رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إسلامنا.. وإسلام خيرت الشاطر


قبل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة بأيام أجرى معى صحفى بريطانى اسمه «ماثيو كيمنسكى» حواراً لجريدة «وول ستريت جورنال» البريطانية، وفى نهاية الحوار سألنى من تتوقع سيكون رئيس وزراء مصر القادم، تعجبت من السؤال وقلت له : تقصد رئيس مصر

القادم ؟ ابتسم ابتسامة عريضة وقال : رئيس مصر القادم هو محمد مرسى، ولكننى أسأل عن رئيس وزراء مصر القادم، قلت له : إذا كان الرئيس هو مرسى فمن المنطقى أن يكون رئيس الوزراء شخصية ليبرالية، قال الصحفى : رئيس وزراء مصر القادم هو « خيرت الشاطر» فقلت له : لا مستحيل أن يكون هذا، هذا تحليل غير دقيق منك، فرد قائلا : أى الأمور بخواتيمها . الحقيقة أن خيرت الشاطر أخذ أكثر من حقه، هو ليس مفكراً، ولا كاتباً، ولا عالماً ولا فقيهاً، ولا سياسياً، ولكنه فقط رجل متميز فى شئون إدارة التنظيمات وترتيب الخطط والمؤامرات، وبالعربى الفصيح هو « رجل حركة » وليس « رجل فكرة » ولذلك فإن خيرت الشاطر كان قائد غزوة الإخوان البرلمانية وليس أحداً غيره، وهو قائد غزوة الإخوان للرئاسة وليس أحداً، غيره، هو واضع خطة انتخابات البرلمان المنحل، وهو الذى حدد الأعداد التى ستخوض الانتخابات فى القوائم وهو الذى وافق ورفض وتحالف وكان كل شىء يصب عنده، كما أنه هو صاحب خطة انتخابات الرئاسة وهو الذى حدد خليفته فى الانتخابات، ورسم له طريقه وأنفق على مؤتمراته وحرك أفراد جماعة الإخوان وكأنه يمسك فى يده « ريموت كونترول» ليحرك مجموعة كبيرة جداً من الروبوتات فى الاتجاه الذى يريده، وهو أيضاً الذى قاد معركة الإخوان فى طبخ الدستور والاستفتاء عليه ومنح الجوائز لمن عاون جماعته، وهو المختص بتسديد فواتير الجماعة على حساب «مصر الدولة» لمن أسدى خدمة العمر للجماعة فى معاركها المتتالية، ولم لا وهو الخبير المختفى الذى لا يراه أحد والذى يعمل بمبدأ «اعمل فى الخفاء حتى لا يراك خصمك»، يؤمن خيرت الشاطر بالعمل التننظيمى المحكم ويجيد التحكم فى دهاليزه وخفاياه وكهوفه وأقسامه، ومن خلال خبراته التنظيمية التى تنقل فيها من الشيوعية التروتسكية مروراً بالقطبية التحتية وصولا إلى محطته الأخيرة « الإخوان المسلمون»، أدرك الشاطر وهو الذى يتقن قوانين الطفو أن الجزء المختفى من جبل الجليد على ضخامته هو الذى يحمل الجزء الظاهر مـــن الجبل علـــى ضآلته، فكان عليه أن يسخر الجزء المختفى مـــن الجبل الإخوانى، جزء الجماعة الخفية، لكى تحمل الحزب، حزب الحرية والعدالة الورقى وتذهب به فى خطوات متسارعة إلى مرحلة التمكين الذى هو حلم مرشدهم الأول حسن البنا، عاش حسن البنا سنوات فى حلم التمكين وهاهو خيرت الشاطر يحقق الفصل الأول من الحلم، وبعد عدة أشهر يدخل خيرت إلى الفصل الثانى من رواية « عمارة إخوانيان» ليحقق الجزء الثانى من التمكين وهو الوصول إلى كرسى الرئاسة الذى بذلت فيه الجماعة ما لايطيقه بشر، بل وتنازلت من أجله عن مبادئها وثوابتها فقدمت نفسها على طبق من ذهب للإدارة الأمريكية وبات الإخوان يحظون بنفس مكانة إسرائيل فى قلب العم سام، أما كيف حقق الشاطر أحلام الجماعة، فالملايين هى الحل، فبالمال تستطيع أن تفعل ما تريد، وجعلنا من المال كل شىء برلمانى، وكل كرسى رئاسى، هذا هو سر نجاح الشاطر وأحد أسرار قوته، وبالتنظيم وقواعده وقياداته تستطيع أن تُدخل الجمل الإخوانى من سم الخياط، والشاطر هو من يدير هذه المنظومة . لم يصل الشاطر بالإخوان إلى كرسى الرئاسة فحسب إلا أنه وصل أيضاً إلى قلب أمريكا، ويكفى أن جريدة «فايننشيال تايمز» البريطانية خرجت علينا بعد انتخابات الرئاسة بتحليل عميق للأحداث التى مرت بها مصر فقالت « أمريكا عثرت على حليف جديد فى المنطقة بعد إسرائيل هو جماعة الإخوان» وكان الفضل فى ذلك للمهندس خيرت الشاطر الذى لا حدود لطموحه، حتى إن أحد العارفين لتاريخه من الروائيين الكبار فى مصر قال: خيرت الشاطر هو «راسبوتين العصر الحديث وأتمنى أن أكتب رواية عنه» !! .

