رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المستشار أشرف العشماوى وأشياء أخرى


قال الأخ المهندس على الذى سأل «هل أسلم بعضهم»: أنا أعرف أن الأخ الدكتور سعد زغلول العشماوى هو ابن عم وكيل نيابة اسمه أشرف العشماوى وأنه عامل معاه شغل.

توالت الصور والأحداث على ذاكرتى وكأننى أشاهدها شاخصة أمام بصرى، وكانت الصورة التى تذكرتها وجعلتنى أهب واقفاً صورة الحاج جمعة وأنا أصطحبه فى سيارتى لأوصله لبيته وكان معنا فى السيارة أخ من إخوان الإسكندرية أذكر أن اسمه جمال عبدالمنعم، وإذ أردت أن أقطع الصمت الذى ساد بيننا فى السيارة فسألت الحاج جمعة: ولكن ليس بالقضاة فقط نستطيع أن نصل للتمكين فرد الحاج جمعة بثقة: نحن ننشئ يا أخى مدارس نربى فيها الجيل الجديد، فقلت له: ولكن هذا أيضاً لا يكفى، فرد بثقة: بلاش طمع اعتبر أننى لم أقل لك أننا وصلنا بالفعل إلى الجيش فهتفت وأنا أقول له بدهشة: هل لنا نشاط فى الجيش، فرد قائلاً: أنا لم أقل شيئاً افهمها كما تريد.

المكتوب أعلاه فقرة من فقرات كتابى «سر المعبد» بالفصل العاشر، وكنت أتحدث فيها عن كيف أن الإخوان يسعون إلى اختراق مؤسسة القضاء منذ فترة طويلة، كان الإخوان منذ سنوات يجتهدون ما وسعهم الجهد فى الدخول إلى عالم القضاء والسيطرة عليه، وقد يكون هذا الأمر شيئاً عادياً ومفهوماً، وقد نتفهم دواعى الإخوان فى أخونة شخصيات مثل الخضيرى وحسام الغريانى وغيرهما، ولكن يبدو أن مساحة الأمانى داخل جماعة الإخوان كانت أكبر من الواقع الحقيقى ففى دولة الإخوان كانت مثل هذه الأمور يتم تناقلها همساً بين الأعضاء حيث إنها كانت من الأسرار العلوية.

وبعد أن أصبح كتابى فى متناول القراء إذا بى ذات يوم أتلقى اتصالاً هاتفياً وكان المتحدث معى هو المستشار أشرف العشماوى الذى أوردت اسمه فى الكتاب وذكرت أنه ابن عم الأخ سعد زغلول العشماوى قال لى المستشار أشرف: صحيح يا عزيزى أننى تربطنى قرابة بالدكتور سعد زغلول العشماوى فالآباء أبناء عمومة وصحيح أنه كان متهماً فى قضايا عرضت علينا فى أمن الدولة حينما كنت وكيل نيابة بها، ليس هو وحده ولكن كان معه مجموعات من الإخوان وحدث فى عام 1995 أن سيق الدكتور سعد متهما، وهو فى ذات الوقت له أخ شقيق زميل لنا فى القضاء هو الآن مستشار، وقبل أن يمثل أمامنا سعد العشماوى كلمنى شقيقه المستشار وأوصانى أن أساعد فى وصول الطعام والشراب والثياب إلى شقيقه المتهم، وهذا هو كل ما فعلته، ولعل تلك المساعدة العادية التى كنا نقوم بها فى نيابة أمن الدولة قد فهمها البعض خطأ وأشهد الله أننا كنا نساعد كل المتهمين السياسيين على حد سواء، سواء كنا نعرفهم أو لا نعرفهم، وليس معنى هذا أننى أصبحت منتمياً إلى الإخوان فأنا لا علاقة لى بهم.

