رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مستقبل استقـرار الدولـة.. التحـديـات والمخاطـر والفـرص


لضمان إنجاح هـذه المصالحة الوطنية التى تنتهى بالحوار البناء ينبغى محاصـرة أو تجـنـيـب أو تحـيـيـد التحديـات التى تـواجه تحقيق أهدافها، ولعـل أبرز هذه التحـديـات هو فـرض سياسة الأمـر الواقع والخلـط الشـديـد بين الشرعـية الثوريـة والشرعـية الدستـوريـة.

كل سنة ومصر كلها بخيـر، أقولها من كل قـلـبى لأقـباط مصـر شركاء الوطـن أولا بمناسبة أعـيادهـم، وأقولها لكل مصرى ثـانيا بمناسبة العام الجديـد، وأدعـو الله سبحانه وتعـالى أن ينعـم عـلى مصر بالاستقـرار بعـد أن غـاب عـنها عامين متتاليين، فهل يحمل لنا عام 2013 بشرى تـحـقـيـق الاستقـرار، أم سيـظـل أملا منـشـودا يسعى الجميع إلى تحقـيـقـه بعـد فـوات الأوان ؟ وإذا كان الأمر كذلك فكيف ومتى يمكن تـحـقـيـقـه؟ وما الـتحـديـات التى تحـول دون تحقـيقـه؟ وما المخاطـر التى يمكن أن تنشأ عـنـد عـدم تحقـيقـه؟ وللإجابة عن هذا التساؤلات ينبغى تحديـد مفهـوم الاستقـرار السياسى لـلدولـة الذى يعـنـى مدى إدراك جميع القـوى الطبيعـية لها «القـيـادة السياسية وأجهزتها وأدواتها – جـميع النخـب السياسيـة والحـزبـيـة والثقافـيـة والإعـلامـيـة – وجميع قـوى الـشعـب بكل طـبقـاتـه وأطـيافـة» بطبيعــة المتغـيرات المحـليـة والإقـلـيـميـة والعالـميـة ومدى تأثـيـرها فى مقـدرات الدولــة «السياسية والاقتصاديـة والعـسكريـة والاجتماعـيـة» ومـدى قدرتها عـلى التحرك السريع للاستفادة من تأثيراتها الإيجابية، وتجنب تأثيراتها السلبية أو تطويعـها لتحقيق غـاياتها وأهدافها خاصة تلك التى تتعـلق بأمنها القـومى «الداخلى والخارجى» بما يمكنها من الحفاظ على الاتجـاه العام لبرامج عـملها فى جميع المجالات وفقا لمخططاتها الاستراتيجية.

وسأبـدأ أولا بالفرص المتاحة لتحـقـيـق الاستقـرار حتى أشيـع الأمـل والـتـفـاؤل، صحيح أن واقع المشـهـد السياسى يشيـر إلى أن فرص الخروج من المأزق المريـر الذى وجـدنـا أنفسنا فيه تبـدو ضئـيـلـة للغـايـة، وبالرغـم من ذلك فإنه يـبـدو لى أن هـنـاك مخرجا آمنا للخروج من هـذ المأزق، إلاَ أن هـذا المخرج لن يتحـقـق تـلقائـيـا، كما أنه لن يتحقـق بالاعـتماد عـلى الآخـريـن، ولكن يمكن تحقـيـقـه فقـط بتكاتف جهـود المخلصين، وتوحـيـد هـذه الجهـود لإشاعة مشاعـر التآخى والتلاحم ووحدة الصف، بدلا من مشاعـر الانتقام والانقسام المتفشية فى الضميـر الجـمعى المصرى، ويمكن تحقيق ذلك بطرح مبادرة تضمن التواصل مع الجميع والتوصل إلى حل متكافئ ومتوازن لجميع مشكلاتنا التى تؤثر تأثيرا سلبيا مباشرا فى استقرار الدولة، يتـم الإعـداد الجـيـد لها تحت عـنـوان كيف تستفـيـد ممن اخـتـلـفـوا معـك، تقوم على أساس المصارحة والمكاشفة، هدفها انتشـال مصر من هـذا الصراع المريـر الذى يدمر جـميـع طاقـات وقـدرات الـدولـة، تـبـدأ هـذه المبادرة بالمصالحة الوطنية الشاملة أولا، وتنتهى بحـوار مجـتـمعـى هـادف كاشف عـن المستقـبـل، خاصة كـيـفـيـة إدارة الفـتـرة المقبلة للتحـول الديـمقـراطـى الحـقـيـقـى، وأن تأتى هـذه المبادرة من مؤسسة الرئاسة الحاكمة، وتـوجَـه الدعـوة إلى جـميـع قـوى الـدولـة بقـلـب صادق وعـقل ناضج وليست كتـأديـة واجـب، عـلى أن تعـتمد هذه المصالحة أساساً عـلى الرغـبة الأكـيـدة فى الاحـتـرام الكامل المتـبـادل من الجميع، فالاحترام رأس الفضائـل وهو يُعـتبـر قـدس أقـداس الأعـراف والضوابـط التى تعـمل عـلى الارتقاء بقيمة الإنسان، وتعـظيم قـدر الرضا بين الجميع، وتقريب الأفكار التى تضمن التوصل إلى تحقيق الأهـداف المنشودة من أقصر الطرق وفى أقل وقت ممكن.

