رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النيل الأصفر!


نعلم .. ويعلم الجميع أن البشر بكل علومهم الدنيوية وتكنولوجياتهم المتقدمة، لا ناقَةَ لهم ولا جَمَلْ فيما تحدثه الكوارث، التى تُعد من الظواهر الطبيعية التى تسبب دمارًا كبيرًا للممتلكات والبشر فى حالة حدوثها، وقد قامت هيئة الأمم المتحدة بتحديد مواصفات معنى الكارثة، فتقول فى بياناتها إن: «الكارثة هى حادثة كبيرة ينجم عنها خسائر جسيمة فى الأرواح والممتلكات وقد تكون كارثة طبيعية مردها فعل الطبيعة «سيول، أعاصير، زلازل، عواصف، فيضانات الأنهار ... إلخ» وقد تكون كارثة فنية سببتها يد الإنسان المخربة سواء كان إراديًا أم لا إراديًا بالإهمال، وتتطلب مواجهتها والتغلب عليها وعلى آثارها معونة الأجهزة الوطنية كافة «حكومية وأهلية» أو الدولية إذا كانت قدرة مواجهتها تفوق القدرات الوطنية المتاحة».

وعن خطر تغير المناخ بسبب ارتفاع درجة الحرارة «الاحتباس الحرارى» قال الأمين العام للأمم المتحدة «بان كى مون»: إن خطر التغيرات المناخية على البشرية شبيه بخطر الحروب، وإن تغير المناخ بات أمرًا لا يمكن تجاهله وأن تدهور البيئة على الصعيد العالمى لم يجد من يوقفه كما أننا نستغل الموارد الطبيعية بشكل يخلف ضرراً كبيراً.. ومع تغير المناخ هناك توقع بتزايد معدل حدوث الأعاصير واشتداد قوتها، فالأمم المتحدة وضعت مسألة الحد من الكوارث فى قائمة أولوياتها منذ كارثة تسونامى عام 2004 فى المحيط الهندى التى أودت بحياة أكثر من 200000 شخص ...». ولم تستطع تكنولوجيا الغرب بكل مالها من قوة وسطوة، أن تواجه هذا الإعصار الدامى، ولم تخرج جحافل المتربصين بالحكم والحكام بلسان الاتهام والتقاعس للحكومة عن المواجهة، لوجود الثقافة المعرفية التى تؤمن تمامًا بكيف تفرِّق بين الإهمال الجسيم وخطر الكوارث الطبيعية، كما يحدث من بعض المارقين أعداء الأوطان فى بلاد العالم الثالث التى تعانى من الأمية العلمية والمعرفية.

ومن الكوارث الطبيعية، كانت السيول الفجائية الشديدة التى ضربت مناطق محافظات الصعيد والبحر الأحمر على الخريطة المصرية هذا الموسم، وأدت بالتالى إلى وقوع خسائر بشرية ومادية كبيرة فى تلك المحافظات، الأمر الذى تحولت معه مياه النيل إلى اللون الذهبى الذى يحمل فى طياته «عكارة» الطمى وسُمرته، تلك السُّمْرة التى اشتهر بها المصريون ويتفاخرون بها، ويحدث هذا فى مياه النيل جرَّاء الرمال والطَّفلة التى انزلقت إلى الوادى مع شدة اندفاع المياه المدرارة المنهمرة من السماء على أعالى سلسلة الجبال المحيطة بالمنطقة الصحراوية فى جنوب الوادى، وجرفت فى طريقها كل المبانى العشوائية التى أقيمت فى مجرى السيول، وألحقت أضراراً بالغة فى الممتلكات والمصالح العامة والخاصة، ومن ثم نلقى باللائمة على المسئولين فى الوزارات المعنية بشئون الكوارث والأزمات.

وحتى نكون منصفين، وحتى لا نتعرض للاتهام بأننا نعشق جلد الذات، بإلقاء المسئولية على الحكومة والوزارات السيادية المنوط بها تفعيل إدارات الكوارث والأزمات، فإننا نشير إلى أن السكان أيضًا تجاهلوا التعليمات والأوامر بعدم البناء فى مجارى السيول والمخرات التى أنشأتها الدولة لامتصاص مياه السيول واستيعابها، برغم التحذيرات المتكررة لهم بخطورة وجود تلك المبانى فى هذه الأماكن الخطرة وقد نلتمس لهم الأعذار فى أن المشكلة تكمن فى عدم توافر مساحات مخصصة كافية للسكنى والمعيشة، واضطرار بعض المواطنين للبناء فى مسارات الأعاصير والسيول، وهذا يعنى بكل الموضوعية ـ أن السكان يتحملون جزءًا من المسئولية، ويقع عليهم عبء عدم إطاعة الأوامر فى هذا الصدد، ولكن يبقى قدَرْ الدولة ومسئوليتها دائمًا فى الالتزام بحماية رعاياها من كل الأضرار.

وفى واقع الأمر أن ماحدث قد حدث، وقدر الله وما شاء فعل! فيتبقى أن نطرح السؤال المنطقى عن :ماذا أعدت الحكومة لمواجهة الخطر المحتمل القادم؟ وهل سننتظر وقوع كوارث أخرى، لنعقد الاجتماعات واللجان، واللجان الفرعية المنبثقة عن اللجان للبحث عن حلول؟ فالكارثة لاتحصد الأرواح فقط، بل تلحق الأضرار الجسيمة بالزرع والضرع، وترتفع بالخط البيانى لأسعار الخدمات والسلع الضرورية لحياة الإنسان، وتنتهى بالشلل التام لحركة المجتمع وتوقف عجلة الإنتاج بالمصانع والمخابز، بانقطاع مصادر الطاقة والكهرباء وتوقف المواصلات بجميع أشكالها وتنوعها، علاوة على ما تعانيه محطات المياه من محاولات جبارة لتنقية مياه الشرب من العكارة والشوائب التى أتت بها السيول، والتى تتسبب فى الأمراض وحالات الوفيات المحتملة إذا ما امتزجت بنسبٍ عالية فى مياه الشرب.

ولعلنا نكون قد استخلصنا الدروس المستفادة والتجارب المهمة من هذه الكوارث الطبيعية، للبدء فى إعداد آليات المواجهة لإدارة الأزمات، والتوعية الواجبة لسكان المناطق المعرضة لضربات الأعاصير والسيول، فمنذ آلاف السنين استطاع العالم والمهندس فى حقبة الفراعين العظام، أن يتحكموا فى مجرى النهر ويطلبوا من الشمس فى السماء أن تتعامد على وجه رمسيس فى يوم مولده ويوم جلوسه على العرش!! فهل لانستطيع اليوم بكل التكنولوجيا الحديثة أن ندير الأمور فى وقت الأزمات والكوارث؟