رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دستور الثورة.. وكرامة المواطن والطبيب


حين خرج ملايين المصريين فى ثورة يناير المجيدة وثورة 30 يونيه طالبوا بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، فلا كرامة لمواطن دون أجر عادل يكفل له الحياة الكريمة ولا كرامة لمواطن دون توفير خدمات تكفل له حياة آدمية وإنسانية من سكن صحى ومناسب وغذاء صحى ومياه شرب نظيفة، وكهرباء وصرف صحى ووسائل انتقال وطرق آمنة تكفيه شر الحوادث. لا كرامة لمواطن دون تأمين صحى يكفل له حق العلاج بكرامة دون عوز. الكرامة الإنسانية تعنى استقلال الإرادة الوطنية، وهذا لن يتحقق إلا بإنتاج يكفى البلاد زراعياً وصناعياً لتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين حتى لا يتم الاعتماد على الدول الرأسمالية المتوحشة الكبرى فى القروض المشروطة التى تتحكم فى مسار وقرارات الدول، مما يفقدها السيادة.

حين خرج الملايين نادوا بالحريات، وكان أحد أسباب الثورة الرئيسية هو انتهاك حرية المواطنين وكرامتهم والاعتداء عليهم وتعذيبهم فى أقسام الشرطة إلى حد القتل، وتحول جهاز الشرطة من خدمة الشعب إلى خدمة النظام الفاسد وحمايته. وطالبت القوى السياسية بعد خلع نظام مبارك بإعادة هيكلة جهاز الشرطة، وبدأت هيكلة جزئية وتدريجية بعد 30 يونيه وتم إنشاء قطاع حقوق الإنسان داخل وزارة الداخلية من أجل تأصيل ثقافة احترام حقوق المواطن. ولا ينكر أحد ما يقدمه جنود الشرطة والجيش من تضحيات فى مواجهة الجماعات الإرهابية لحماية المنشآت والأرواح والدولة والشعب، ولكن فى الفترة الأخيرة ازدادت تصرفات من بعض أفراد الشرطة تقوم على انتهاك الحريات والاعتداء على المواطنين ورجوع ثقافة أن أفراد الشرطة هم السادة، وأنالمواطنين هم العبيد. وخلال الأشهر الماضية كان هناك عدة وقائع أدت إلى التعذيب المؤدى إلى قتل المواطنين داخل أقسام الشرطة فى الأقصر والإسماعيلية والمطرية.

وكانت الواقعة الأخيرة من اعتداء أمناء الشرطة بقسم المطرية على طبيبين بمستشفى المطرية، والمنوط بهم حماية المستشفى وتوفير الأمن والأمان للعاملين بالمستشفى وللمرضى وللمنشأة، فإذا بهم يعتدون على الأطباء فى واقعة تعيد إلى الأذهان انتهاكات الشرطة لكرامة المواطنين قبل ثورة يناير. بل تم تلفيق التهم وتهديد الأطباء والتباطؤ فى تقديم المتهمين إلى محاكمة عادلة لتطبيق القانون. إذا كان من الطبيعى أن يزحف آلاف الأطباء إلى جمعيتهم العمومية الطارئة فى يوم الكرامة 12 فبراير 2016 ليقولوا بصوت عال لا لانتهاك الحريات، لا للاعتداء على المستشفيات، نعم لكرامة الطبيب وكرامة المريض وكرامة المواطن. الطبيب المهان لا يستطيع أن يعالج إنساناً. إنه يوم انتفاضة من أجل الكرامة التى نادت بها ثورة يناير، يوم المطالبة بسيادة القانون. إنها رسالة من الأطباء ومن كل القوى السياسية والنقابات المهنية والأحزاب والجمعيات الأهلية واللجان الشعبية وجبهات النساء والنقابات المستقلة للعمال والفلاحين، رسالة من كل هؤلاء للتضامن مع نقابة الأطباء، ولإرسال رسالة قوية للمسئولين مفادها لن نفرط فى كرامتنا، لن نفرط فى حقوق الشعب المصرى فى كرامته وفى سيادة القانون.

هل ستصل الرسالة؟ وإذا وصلت هل سيتم فهمها بشكل موضوعى؟ أم سيتم الاستعلاء من قبل المسئولين وتجاهل مطالب المواطنين؟ إن الشعب المصرى الذى قدم دماء الشهداء من أبنائه لن يفرط فى تحقيق أهداف ثورته وتفعيل الدستور الذى أجمع عليه بعد ثورتين، والذى ينص فى مواده على الحريات والحقوق والواجبات وعلى تطبيق دولة القانون. وها هى يا سادة مواد الدستور التى نتمسك بها، فديباجة الدستور تنص على «نحن نؤمن بأن لكل مواطن الحق فى العيش على أرض هذا الوطن فى أمن وأمان، وأن لكل مواطن حقاً فى يومه وفى غده..... نؤكد على حق الشعب فى صنع مستقبله، هو –وحده- مصدر السلطات، الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية حق لكل مواطن، ولنا ولأجيالنا المقبلة السيادة فى وطن سيد.... نكتب دستوراً يصون حرياتنا ويحمى الوطن من كل ما يهدده...... نكتب دستوراً يحقق المساواة فى الحقوق والواجبات دون أى تمييز.

إن ديباجة الدستور جزء من هذا الدستور، والذى تؤكد نصوصه على حرية وكرامة المواطن. ففى المادة 51: «الكرامة حق لكل إنسان، ولا يجوز المساس بها وتلتزم الدولة باحترامها وحمايتها». والمادة 52 «التعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم»، والمادة 53: «المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة»، والمادة 55: «كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، لا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذائه بدنياً ولا معنوياً». المادة 59: «الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها وكل مقيم على أراضيها». المادة 94: «سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة، وتخضع الدولة للقانون، واستقلال القضاء. وحصانته وحيدته ضمانات أساسية لحماية الحقوق والحريات». وفى المادة 206: «الشرطة هيئة مدنية نظامية فى خدمة الشعب، وولاؤها له، وتكفل للمواطنين الطمأنينة والأمن وتسهر على حفظ النظام والآداب العامة وتلتزم بما يفرضه عليها الدستور والقانون من واجبات واحترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وتكفل الدولة أداء أعضاء هيئة الشرطة لواجباتهم، وينظم القانون الضمانات الكفيلة بذلك». انتفاضة الأطباء فى يوم الكرامة صرخة قوية لإرساء دولة القانون والمساواة والعدل والحق والكرامة.