ولضمان إنجاح هـذه المصالحة الوطنية التى تنتهى بالحوار البناء ينبغى محاصـرة أو تجـنـيـب أو تحـيـيـد التحديـات التى تـواجه تحقيق أهدافها، ولعـل أبرز هذه التحـديـات هو فـرض سياسة الأمـر الواقع والخلـط الشـديـد بين الشرعـية الثوريـة والشرعـية الدستـوريـة، وللتـدلـيـل عـلى ممارسة فرض سياسة الأمر الواقع والخلط بين الشرعـيتين هـو صدور قرار تعـيينات مجـلـس الشـورى قبـل ساعات قـلـيـلـة من إقـرار الدستور، حتى يتسنى تعـيين 90 عـضوا بمقتضى إعلان مارس 2011 الدسـتورى قبل إلغائـه بإقرار الدستور الذى سيلغى جميع الإعلانات الدستوريـة، أما التحـدى الثانى الذى يتعـين تجنيبه تماما فـهـو شعـور الآخرين بروح الاستعـداء والاستعلاء والإقصاء، التى تتملك أتباع التيار الإسلامى السياسى لفرض الإرادة وتأكـيـد مـبـدأ المغـالـبـة والاسـتـقـواء، إذ تأتى تصريحات الشيخ ياسر البرهامى دليلا عـلى ذلـك، عـندما أعـلن أنـه تمكن من تمريـر الـمادة 219 التى تفسـر المادة الثانية من الدستـور، كما تمكـن من تمريـر المادة العـاشرة، وهـمـا المادتـان الـلـتـان تـتـيحـان تغـيـيـر أى قـانـون يخالف الشريـعـة الإسلاميـة، ثـم أضاف أنـه فى مقابـل ذلك فقـد تـم عـقـد صفـقـة مع الأزهـر لتمـريـر المادة الرابعـة التى تتعـلـق بوضع مؤسسة الأزهـر، والتى تقضى بالرجـوع إلى هـيئـة كبـار عـلماء الأزهــر فى الحكـم عـلى مـدى مطابـقـة النصـوص القانـونـيـة للشريعـة الإسلاميـة، حـيث أسست هذه المادة وضعـا مميـزا لهيئة كبار عـلماء الأزهـر لتكـون بديـلا للمحـكـمة الـدستوريـة العـلـيـا، وما جـاء عـلى لسان الشيخ البرهامى يحمـل فى طياتـه رسالـتـيـن مهمتين، الأولى موجهة إلى أتبـاعه من السلفـيـيـن الرافـضـيـن للدستـور بأنـه قـد حقق لهم ما أرادوا وبالتـالى ينبغى عـليهم توحـيـد كلمتهم وصفوفهم استعـدادا لخوض انتخابات مجلس النواب المقبلة، أما الرسالة الثانية فهى موجهة لجماعات التيار الإسلامى الأخرى خاصة جـماعـة الإخـوان الـمسـلـمـيـن، بأن السلفـيـيـن هـم الأكـثـر نـفـوذا وتـأثـيـرا وحـرصا فى حـفـظ وصيانـة الـشـريـعـة الإسلامية، وهـو ما يـؤسـس للـجـبـهـة السلـفـيـة وضعـا يتيح لها الاستئثار بعـدد مناسب من مقاعـد مجلس الـنـواب، ويندرج التحدى الثالث تحت حالة إلـقـاء إخفاقات النظام السياسى عـلى الحكومة الحالية التى تم تشكيلها بواسطة النظام نفسه، إذ تعـتـبـر هـذه الحكومة هى حائـط