رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المحارب العربة فى «هوليوود»؟

جريدة الدستور

جاء طرح الإعلان الرسمى للفيلم الأمريكى السعودى «The Arabian Warrior»، المقرر عرضه فى دور السينما خلال مارس المقبل، ليلقى الضوء على الإنتاج الهوليوودى العربى المشترك من جانب، وتناول السينما الأمريكية للعرب والمسلمين فى أفلامها من جانب آخر.
ومما يزيد من أهمية إلقاء الضوء على الفيلم والفكرتين المشار إليهما سابقًا، هو وجود الممثل المصرى الشاب «أمير المصرى» فى دور البطولة، والمعروف لدى غالبية المصريين بدور «ابن وزير التعليم» فى فيلم «رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة» مع النجم محمد هنيدى.
لماذا تستعين هوليوود بمنتجين وممثلين عرب؟، وكيف تصورهم مقابل البطل الأمريكى؟ ومَنْ المستفيد الأكبر من تلك الاستعانة؟، العرب أم هوليوود؟ هذه وغيرها من التساؤلات نحاول الإجابة عنها فى تلك السطور.

هل يعيد أمير المصرى الاعتبار للعرب فى «هوليوود»؟
يعرض فيلم «المحارب العربى» أو «The Arabian Warrior»، وهو أول فيلم إنتاج أمريكى ــ سعودى مشترك باللغة الإنجليزية، فى دور العرض، خلال مارس المقبل.
الفيلم من إخراج أيمن خوجة، وتأليف كل من أيمن خوجة وأليسون والتر، ويدور حول عربى يدرس فى الولايات المتحدة، ويحلم بأن يصبح لاعب كرة قدم، لكن والده يعارض بشدة هذه الرغبة، ما أدى إلى دخولهما فى صراعات كبيرة.
دور البطولة فى الفيلم يؤديه الممثل المصرى الشاب «أمير المصرى»، المولود فى المملكة المتحدة عام ١٩٩٠، ودرس علم الاجتماع فى جامعة «رويال هولواى»، وكان النجم العالمى الكبير الراحل عمر الشريف أول من اكتشفه، ونصحه ببدء التمثيل فى مصر أولًا كى يكون ممثلًا دوليًا.
وبالفعل فى ٢٠٠٨، بدأ «المصرى» مشواره السينمائى، من خلال مشاركته فى الفيلم الكوميدى الشهير «رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة» مع النجم محمد هنيدى، وحقق من خلاله نجاحًا كبيرًا، عن طريق شخصية «رمزى»، الابن الغنى المدلل لوزير التعليم. وفى ٢٠٠٩، فاز «المصرى» بجائزة أفضل ممثل شاب عن دوره فى «رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة»، وفى ٢٠١٠، أدى دور الطالب الجامعى «نبيل» مع ياسمين عبدالعزيز فى فيلم «الثلاثة يشتغلونها».
بعد هذا الفيلم، انضم إلى أكاديمية لندن للموسيقى والفنون المسرحية، وتخرج فيها عام ٢٠١٣، وبدأ حياته المهنية كممثل دولى فى ٢٠١٤، من خلال دور «على رضا» فى الفيلم الأمريكى «Rose water»، الذى استند إلى قصة حقيقية عن صحفى اتهم بالجاسوسية، واستجوب بوحشية فى السجن لمدة ١١٨ يومًا. وفى ٢٠١٦، شارك فى المسلسل التليفزيونى الأمريكى «the night manager»، رفقة كل من توم هيدلستون وهيو لورى، وأدى فيه دور «يوسف». ويصور أمير المصرى حاليًا مسلسل «tom clancy's jack ryan»، الذى سيعرض خلال العام الجارى، ويؤدى فيه دور شخص يُدعى «إبراهيم»، وتدور أحداثه حول وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، والاتصالات مع الجماعات الإرهابية.

