رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر الإخوانية وإيران الشيعية


يبدو أن موقف جماعة الإخوان من إيران ملتبس بعض الشىء، فكما يعرف الجميع فإن الإخوان الآن جماعة وحزب ورئاسة وحكم، وقد يمارس الإخوان وفقا لقواعد السياسة لعبة توزيع الأدوار بين الحزب والجماعة والرئاسة، وقد يزيد الأمر التباسا

أن جيل الإخوان الأول كان موقفه إيجابيا من إيران وكان يسعى للتقريب بين السنة والشيعة، فى حين أن الجيل الحالى يقف موقف المعارض لأى تقارب مع إيران الشيعية، وإذ وصل الإخوان للحكم فى مصر فإن تلبيس إبليس سيكون هينا بجانب التباس الإخوان.

يخبرنا الأستاذ يوسف ندا أن وفدا من الإخوان ذهب إلى إيران لتوجيه التهنئة لهم بالثورة فى أواخر السبعينيات، وبغض النظر عما حدث وعن كيفية استقبال الإيرانيين للإخوان إلا أن هذه الخطوة كانت إشارة لرغبة الإخوان فى تفعيل علاقتها بإيران ذات الثورة الإسلامية، ولكن بعد اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981 اضطر الإخوان إلى التمهل، فجريمة قتل السادات كانت جريمة مرتكبة من فصيل إسلامى، وكانت البلاد بعدها تسير فى خطى متزايدة نحو مواجهة التيار الإسلامى الذى حمل السلاح ، وفى أوقات الأزمات الضخمة يكون شعار الإخوان هو «فى التأنى السلامة وفى العجلة الندامة»، ولاشك أن ذكر إيران والإخوان فى هذا الوقت كان من شأنه أن يثير زوابع وعواصف ضد الجماعة التى من باب الحفاظ على كيانها تؤثر السلامة فى بعض الأحيان.

وفى يناير من عام 1982 صرح الأستاذ عمر التلمسانى - رحمه الله - لمجلة «المصور» بـ : «أننا ـ أى الإخوان ـ أيدنا الخومينى سياسيا، لأن الثورة ساعدت شعبا مقموعا على التخلص من حاكم مستبد واسترداد حريتهم، ولكن من وجهة النظر الفقهية فإن المذهب السنى شىء والمذهب الشيعى شىء آخر» كان الأستاذ التلمسانى يعرف حساسية الأمر بالنسبة للحكومة المصرية لذلك لم يرد أن يزعجها فأرسل فى النصف الأول من تصريحه رسالة لإيران مفادها «نحن معكم لا عليكم أيها الأحباب ولو من باب السياسة والحرية، ثم أرسل فى النصف الثانى من تصريحه رسالة أخرى إلى أهل الحكم فى مصر مفادها «نحن أهل سُنّة ونختلف عن هؤلاء الشيعة ونخالفهم، لذلك استمر منهج الإخوان الداعى إلى التقريب وهو منهج من تلقى على حسن البنا، و استمرت الجماعة بمعاييرها الأصلية فى انتقاد الخلافات الطائفية بين الشيعة والسُنّة».

وفى النصف الأخير من حكم مبارك العقيم تحرر الإخوان نوعا ما وخرجوا من قوقعة الحذر ، فكانت تصريحات وحوارات يوسف ندا والتى تحدث فيها عن الشيعة وقام بتوصيف الخلاف بيننا وبينهم من الناحية العقائدية على أنه خلاف فرعى من الممكن أن نتجاوز عنه من أجل المصالح العليا ، وبذلك نفى يوسف ندا الخلاف العقائدى وتوالت تصريحاته بأن خلاف السنة والشيعة خلاف سياسى ، وقبل هذه التصريحات كانت تصريحات الأستاذ مهدى عاكف المرشد السابق للجماعة والتى عبر من خلالها عن عدم ممانعته للمد الشيعى فى البلاد العربية والسنية، قائلا إنها لن تكون ذات تأثير ملحوظ لأنها بلد واحد وسط دائرة شديدة الاتساع من البلاد السنية ، ولكن هل أتت هذه المحاولات التقريبية ـ ولو من الناحية السياسية ـ على هوى الإخوان الجدد؟ لم يكن الأمر رومانسيا أو عاطفيا بل كان دراميا كأشد ما تكون الدراما، فالأخ الجديد ابن سيد قطب الفكرى، محمود غزلان، صهر خيرت الشاطر، لم يرق له تصريحات والده التنظيمى الأستاذ يوسف ندا، فأرغى وأزبد، وهاجم الأستاذ يوسف ندا ولم يوقره، ويبدو أنه لم يتحرك من ذاته ولكن كان هناك من يحركه ويحدد مساره.

