رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تركيا.. بين الإسلام والعلمانية


قبل الإسلام، كانت المنطقة التى تشغلها تركيا الآن، تسمى بالدولة الرومانية،ثم اندحرت تحت سيوف المسلمين، و ظلت تحت الحكم الإسلامى سنوات طويلة، حتى تمكنت من اكتساح العالم الإسلامى كله، وتكوين إمبراطورية عثمانية,على اسم مؤسسها الأول عثمان غازى، وظلت تحكم هذا جزءاً كبيراً من العالم الإسلامى والعربى فترات طويلة...

... وجزءاً من أوروبا، بنظام الخلافة الإسلامية،وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بمذاهبها الأربعة، حسب المذاهب التى يعتنقها الأفراد، فى المناطق التى تحت سيطرة الأتراك، وكان المذهب الرسمى للخلافة هو المذهب الحنفى، وفى أواخر أيام الخلافة العثمانية، بدأت الدولة العثمانية، تميل إلى نوع من التسامح مع الطوائف غير الإسلامية، كاالمسيحيين واليهود وبعض الطوائف الإسلامية كالشيعة وغيرهم، وكان ذلك تحت ضغوط من الدول الأوروربية التى ظهرت على السطح فى مطلع القرن الثامن عشر، وهى روسيا والنمسا وبريطانيا والمجر وفرنسا وإيطاليا.

واستجابة لتلك الضغوط التى مارستها الدول الأوروبية، بدات الإمبراطورية العثمانية، فى تطبيق إصلاحات قانونية، وذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر، حتى أوئل القرن العشرين، وأصدرت ما يعرف بخط كلخانة، وهو فرمان أو قانون يؤكد المساواة القانونية وغير القانونية بين المسلمين وغيرهم من رعايا الإمبراطورية.

غير أن الضغوط الأوروبية لم تتوقفت، وأجبرت السلطان العثمانى، على إصدار خط همايونى عام 1856 يلغى الجزية عن الطوائف غير الإسلامية، فى كل أنحاء الخلافة الإسلامية. وهو ما أثار سخط عدد كبير من المشايخ والأئمة المسلمين.

وبدأ الجدل بين استمرار الدولة الإسلامية، وهاجس التحول الى العلمانية، عندما ظهرت جماعة تركيا الفتاة، وقدمت نموذجاً علمانياً، يقوم على فكرة، المزج بين علم الاجتماع الغربى الأوروبى مع الفقه الإسلامى، وظهر نتيجة هذا المزج، علم جديد اسمته جماعة «تركيا الفتاة»، وقتها باسم «علم الأصول الاجتماعية للقانون».

ولكن الصدر الأعظم سعيد حليم باشا،عارض الفكرة، وظل الجدل قائماً بين الفكرتين، حتى أغسطس عام 1922، عندما انتهت حرب التحرير التركية، وانتصار الجنرال مصطفى كمال أتاتورك. والذى أعلن انتهاء الخلافة العثمانية، وقيام الجمهورية التركية.

ومنذ تلك الفترة، وبدأت عملية التحول الكبرى، لتحويل تركيا إلى دولة علمانية، عن طريق بعض الإصلاحات السريعة والجذرية، بهدف تحويل تركيا إلى دولة علمانية حديثة، تضارع الدول الأوروبية الحديثة حولها.

وقتها، كان النموذج الفرنسى، ماثلاً أمام القيادات التركية الحديثة، وكانت أفضل وأهم الأفكار التى ألهبت الثوار الجدد، هى فكرة فصل الدولة عن الدين .

وهى الفكرة نفسها التى طبقتها معظم الأوروبية الحديثة. عندما طبقت نظرية الفصل الكامل للدولة عن الكنيسة . وحصر دور الكنيسة فى الإجراءات الشكلية لممارسة طقوس الدين المسيحى.

وأعلن الثوار الجدد مجموعة من الإجراءات والإصلاحات الكبرى، منها: إلغاء الخلافة الإسلامية، والمحاكم الدينية، والطرق الصوفية. واستبدال التقويم الهجرى بالميلادى.

ومع مطلع عام 1928 تحولت الدولة التركية إلى دولة علمانية تماماً، وتخلت عن فكرة أن الإسلام هو الدين الرسمى للدولة .كما منعت استعمال الحروف العربية فى الكتابة، واستبدلتها بالحروف اللاتينية. وفى عام 1935 أصبح يوم الأحد هو الإجازة الرسمية للدولة الجديدة بدلاً من الجمعة.كما تدخلت القوانين الجديدة لتقيد حرية الأتراك فى الزى، فمنعت ارتداء الطربوش الأحمر، والذى كان أحد رموز الدولة العثمانية، ومنع النساء من ارتداء الحجاب.