رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حقيقة الإعلام الأوروبى


تأثر إعلامنا فى منطقتنا العربية بافتقاده للشفافية الضرورية للتعبير عن واقع البلاد فى تلك المنطقة، مما يدفع ملايين المتابعين من أبناء تلك الشعوب، إلى تتبع وسائل الإعلام الأوروبية


لا يوجد تعريف محدد لإعلام، ولكنه فى أبسط صورة هو النافذة التى نطل منها على الآخرين، صناعة المعلومات، وهو حرفة تطورت مع الوقت بهدف إعادة تشكيل المواقف والآراء. وكل دولة تنتهج إعلاماً يخدم نظامها السياسى، كان هذا فى مراحل الستينيات والسبعينيات، وكان الإعلام يوجد حسب رغبة نظام الحكم فى كل دولة. فكنا نسمع من يمدح النظام الرأسمالى، أيضا من يصب اللعنات عليه. وكنا أيضاً نسمع من يصف النعيم الذى تعيش فيه الدول الشيوعية والاشتراكية. إلى أن تكشف لنا مؤخراً حقيقة الأوضاع فى تلك الدولة، وثوراتها على هذا النظام. وكانت الشعوب يتم تشكيل وعيها طبقا لتلك النظرية.

أما فى العصر الحديث، فلا يمكن تجاهل التقنيات الحديثة التى تنقل لنا الأخبار فى أى ركن من أركان الأرض، وأيضاً، يتم تصويره فى لحظة وقوعه، وفى حالة الحروب الدائرة الآن، نرى الدبابات فى نفس اللحظة، وهى تقصف المواقع المعادية، والطائرات وهى تتهاوى. ولم يعد هناك مجال للكذب أو الرياء أو إخفاء الحقائق. ولا شك أن الحرية و الشفافية تعتبر من أهم مقومات وأدوات الإعلام. وبقدر ما تتسع مساحة الحرية والشفافية، يزداد حجم تأثير الإعلام على الناس، واكتساب مصداقيتهم. قوة الإعلام ومتانته، ليس فى عدد الصحف الصادرة يومياً وأسبوعياً، أو عدد القنوات التليفزيونية المتاحة، وإنما فى مساحة الحرية، والسقف المسموح المتاح لقول الحقيقة أو بعضها. التأثير الإعلامى على عقول الناس، ليس سببه الإعلام بتقنياته ووسائله، بل خصائصه ومقوماته التى ينهض عليها، وهى الحرية، والدقة، والمصداقية، وبعدها تأتى الصنعة فى صناعة الخبر، وترتيبه فى قائمة الأخبار، وتقديمه بمهنية وحسن إلقاء إلى القارئ.

وبقدر ما يتمتع الإعلام بتلك المهنية، تزداد قدرته على كسب الثقة، وبالتالى تزداد نسبة تأثيراته على الناس.

ومما لا شك فيه، أن الإعلام الغربى يتميز بالحرية، والجراءة فى طرح الموضوعات، حتى تلك المسكوت عنها، وقوة الاحتراف فى طرق صناعة الخبر، وتصويره، من زوايا عديدة، وتقديمه للمشاهدين فى صورة طبيعية، مع حسن استخدام للجانب الفنى المتطور فى التصوير، الذى يعرض فيه الخبر، وسرعة نقله للشريحة المتأثرة بهذا الإعلام، وهذا ما عمد له الإعلام الغربى بقوة.

وعلى النقيض، يتأثر إعلامنا فى منطقتنا العربية بافتقاده للشفافية الضرورية للتعبير عن واقع البلاد فى تلك المنطقة، مما يدفع ملايين المتابعين من أبناء تلك الشعوب، إلى تتبع وسائل الإعلام الأوروبية, نظرًا إلى ضيق مساحة الحرية والرقابة المفروضة على حرية تداول المعلومات والأخبار فى بلدانهم.

ومع تقدم الوقت، لم يجد الإعلام العربى بديلاً عن تطوير نفسه، ليصبح على قدم المساواه مع الإعلام الأوروبى، ونجد أن المشاهد أو المستمع العربى، أصبح يميل إلى تفضيل الفضائيات العربية، رغم عيوبها البسيطة، على الفضائيات الأوروبية والأمريكية. بل إن هناك قطاعاً واسعاً بات على قناعة بأن الفضائيات والصحف والإعلام العربى أكثر دقة وموضوعية وحيادية من الإعلام الغربى الذى كشف عن انحيازه لسياسات بلاده، بطريقة ظاهرة، وغير مقبولة. وأحياناً يتورط فى الترويج لجرائم إسرائيل، فى حق الفلسطينيين، من دون اكتراث للحقائق الواضحة بالصوت والصورة أمام العالم أجمع.