رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تاج الجزيرة .... السلطانية


لعلكم لا تعرفون من هو خالد الكمالي ؟ ولكنني أعرفه وأعرف تاريخ حياته كله ، ستقولون لي : وما أهمية خالد الكمالي هذا ، سأقول لكم تكمن أهميته في قصته ، وأنا على استعداد تام لأن أحكي لكم قصته على شرط أن تظل هذه القصة سرا فيما بيننا ...

إتفقنا ؟ كان خالد الكمالى أحد الرجال الذين تقلدوا العديد من المناصب الهامة فى عهود مختلفة ، فقد كان رجل كل العهود ، مرضيا عنه عند الجميع ، حتى في ظل حكم الإخوان أصبح قريبا من أحد الرجال الكبار في الحكم ، ولكن خالد لم يكن رجلا عديم القيمة ، بل إنه كان أحد الرجال المهمين في كل العصور ، وقد شغل العديد والعديد من المناصب ، ومن خلال المناصب التى تقلدها قدم العديد من الخدمات لأنظمة الحكم المتتابعة ، لا أقول الخدمات فقط ولكنى مضطراً للبوح لكم أنه ارتكب العديد من الجرائم لإرضاء بعض الحاكمين ، ولإشباع نزوات بعض الوزراء المتفاسدين ، فظلم هذا وسرق هذا وسفك دم هذا ، وبعد رحلة طويلة من الظلم والنفاق والفساد والإفساد آثر أن يستقيل من عمله ، فقد قامت ثورتنا ، وشعر أنه لكي يرتفع مرة أخرى يجب أن ينحني لهذه الريح الصرصر العاتية ، وبعد فترة عندما تبين أن موازين القوى تسير تجاه الإخوان أبدى تدينه ، وسافر للحج مع مرشد الجماعة ، وأخذ يقترب منه في مواقف الحج ، وأمامه كان في بعض مشاهد الحج يقف باكيا وكأن قلبه يكاد ينفطر من شدة الإيمان ، لم يكن خالد الكمالي بدعا فيما فعل ، ولم يكن هو الوحيد الذي أخذ يغذ السير في اتجاه أهل الحكم الجدد ، فهناك دائماً فى أروقة الحكم ودهاليزه من هو على استعداد لأن يقدم أكثر أو أن ينافق أفضل ، ولكن الكمالي استشعر بالحاكم القادم فنافقه قبل أن يصبح حاكما ، وبدلا من أن يكون فى الشارع مثله كبقية المتقاعدين ، أو في السجن مثل كثير من الفلول ، أصبح آمنا مطمئنا على نفسه وقد ساعده في ذلك أن الأماكن التي كان يشغلها من قبل لم تكن تحت الأضواء ، وهذه هي الميزة التي يتقنها الكمالي ، يكون في قلب السلطة ، ولكن في الأماكن غير الظاهرة ، ولذلك لم يتعقبه أحد على حساباته المتضخمة والقابعة بأمان فى بعض البنوك ، والتي جناها من رحلة فساده ، ولم ينتبه أحد لعدة عقارات متفرقة فى البلاد إغترفها واستأثر بها عن طريق مناصبه وسلطاته السابقة ، ولأن الرجل لم يتعود على الركون والدعة ولأنه أراد إستثمار أمواله – أو بالأصح أموالنا - المكتنزة فى خزائنه فقد سارع إلى إنشاء مجموعة شركات تعمل فى مجال الدواجن واستصلاح الأراضى والإستثمارات العقارية ، وما بين ليلة وضحاها أصبح صاحبنا رئيساً لمجلس إدارة هذه المجموعة التى انتشر صيتها ونشاطها فى أرجاء البلاد وأصبحت من الشركات التى يخطب الجميع ودها ، بل إن البنوك الإستثمارية بمختلف تخصصاتها دخلت فى سباق محموم من أجل دعم هذه الشركات أو التشارك معها أو إقراضها بفوائد ميسرة ، ولأن لا شيئ يدوم على حاله ونظراً لجهل صاحب الشركة بفنون الإدارة وإغتراره بمناصبه السابقة وإسرافه بسفه لا مثيل له فقد تدهورت أحوال شركاته سريعا ، عدة أشهر كانت كافية لكي يسقط ،وقد ساعد على سرعة التدهور الركود الاقتصادي الذي أصاب البلاد في ظل حكم محمد