الصـد الذى يتلقى ويصد جميع الانتقادات الموجهة إلى النظام وحزب الحريـة والعـدالـة ومكـتـب الإرشاد الناتجة من أخطائهم وترهاتهم، إذ تعـتبـر تصريحات أحمد سبيع - المتحدث الإعلامى لحزب الحرية والعـدالة - برهانا عـلى ذلك حيث صرح «بأن مبادرة جبهة الإنقاذ غـيـر مـنـطـقـيـة كما الحكـومة الحاليــة أصابـتـنـا ووضعـتـنـا فى مـشـاكـل عـديـدة لغـياب السياسة والتكـنـوقـراط عـنها ولعـل أن أبرز هذه المشاكل قرار غـلق المحلات مبكرا»، وهـو الأمر الذى ينبغى معـه ضرورة تشكيل حكـومة من الإخـوان المسلمين حتى يمكن توحـيـد المسئولية، أما التحـدى الأكـبـر الـذى يحـول دون تحقـيـق الاستقـرار السياسى والأمنى فيكمن فى استمرار الصراع بين السلطة التنفيذيـة والسلطة القضائية، والذى بـدأ بالتراشق المهين بينهما بعـد الحكم ببطلان مجلس الشعـب منذ تشكيله لبطلان القانون الذى أتى به، ثم تصاعـد الصراع بعـد الحكم ببطلان تشكيل الجمعـية التأسيسية الأولى لصياغة الدستور، فمارست الجماعة الضغـوط النفسية والمعـنوية عـلى المحكمة إلى أن صدر الإعلان الدستورى الذى حصن فـيـه الجمعـية التأسيسية الثانية ومجلس الشورى، والذى أعـقبه ممارسة الجماعة الضغـوط المادية بإحكام الحصار حول المحكمة الدستورية لمنعها من أداء رسالتها ويتم إقرار الدستور، فبدت أخطاء وترهات الجماعة خاصة تلك التى تتعـلق بالاستئثار والاستحواذ على السلطة، والسعى الدءوب إلى الهيمنة عـلى مؤسسات الدولة فغاب الاستقرار، ذلك أن الاستقـرار لا يتحقق إلا فى ظل دولـة سـيـادة القـانـون، وبالتالى يمكن القول إن سعى الجماعة الدءوب لهدم السلطة القضائية تمثل قمة التوجه السياسى الجائـر، خاصة بعـد أن يتم إلغـاء صلاحيات المحكمة الدستورية العـليـا بصدور قانون تنظيم العـمل بها وتحديـد اختصاصها وهـو ما يمثل أيضا تغـول السـلـطـة الـتشـريعـية عـلى السلطة القضائية بعـد أن انتقلت سلطة التشريع إلى مجلس الشورى، وهـو القانـون الذى سيلغى اختصاصها الأصيـل فى إصدار الأحكام المتعـلقة بـدسـتـوريـة أو عـدم دسـتـوريـة القـوانـيـن المتعـلـقـة بأى انـتـخـابـات مقبلة.

تلك كانت بعـض التحديات التى تواجه تحقيق استقرار الدولة، أما باقى التحديات والمخاطر فسوف نلقى عـليها الضوء فى مقال الأسبوع المقبل، والله من وراء القصد وهو يهدى السبيل.

■ أستاذ العلوم السياسية - جامعة بورسعيد

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.