فى السينما الأمريكية.. الرجال بدو وإرهابيون وحواء راقصة أو متشددة
رغم دخول النجم العالمى الراحل عمر الشريف بقوة إلى هوليوود من خلال فيلم «لورانس العرب»، وإنتاج الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى الفيلم الأمريكى ــ الليبى «أسد الصحراء» عن حياة المجاهد الليبى الكبير «عمر المختار»، إلا أن العرب واجهوا صورة نمطية «مغلوطة» و«مشوهة» فى هوليوود.
ولم يرتبط ذلك بهجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ فحسب ــ كما يرى كثيرون ــ فالعرب وسكان الشرق الأوسط بصفة عامة يتم إظهارهم فى قوالب نمطية غير صحيحة عن ثقافتهم ودينهم وحياتهم وأفكارهم.
ووصف ــ ولا يزال ــ عدد من أفلام هوليوود وبرامجها التليفزيونية، العرب والمسلمين، بأنهم «همج» و«دمويون» و«أشرار» و«إرهابيون» و«جهلة»، ولم تفرق فى ذلك بين العرب المسلمين والعرب المسيحيين، أو ذوى الديانات الأخرى، فكلهم بالنسبة لـ«هوليوود» يستحقون نفس الصورة القاتمة، القبيحة، الخالية من المصداقية.
وكثيرًا ما صورت هوليوود العرب باعتبارهم أشخاصًا يعيشون فى الصحراء يمتلكون مخالب، ويتنقلون بالجمال عبر السهول، ورغم وجود الجمال والصحراء فى الشرق الأوسط بالفعل، إلا أن السينما الأمريكية تتعمد التركيز عليها دون غيرها، ما جعلها «حقيقة ثابتة» فى الوعى الأمريكى العام، بل الغربى والأوروبى. ومن أحدث الأفلام التى تعمدت تقديم تلك الصورة المغلوطة فيلم «A Hologram for the King»، للنجم توم هانكس، المستمد من رواية صادرة عام ٢٠١٢ للكاتب «ديف إيجرز» تحمل نفس الاسم.
ورغم أن هوليوود كانت فى فترة معينة من الزمن تصور الأمريكيين الأصليين على أنهم «رعاة بقر» إلا أن ذلك «التنميط» لم يستمر للأبد كما تفعل مع العرب.
وإلى جانب صورة «البدوى» يظهر كذلك «العربى الإرهابى الشرير» فى الأفلام والبرامج التليفزيونية بـ«هوليوود»، ونادرًا ما يخلو فيلم هوليوودى من وجود شخصية أو عبارة تشير إلى «الإرهابى العربى».
وأثار ذلك كثيرًا من ردود الفعل العربية الغاضبة، التى وصلت إلى حد «الاحتجاجات»، وهو ما حدث بعد عرض فيلم «أكاذيب حقيقية» لأول مرة عام ١٩٩٤، من بطولة أرنولد شوارزنيجر وإخراج جيمس كاميرون، الذى كان يصور العربى بـ«المتآمر والإرهابى» فى مواجهة البطل الأمريكى «أرنولد». «البرابرة» هى الصورة الثالثة، التى تتعمد هوليوود وصم العرب بها، وهو ما ظهر فى فيلم «ديزنى» الشهير «علاء الدين» الصادر فى ١٩٩٢، وأغنيته التى يشدو فيها «علاء الدين» قائلًا: «من مكان بعيد حيث تجوب الإبل فى قافلة، يقطعون الآذان، إنه بربرى، لكن مهلًا، إنه الوطن»، وبسبب الاحتجاجات التى اندلعت ضد الأغنية، غيرت «ديزنى» كلماتها. ومع ذلك، لم تكن الأغنية هى المشكلة الوحيدة، وتضمن الفيلم مشهدًا يقف فيه تاجر عربى، محاولًا التحرش بسيدة تسرق الطعام لطفلها الجائع.
وجسدت هوليوود المرأة العربية بشكل ضيق ومن منظور خاطئ على مدى عقود، فتم تصوير السيدات العربيات، ومن الشرق الأوسط، على أنهن راقصات عاريات يرتدين ملابس خفيفة، أو كصامتات محجبات غارقات فى التشدد، على عكس الطريقة التى صورت بها الأمريكيات كأميرات أو سيدات عاملات وذوات وجهات نظر. وفى كلتا الحالتين، سواء ظهرت السيدة العربية «محجبة» أو «عاهرة»، إلا أن تلك الأفلام لم تخل من الإشارة إلى «إيحاءات جنسية» عنهن، وهو ما ظهر منذ عقود طويلة، فى أفلام مثل «الليالى العربية» عام ١٩٤٢.
ولعل ذلك كله، ما دفع «وارن ديفيد» رئيس اللجنة الأمريكية العربية لمكافحة التمييز، ليتساءل خلال مقابلة مع «رويترز»: «لماذا يظهر العرب دائمًا على أنهم شيوخ أو إرهابيون أو رجال أعمال بدو أثرياء شهوانيون بسبب النفط؟».
وقال إبراهيم هوبر، المتحدث باسم مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية فى حديث لصحيفة «نيويورك تايمز»: «ليس هناك دافع واضح لإنتاج مثل تلك الأفلام»، مضيفًا: «تقديم تلك الصورة عن المسلمين والعرب أمر غير منطقى».
واعترفت صحيفة «سياتل تايمز» فى ١٩٩٣ بأن الأفلام الهوليوودية تصور العرب بأنوف ضخمة وعيون شريرة.
واتفق مع ذلك تشارلز بوترورث، أستاذ بجامعة هارفارد فى قسم شئون سياسة الشرق الأوسط، بقوله لصحيفة «تايمز»: «الغربيون صوروا العرب برابرة منذ أيام الحروب الصليبية، بل يمكن العثور على تلك الصورة حتى فى أعمال شكسبير».