مرسي ، وازدياد نفقات الإستصلاح بعد أن زادت أسعار المواد الأولية والخامات والمعدات الداخلة فى هذا المجال ، ولم تنصلح أحوال الشركة بالرغم من إستغنائها عن العديد من العاملين بها ، لذلك لم يكن أمام صاحبنا إلا التوجه إلى البنوك من أجل المزيد من القروض ولكن للأسف الشديد أعرضت البنوك التى كانت تتسابق إليه من قبل فقد تناقل الناس خبر تدهور هذه الشركات واختلال أحوالها وسبحان مغير الأحوال ، وهنا قرر خالد الكمالى أن يجتمع بمجلس الإدارة علهم يجدون حلاً يقيهم من الإفلاس وشروره ، وفى هذا الإجتماع طرح أحدهم فكرة إستغلال أحد القيادات العليا السيادية في البلاد والتي لها كلمة لا ترد على البنوك ـ وعلى غير البنوك ـ حتى تحصل الشركة على ما تريد من قروض وإعتمادات ، ولكن كيف ستقنع الشركة هذا المسئول الكبير بالقيام بهذه الوساطة ؟ هنا تفتق ذهن خالد الكمالي بفكرة ظنها هى المنجية له ولشركاته ذلك أنهم كانوا قد شرعوا فى استصلاح قطعة أرض صحراوية على طريق الأسكندرية ولكن هذه الأرض استعصت على الإصلاح فأصبحت زهيدة القيمة لا تساوي شروى نفير ، فما المانع أن تقوم الشركة بإهداء هذه الأرض البور التى ليست لها قيمة حقيقية إلى هذا المسئول الكبير؟ كما أنهم من الممكن إقناعه عن طريق الكلام المعسول أن هذه الأرض ذات قيمة مالية ضخمة وأنها تزيد فى قيمتها على العشرين مليون جنيه ... واقتنع مجلس الإدارة بالفكرة وذهب صاحبنا إلى المسئول الكبير بعد أن بذل جهدا مضنيا في تحديد موعد للقاء ... وأثناء المقابلة وعلى فنجان القهوة أخذ الكمالي قدم وصلة نفاق من طراز رفيع لهذا القيادي الكبير في البلاد ، وقص صاحبنا بأسى ممزوج بالألم على المسئول الكبير خبر الإضطراب المالي الذي أصاب شركاته وقصده فى التوسط لدى بعض البنوك للحصول على قرض تصل قيمته إلى خمسين مليون جنيه مصري ... ثم زف إليه أن مجلس إدارة الشركة تقديراً منه لجهود هذا المسئول الكبير وأعماله الخالدة التى قدمها لمصر ولشعب مصر ، وللثورة ، قرر أن يهديه مزرعة شامخة عامرة فى منطقة حيوية على طريق الإسكندرية الصحراوى ... تشعب الحديث بينهما ، وتعالت ضحكات المسئول الكبير فاستبشر الكمالي خيرا ، وأدرك أنه سيحقق مبتغاه ، وهنا رفع المسئول الكبير سماعة التليفون وكلم رئيس أحد البنوك الكبرى حيث أخبره بضرورة إقراض شركات الكمالى بالمبالغ التى تريدها ... وبعد أن أغلق الهاتف تحول إلى خالد الكمالي قائلاً : كم قيمة هذه المزرعة؟ ... فقال الكمالى: أوووووه قيمتها كبيرة جداً إذ أنها تزيد على الثلاثين مليون جنيه ، فقال المسئول : أنا أرى أنكم أولى بالمزرعة إستبقوها لأنفسكم وبعد أن تقبض قيمة القرض من البنك إدفع لى ثمن هذه المزرعة ثلاثين مليون جنيه أليس كذلك؟ ورغم أن صوت خالد الكمالى قد إنحبس ورغم أن عينيه قد جحظت وكادت أن تخرج من مقلتيها إلا أنه أومأ بالإيجاب وعلى وجهه إبتسامة حائرة منكسرة ، وفى لحظة ضاعت الأموال التى إغترفها صاحبنا ظلماً وذهبت إلى جيب من هو أظلم منه.

عندما حكى لى خالد الكمالى قصته قال : عدت إلى مجلس الإدارة مطأطأ الرأس حيث حكيت لهم ما حدث فقالوا بصوت واحد: نشنت يا فالح ... فقلت لهم: بل لقد أعطانى السلطانية .... تاج الجزيرة!!! السلطانية يالطيف اللطف ياااارب