رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عريانة وتستاهل.. ثقافة المتحرش والإرهابى!


ما بين مشهد التحرش الجماعى بفتاة الزقازيق ومحاولة اغتصاب سيدة فى الستين بعد جريمة الطفلة الشهيرة، خرج تنظيم لواء الثورة التابع لتنظيم الإخوان المسلمين ليعلن مسئوليته عن استهداف مركز تدريب الشرطة فى طنطا!

كانت ليلة ثقيلة، مثل ليالٍ بائسة كثيرة نعيشها وتتكرر فيها تلك المشاهد الغرائبية لقتلة ومجرمين باسم الإسلام، ومتحرشين سفلة جرت فى عروقهم ثقافة «هى كافرة وعريانة وتستاهل اللى يجرى لها»!، ولم أجد فى نهاية الصمت سوى التحديق فى مجرى نهر النيل، فلن تشفع أسئلة عريضة مثل «ماذا حدث للمصريين؟!» ولن تنفع بكائيات على الأخلاق والنخوة والمحبة والسلام، ولن تفلح سوى قبضة قوية تُمسك بزمام «الثقافة المصرية»، وتعيد ترتيب وإصلاح وتهذيب هذه العقول التى تحمل كل هذا العنف الحيوانى وتعيش على أرضنا الطيبة.

لن أكرر عليك وعلى نفسى أسطوانة التاريخ والجغرافيا المصرية، فأنت تعرف أكثر منى أن بلدك علّمت العالم الفنون والآداب، ومن المحزن أن يصبح أولادها على هذا النحو من القسوة والغلظة والانحطاط وانعدام الضمير، كل هذا حدث منذ أن اخترقها المتأسلمون فى الثمانينيات بثقافة الحجاب والجلباب والبلغة، وبأصوات الحذيفى والشوديفى والجعيصى ونطاطى الحيط، وتدفقت أموال الوهابية على جمعيات سلفية وإخوانية وتجار دين جدد، صعدوا مع إعادة بعث مشروع «الصحوة الإسلامية»، وتم الترويج لكل ما هو صادم وهادم للثقافة المصرية، وتمدد الانهيار حتى دخل البيوت وأجبر الأمهات والجدات العجائز على ارتداء الحجاب وسماع مشايخ الدين القادمين من الصحراء إلى أرض الفراعنة العظيمة!

ما جرى خلال هذه السنوات معروف وأجريت عنه وعليه آلاف الدراسات والأبحاث الاجتماعية، لكنه لم يتوقف وأصبح يتمدد ويفرز كل يوم إرهابيًا أو متحرشًا، فكلاهما لا يحمل جينات مصرية، وكلاهما يؤمن بأن «القتل وهتك العرض» جزاء عادل لمن يخالف شرائع «الإسلام» الجديد، فقد عاشت أمهاتنا وجداتنا على هذه الأرض وشاهدنا صورًا لسيدات وهوانم بالمايوهات والمينى جيب فى التروماى والأتوبيس، وملايين الصور القديمة لشوارعنا زمان تؤكد أن مصر وبناتها وسيداتها لم يتعرضن لهذه الوحشية الجنسية المسعورة، القادمة من بلاد لا تحترم المرأة ولا تُقدس السلام.

هذه العقول التى اخترقها المتأسلمون منذ أوائل الثمانينيات، هى التى تقود الشارع وتسيطر عليه، فهناك من يصنعهم فى الزوايا الصغيرة بالقرى والنجوع والكفور والمدن أيضًا، وأنت تستقبلهم وقد أصبحوا عباقرة فى تفجير العبوات الناسفة وانتهاك عرض السافرات غير المحجبات!، وبعد ذلك تسأل: من أين جاءوا؟، والمفروض أن تسأل: ماذا أصنع لوقف عمليات تفكيك وتفخيخ عقول شباب مصر على هذا النحو؟

الثقافة حل عظيم، لا تسخر منى!، فقط عليك أن تخففها وتذوبها فى كوب من العصير، فهى دواء، ويجب مراعاة ذلك حتى لا ترتبك المعدة، كيف يا مولانا؟ ضعها بجوار الرياضة وتجول بها فى مراكز الشباب وقصور الثقافة، ضع كميات كبيرة من المعارف البسيطة عن عواصم العالم وعجائب البلاد وطبائع الشعوب، خذهم إلى حركة الكواكب والنجوم والأفلاك والموضة والأزياء والمسرح والرقص والغناء.

صدقنى، ليس هناك حل سوى تحويل وزارة الثقافة إلى وزارة سيادية تهدم كل هذه المنظومة «الرجعية» من جذورها وتعيد الثقافة المصرية من جديد، فعلها «عبدالناصر» وجعلها وزارة «الإرشاد»، كان يبحث لنفسه عن مجد كبير، فأطلق يد ثروت عكاشة ليصل صوت ثورة يوليو إلى الشعب، ووصلت الرسالة إلى النجوع، وانتقل المثقفون إلى القرى بعروض السينما والكتب والألوان، وتغير وجه الحياة فى الأقاليم بشكل كبير، كان عبدالناصر ورجاله يعيدون إحياء مشروع الجامعة الشعبية التى ابتكرها الكاتب والمفكر أحمد أمين فى الأربعينيات، فقد كان الرجل مديرًا للثقافة فى وزارة المعارف (التعليم) وفكر فى تثقيف وتوعية الفلاحين والعمال والحرفيين فى المحافظات، وتطورت الفكرة لتصبح جامعة شعبية، ثم تطورت أكثر فكانت قصورًا للثقافة فى القرى والنجوع تابعة لوزارة الإرشاد بقيادة فتحى رضوان ثم ثروت عكاشة، كانت الثقافة تجرى فى شريان الوطن إذن، واحتاجت مجلسًا لقيادتها وتوجيهها وتقويمها، وظلت كذلك حتى مطلع السبعينيات، حيث الجهود العظيمة للراحل سعدالدين وهبة، ووصلنا فى الثمانينيات إلى مرحلة التجريف الثقافى، وتوقف الشريان عن النبض وتراجعت المعرفة والعلوم إلى المؤخرة.

اليوم، نحتاج هذه النهضة الثقافية لإعادة بث الروح المصرية فى النفوس التى عششت فيها وصايا «الحوينى» وجيوش المشايخ المصنوعين بأموال الوهابية، نحتاج إعادة بناء العقول التى تربت على كراهية المرأة وتحقيرها وانتهاكها إن أتيحت الفرصة!، نريد جيشًا ثقافيًا، وليس هناك جيش من دون مجلس أعلى، قيادة، عقول تفكر وتضع الخطط وتحدد المهام وتوزع التكليفات، وليس هناك مجلس من دون جنود تنفذ التكليفات، وكنتُ أظن المجلس الأعلى للثقافة على هذا النحو! فهو «أعلى» لكنه غير موجود! ومنوط به وضع السياسة الثقافية للبلاد وتنمية القرى، لكنه قابع فى قلب دار الأوبرا، مجلس يضم أكثر من 26 لجنة وكل لجنة تضم أكثر من عشرين مفكرًا وباحثًا فى جميع المجالات من الجغرافيا إلى الفيزياء، ومن السينما إلى العمارة والتاريخ والمسرح، ولكنها عاجزة منذ نجح فاروق حسنى فى توزيع المناصب على المثقفين وأجبرهم على الخنوع لجبروت المؤسسة وقواعدها، وأخضعهم للهيكل الوظيفى، وضاعت كل التجارب السابقة فى توعية الناس ونقل الفنون والعلوم إليهم.