متغيرًا لنتحرك ونقبل التغير والنسبية.
لكن ليس معنى ذلك أن تقول: ليس هناك إله، وإن كل شىء نسبى، فالعلم يقول: لا بد أن يكون هناك ثابت.. سرعة الضوء ثابتة... كذلك فى الحياة لا بد أن يكون هناك شىء ثابت هو القيم والأخلاق.. كذلك فى الدين، الله هو المطلق الذى لا يتغير.
لو كان كل شىء نسبيًا فى الكون، ولو كانت سرعة الضوء ليست ثابتة لصرنا بلا دليل وتخبطنا وضللنا وضعنا «ثم جعلنا الشمس عليه دليلًا»، وكذلك لو كان كل شىء نسبيًا فى الدين لصرنا بلا دليل وتخبطنا وضللنا وضعنا.. «الله لا إله إلا هو الحى القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم»، وكذلك لو كان كل شىء نسبيًا فى الحياة لصرنا بلا دليل وانهارت حياتنا.. «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».