مسيرة خيرت الشاطر فى الإخوان طويلة، ولخطورته التنظيمية دخل السجون عدة سنوات وحقق فيها الرقم القياسى لإخوان العصر الحديث، ويبدو أن طموحه لم يكن له حد، والطموح هو صناعة الرجال الأقوياء، وبخيرت انتقلت الجماعة إلى مرحلة جديدة، مرحلة الفكر العسكرى والنظام الخاص التى تعلموها من أستاذهم ورئيس أركانهم الحاج مصطفى مشهور، لم تنتقل جماعة الإخوان من الفكر المدنى إلى طريقة الإدارة العسكرية إلا من خلال السمع والطاعة والثقة فى القيادة، ومن خلال هذه الآفة الإنسانية تسربت الأفكار التكفيرية إلى نسيج الإخوان وقد استقبلها الشباب الغر على أنها « دين» وعلى أنها « ذروة سنام الإسلام».

إنتظروا إذن فى فترة ولاية الرئيس محمد مرسى ظهور دولة «ولاية هيئة العلماء» علماء السلفيين والإخوان هم الملوك الجدد وسيبسطون نفوذهم لكى ينقلوننا من الجاهلية إلى الإسلام !! فنحن فى نظر خيرت ورفاقه أهل « كفر» وجاهلية أشد وطأة من جاهلية العصور السابقة على الإسلام لأنها فى ظنه جاهلية تختفى خلف الإسلام فتحدث لبسا عند الناس، فى حين أن الجاهلية الأولى كانت جاهلية ظاهرة تعلن كفرها صراحة، ومن خيرت الشاطر إلى الشحات وعبد المقصود وحسان ويعقوب ستكون مصر شركة دينية يستثمر الشاطر أموالها ويضع حسان تشريعاتها ونحن ضيوف عليهم، وربنا يستر . والحقيقة التى ما زالت خافية على الكثيرين هى أن إسلامنا غير إسلامهم، فإسلامهم يقوم على الاستعباد والرضوخ والتكفير، الأعلى يستبد والأدنى يرضخ، أما إسلامنا فهو إسلام العزة والحرية والتفكير، فمتى استعبدتم الناس يا خيرت وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً، العبودية لا تكون إلا لله وحده، العبودية لله هى قمة الحرية، والخضوع لله هو قمة العز، فمتى سيفهم الإخوان أنهم عباد لله لا لخيرت؟