ومع ذلك فإن الصورة ليست بهذه البساطة، والمعايير التى تحدد سياسة الإخوان ليست هى المشاعر أو الخلافات العقائدية، فالمسألة أكبر من ذلك ، ففى عام 1982 أطلق الأستاذ مهدى عاكف المرشد السابق للإخوان- وقت أن كان مسئولا مع الحاج مصطفى مشهور عن تكوين التنظيم الدولى- عدة تصريحات أثارت قدرا من الاستياء عند حسنى مبارك إذ قال فى مقابلة له مع وكالة الأنباء الإيرانية إن الإخوان يؤيدون أفكار ومفاهيم الجمهورية الإسلامية، كان المقصود طبعا من تصريحه هو أن الجماعة تؤيد الثورة الإيرانية والسياسة الخارجية لإيران وقد وضح هذا عندما استرسل قائلا: إن أفكار آية الله الخومينى خصوصا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية هى امتداد لتوجه الإخوان نحو مكافحة الاحتلال.

ولا أظن أن هذا التصريح كان عشوائيا، إذ إن جماعة الإخوان كانت قد بدأت مع الثورة الإيرانية فى تكوين تنظيم لها هناك، تنظيم الإخوان فى إيران، وقد أطلقت جماعة الإخوان فى إيران على نفسها اسم «جماعة الدعوة والإصلاح» وأصبح هذا التنظيم جزءًا من التنظيم الدولى للجماعة وإن ادعى أنه يحمل استقلالية عن الجماعة الأم فى مصر، وبسبب فطنة الإيرانيين ودهاء قادة الإخوان هناك لم يلفت تنظيمهم نظر أحد فى العالم العربى أو الإسلامى لأنه كان يدير نفسه بذكاء وحرص، فلم يسع إلى الاستعراض أو الاصطدام بالنظام الإيرانى أو محاولة هدم ثوابت الدولة الإيرانية ولم يسع إلى الدعوة للمذهب السنى، فقد كان هذا من الخطوط الحمراء التى لم يتجاوزها الإخوان هناك وإن قام فرع الإخوان هناك بدور كبير فى التقارب بين الحكومات الإيرانية وجماعة الإخوان فى مصر.

تأسست جماعة الإخوان فى إيران عام 1979 على يد مجموعة من الدعاة السنيين المتأثرين بالحركة الإسلامية فى مصر والدارسين لحركة الإخوان وتاريخها وكان إعجاب من أسسوها بجماعة الإخوان قد بلغ حدا كبيرا حتى إن معظم أفكارهم أخذوها من رسائل الشهيد حسن البنا، وقد كان منهم الشيخ «ناصر سبحانى» -رحمه الله- أحد علماء السنة فى إيران ولذلك أخذت جماعة الإخوان هناك طابعا علميا وكانت حركتها، وما زالت ، تتسم بالهدوء والحذر، فهم يعملون فى وسط مجتمع شيعى، ورغم أنهم لم يحصلوا هناك على رخصة قانونية إلا أنهم يعملون وفقا لسياسة الضوء الأخضر، أما المراقب الحالى لجماعة الإخوان هناك ـ وهو منصب يقابل منصب المرشد ـ فهو الأستاذ «عبد الرحمن بيرانى» والذى يمارس دورا كبيرا فى إدارة دفة إخوان إيران ويقوم بدور همزة الوصل بينهم وبين التنظيم الدولى.

لذلك عندما نضع تفسيرا لزيارات المسئولين الإيرانيين لمصر ومقابلة أهل الحكم من الإخوان فإننا يجب أن ننظر إلى برواز سياسى فيه صورة كبيرة تضم إخوان مصر وإخوان إيران، وفى وسط الصورة دول الخليج التى أخذت موقفا من الإخوان، وفى الخلفية أمريكا