رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القوافل التنويرية للثقافة الجماهيرية


تحدث الكثيرون من المصريين والمفكرين والمثقفين عن أن مواجهة الإرهاب لا تكون بالأمن فقط، ولكن المواجهة الشاملة للتطرف والأفكار المتشددة تكون أيضاً بالفكر والعلم والثقافة والفنون والإبداع مع دور للمؤسسات الدينية فى نشر قيم الدين الصحيحة من تسامح وعدل ومساواة وقبول الآخر وعدم التمييز والسلام والمحبة. كما تحدث الكثيرون عن دور الهيئة العامة لقصور الثقافة المنتشرة فى ربوع مصر فى القرى والنجوع والأحياء والمدن والريف والحضر. وأيضاً عن دور مراكز الشباب التابعة لوزارة الشباب والرياضة، فعليهما دور كبير فى مواجهة الإرهاب بإشراق شمس الفنون والإبداع لتطرد ظلمة الأفكار الرجعية الظلامية المتشددة.

هذا بجانب دور وزارة التربية والتعليم فى تربية النشء على مناهج تنمى الانتماء والوطنية والمعرفة والمهارات. والدور المهم أيضاً للإعلام المرئى والمسموع والمقروء ودور المسلسلات والأفلام فى إعلاء منظومة القيم والأخلاق والسمو بالروح والتذوق. أزف إلى القراء والقارئات بشرى البداية، والتى نتمنى أن تستمر. وكانت البداية فى القوافل التنويرية لإثراء الحركة الثقافية فى مصر، التى تنظمها الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الأستاذ الجامعى والمفكر والمثقف الدكتور محمد أبوالفضل بدران، مع مجموعة حملت شعلة الإبداع وعملت بكل جهد لتجهيز القافلة الأولى، والتى شرفت بالمشاركة فيها، إلى جامعة المنيا. شملت المجموعة الشاعر الموهوب محمد أشرف عامر رئيس الإدارة المركزية للدراسات والبحوث، والدكتورة هالة محمد منير مدير عام إدارة قياس الرأى، والأستاذ محمد عزت مدير عام العلاقات العامة، مع الباحث الشاب محمد عمارة. انطلقت بنا السيارة إلى أرض حبيبة من صعيد مصر، إلى عروس الصعيد، إلى أجمل بقعة لنيل مصر، إلى أرض عاش فيها أجدادنا، اتخذها إخناتون عاصمة له ودعا منها إلى توحيد الإله، إلى أرض جميلة الجميلات الملكة نفرتيتى، إلى محافظة المنيا، وبالتحديد إلى جامعة المنيا.

كان على باب الجامعة الاستقبال الحافل من الأساتذة وعلى رأسهم رئيس الجامعة الدكتور جمال الدين أبو المجد، وعميد كلية دار العلوم الدكتور محمد عبدالرحمن الريحانى. كما قابلتنا السيدة فوزية أبوالنجا رئيسة إقليم وسط الصعيد الثقافى، ومديرو قصور الثقافة بالمنيا وأسيوط.

وفى القاعة الكبرى لمركز الفنون والآداب، وفى افتتاح الموسم الثقافى فى جامعة المنيا، كان هناك أكثر من ألفى طالب وطالبة ينتظرون بكل حماس وتشوق الحوار المفتوح مع الفكر والسياسة والأدب والموسيقى. ضمت القافلة الشاعر الموهوب أشرف عامر، والموسيقى القدير الموهوب الذى ينطلق بكل المحبة والصدق الشاب الذى تجاوز السبعين من عمره، الموسيقار هانى شنودة ومعه أصوات قوية حساسة للشاب إسلام عطية والشابة سارة الهوارى. وكان معنا أيضاً الفنان الممثل القدير والمثقف العاشق لبلده والواعى لدور الفن كرسالة تحمل المتعة الفنية والفكرة والتنوير، فنان يجوب أرض مصر شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، حاملاً فى قلبه كل الحب لمصر وكل الكلمات التى تتدفق من فمه كطلقات رصاص ضد الإرهاب والأفكار المتطرفة، الفنان طارق الدسوقى. ودار الحديث بيننا جميعاً طوال أربع ساعات من الرحلة فى السيارة التى نقلتنا إلى المنيا حول الفن والفكر والأديان والإعلام وتربية النشء، وحول أن تكون الثقافة فى مقدمة اهتمام الدولة، وحول حق كل المصريين فى إتاحة الخدمات الثقافية. وتحدث الفنان طارق الدسوقى حول أهمية دور الدولة ودور الأحزاب والمنظمات الثقافية فى نشر الثقافة فى ربوع مصر.

وصلت بنا السيارة وكلنا أمل فى اللقاء مع أبنائنا وبناتنا، وإجراء حوار يرد على كثير من تساؤلات الشباب حتى تضيق الفجوة بين ما يسمى جيل الكبار «العواجيز» وجيل الشباب. نعم إن تضييق تلك الفجوة ودفع الشباب للمشاركة فى بناء مستقبله وتحقيق آماله وطموحاته ومطالبه التى لم تتحقق بعد، والتى نادى بها فى ثورتى يناير ويونيه. ودار الحديث عن المخاطر التى تحيط بمصر من القوى الخارجية الاستعمارية المتوحشة، ومخطط تقسيم مصر وحصارها اقتصادياً ومخطط تفتيت الوطن العربى كله. كما دار الحديث أيضاً عن الأمل، وعن تمسك الشباب بمطالبهم والتعبير عنا بكل الأشكال السلمية، وعن حقوقهم وواجباتهم تجاه بلدهم فى المشاركة والمتابعة. وقلت لهم بكل صدق إننى متفائلة دائما لأننى أثق فى هذا الشعب العظيم، وزاد تفاؤلى بعد وجودى بينكم. امتد الحوار بيننا وكانوا كلهم آذاناً صاغية، كما تحمسوا كثيراً لما قاله الموسيقار هانى شنودة عن الموسيقى وكيفية سماع الموسيقى بحس ووعى وروح وفهم، مع عزفه لجمل موسيقية وتفسيره لها بالفرق بين الجملة التى تعنى سؤالاً وتلك التى تعنى جواباً أو تعبر عن حالة الفرح أو حالة الغضب أو حالة الحب. والتهبت أكفهم بالتصفيق لأغانى فرقة المصريين، أغانى الزمن الجميل.

وانتهى اللقاء بعزف وغناء لفرقة الموسيقى العربية بقصر ثقافة أسيوط. تحية لهذه الفرقة التى تثبت أن مصر ولادة وأن المصريين عاشقون للفن والإبداع. كل التحية لجامعة المنيا وللهيئة العامة لقصور الثقافة. وأزف لكم أنه فى الأسبوع المقبل سيتم تنظيم قافلتين إلى جامعتى أسيوط وجنوب الوادى فى سوهاج. وأقول فى نهاية مقالى: عندما غابت الأنشطة الثقافية والفنية عن المدرسة والجامعة والمجتمع تسللت إلينا الأفكار المتطرفة والظلامية والرجعية. أناشد وزير الثقافة الكاتب حلمى النمنم أن يضع كل الإمكانيات والتسهيلات المطلوبة لهذه القوافل لتكمل دورها كى نصل بمصر إلى بر الأمان.