وافقت المستشار أشرف العشماوى على ما قاله بخصوص مساعدة كل وكلاء النيابة للمتهمين السياسيين خاصة أفراد جماعة الإخوان وتسهيلهم كل الأمور لهم، ولعلى فى كتابى كنت قد أشرت إلى أننا كنا نحتل حجرات الموظفين لنقيهم فيها الصلاة ونجلس كمحامين مع المتهمين بحرية كاملة ونتداول معهم فيما ينبغى أن يقال فى التحقيقات وأضفت للمستشار العشماوى: ولكننى يا عزيزى كتبت ما حدث وما قيل من الإخوان بشأن سعيهم لإدخالك تنظيمهم خاصة وأن العبارة التى قلتها كانت دقيقة وعلى لسان أحد الإخوان إذ قال: «أنا أعرف أن الأخ الدكتور سعد زغلول العشماوى هو ابن عم وكيل نيابة اسمه أشرف العشماوى وأنه عامل معاه شغل» ولم يرد فى كتابى أن أشرف العشماوى أصبح منتميًا للإخوان لأن الأخ الذى تحدث فى هذا الأمر لم يقل ذلك، انتهى الحوار بينى وبين المستشار العشماوى، وقد لمست من حوارى معه أن ما أوردته فى الكتاب قد أصابه بحرج أمام زملائه ومجتمعه خاصة أنه أكد فى حواره معى أن كل ما فى الموضوع هو صلة القرابة بسعد العشماوى القيادى الإخوانى، رغم أن الأخ الشقيق لسعد هو مستشار بالقضاء وكان أولى بالشبهة أن تطوله هو لا أن تطول واحداً من أبناء عمومته.

انتهى الحوار ولكن لم ينته الأمر لذلك كان من الأمانة العلمية أن أنشر الحوار الذى دار بينى وبينه بعد أن استأذنته فى ذلك.

«فى لحظة من لحظات حياتك يجب أن تتوقف لتلتقط أنفاسك، وحينها ضع يدك على عقارب الزمن وقم بتحريكها لتمر على حياتك المنقضية كلها، توقف بالعقارب عند اللحظات المهمة فى حياتك وانظر لها من زاويتك التى تقف فيها الآن، ستقبل بعضها وترفض بعضها وتكره بعضها وتحب بعضها إلا أنك ستتعلم منها كلها، هذه هى لحظات المراجعة والفحص والتمحيص التى نغسل فيها أرواحنا فتزداد إشراقًا.

هذه فقرة أخرى كتبتها فى كتابى المزعج «سر المعبد» وهى كما تراها دعوة بريئة ولكنها مخلصة إذ يجب على كل واحد فينا أن يراجع نفسه كل فترة، ماذا فعل، وكيف فكر، ولماذا تصرف، فالإنسان البليد هو من يظل عمره كله واقفًا عند منطقة فكرية واحدة لا يبرحها ولا يطورها أويضيف إليها، والإنسان المفكر هو من يطور فهمه بتطور معارفه، لا ينبغى أبدًا أن ننزعج إذا اتضح لنا أننا كنا على خطأ فى مرحلة ما، فمن خلال الخطأ قد نتعرف على الصحيح، ومن الزلات والخطايا نتعرف على الصواب.

طالما أن الجسد مهيأ للحقن فإن كل الأفكار قابلة أن تدخل إليها، لذلك كان جهد حسن البنا الأكبر هو أن يصنع الجسد القابل للحقن، ولما أصبح الجسد مهيئًا حقنه بما يريد، والجسد المهيأ للحقن يظل دائمًا قابلاً لأى حقن طالما أن الذين يحقنونه هم القادة، هل عرفت لماذا اشترط حسن البنا فى أركان البيعة السمع والطاعة والثقة فى القيادة»؟ اشترطها ليجعل الجسد على الدوام مستقبلاً للحقن المستمر، هل رأيت فى المستشفيات «الكانيولا الوريدية» التى يركبونها على وريد فى اليد ليكون الجسد على أهبة الاستعداد لاستقبال أى حقنة، هكذا هى الثقة فى القيادة، وكذلك السمع والطاعة، ومن وقتها وأصبحت وسيلة تسخير الأخ الجديد هى بحقنة بمضخة الحقن «المحقن» الذى يحتوى على الثقة فى القيادة والسمع والطاعة حينها يمكن أن تضع فى هذا الجسد ما تشاء من أفكار.

لعل هذه الفقرة تشخص لنا الحالة النفسية للأخوة الذين يخرجون لتأييد قرارات الرئيس قبل أن يعرفوها، ثم يخرجون لتأييد الرئيس عندما يتراجع عن القرارات التى أيدوها، فكروا يرحمكم الله