رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أما الذى هو أجير.. وليس راعياً


من أروع الأمثلة التى ذكرها السيد المسيح وقد ورد فى إنجيل القديس يوحنا – الإصحاح العاشر – هو مثل «الراعى الصالح». ولحكمة الكنيسة الواعية فإنها تُعيد قراءة هذا المثل على أسماع المؤمنين فى تذكارات الآباء البطاركة وأيضاً فى يوم رسامة الراهب الذى يجلس على كرسى مارمرقس ليكون بابا وبطريرك الإسكندرية وذلك لتذكير الراهب بخطورة المسئولية المُلقاة على كاهله فيكون أباً لرعيته صبوراً حليماً وديعاً محباً للجميع، وبالاختصار يكون راعياً وليس أجيراً. فالراعى الحقيقى يدخل إلى حظيرة الخراف من الباب، بينما الأجير فهو يطلع من موضع آخر. وعندما يدخل الراعى من الباب، فإن البواب يفتح له، والخراف تسمع صوته، فيدعو خرافه الخاصة بأسمائها ويُخرجها. ومتى أخرج خرافه الخاصة يذهب أمامها، والخراف تتبعه، لأنها تعرف صوته. أما الغريب – الذى ليس هو راعياً – فلا تتبعه الخراف بل تهرب منه، لأنها لا تعرف صوت الغرباء.

أنظروا إلى المسئول الذى ترك كاهن إحدى كنائسه وهى مُحاصرة ولم يبذل نفسه ويذهب إليه لنجدته بل وألقى اللوم على الكاهن وكأنه هو المخطئ. يومها سقط هذا المسئول فى نظر شعبه، أما الكاهن فأصيب بأزمة قلبية أدت إلى وفاته!! انظروا إلى المسئول الذى ترك كاهن إحدى كنائسه لُيصارع الآلاف وحده!! وكان الكاهن تحت تهديد القتل أو الجرح، ونسى هذا المسئول أنه لابد أن يسلك كراعٍ وليس كأجير. انظروا إلى المسئول الذى رفض لقاء بعض الشباب والشابات المهتمين بأحوال فقراء قريته!! ورفض أن يقدم لهم مساعدات مالية لتقديمها للفقراء والمحتاجين والذين ليس لهم أحد يسأل عنهم!! لكن الله فى عمق اهتمامه بالفقراء فقد دبر لهم مصادر أخرى لتوفير احتياجات الفقراء والمعدميسن والذين بلا مأوى!!

على النقيض رأينا أمثلة رائعة لرعاة حقيقيين كانوا مثالاً للراعى الصالح الذى تحدث عنه السيد المسيح. رأينا البابا كيرلس السادس البطريرك 116 الذى كان يحرص على إقامة الصلاة يومياً مع شعبه سواء بالإسكندرية (مقر كرسيه) أو القاهرة. وبعد الصلاة يجلس مع شعبه فى حجرة استقبال بسيطة جداً ومتواضعة لكنها تليق بالعظماء والأغنياء بالنعمة، ويستقبل أولاده ويستمع إليهم كأب محب جداً وكانت البركة التى يعطيها لأولاده هى «قطعة من القربان». وكم كانت السعادة تعلو وجوه الأبناء نحو أبيهم. رأينا فى جيلنا الأنبا أثناسيوس – مطران بنى سويف الراحل فى 16 نوفمبر 2000 – الذى كان يرفض الملابس الفاخرة التى كان يحضرها إليه الآخرون كهدايا محبة له، وكان يقوم بردها. أما هو – كما رأيته بنفسى – فكان يذهب إلى محلات المعونة والمساعدات المنتشرة بلندن ليشترى لنفسه جاكيت – ليقيه من برد الشتاء – ببضعة جنيهات زهيدة. وبذلك – لأنه راعٍ صالح – فقد اشترك مع فقراء شعبه فى ارتداء أزياء بسيطة مثلهم. رأيت بنفسى الأنبا أرسانيوس – مطران المنيا أطال الله فى عمره – يقيم بمبنى متهالك بالمنيا كان قد أقام به الأنبا أبرآم أسقف الفيوم القديس (تنيح فى 10 يونيه 1914) عندما كان راهباً يخدم بالمنيا. ولم يترك الأنبا أرسانيوس مقر إقامته هذا إلا بعد أن صدر قرار إزالة للمبنى لخطورته نظراً لقدمه. كانت سعادته تكمن فى استقبال أولاده الأغنياء والفقراء فى هذا المبنى البسيط. على الرغم من أنه كان أصلاً مهندساً ناجحاً ومديراً لمشروعات لكن غناه الحقيقى كان يكمن فى تواضعه وحبه لرعيته. الراعى الصالح يبذل نفسه.

■ عضو المجمع العلمى المصرى