رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نقطة الماء.. تساوى الحياة!


عن عائشة بنت أبى بكر - رضى الله عنها - قالت: شكا الناس إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قُحُوط (احتباس) المطر، فأمر بمنبر، فوضع له بالمصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس (ضوؤها) فكبّر وحمد الله،.. ثم قال: «الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغاً إلى حين»...

... أما نحن فحدث ولا حرج، فإننا نهدر الوقت والمال والجهد والعرق والثروة التى أفاء الله بها علينا من نعمِه، فيهبنا المطر بلا مدعاة لإقامة صلاة الاستسقاء التى كان يقوم بها العرب فى الصحراء القاحلة الجدباء، لتبتل عروق الرمال والصخور أملاً فى أن تهتز وتبزغ من طياتها عيون النماء لتسقى الزروع والضروع والإبل، هذا قبل أن يعطينا العلم والعلوم والحضارة وأدوات التكنولوجيا؛ كل تلك الآليات التى تساعدنا على قراءة حركة الرياح والسحب المسافرة عبر العوالم جنينها المطر، وتعطينا المؤشرات الدالة لحظة بلحظة عن متى وكيف وأين ستسقط هذه الأمطار

التى تحملها السحب والغيوم بلا أدنى مفاجأة؛ لأنها مرصودة بالأجهزة العلمية وتحت أعين الخبراء والعلماء الذين يقبعون خصيصًا للمشاهدة والمتابعة والرصد.

ويقول العلماء إن الحروب القادمة ستأخذ منحى آخر يختلف تمامًا عن الحروب التقليدية باحتلال الدول لاحتكار مصادر الثروات فيها، ولكنها ستكون حرب مايسمى بحرب « نقطة الماء»، ودليلهم على ذلك أن زيادة الإنتاج لبعض المواد التى تحتاجها عناصر التكنولوجيا المتقدمة، أدت إلى ماعرف بثقب طبقة الأوزون فى الطبقات العليا من القشرة المحيطة بكوكب الأرض، مما أثر بدوره على تغير المناخ العام فى العالم بارتفاع درجة الحرارة على غير المعدلات الطبيعية التى تضمن المحافظة على التوازن البيئى الضرورى؛ ونتج عن هذه الظاهرة الكونية أن بدأت جبال الجليد فى القطبين الشمالى والجنوبى والمحيطات فى الذوبان، لتخضع حركة المياه تحت الشمس الحارقة لدورة التبخير والتناقص النسبى فى الكميات التى يحتاجها البشر على ظهر الأرض لمواصلة الحياة التى لا يهددها العطش والجفاف.

ومن المعروف علميًا أن المياه تغطى 71٪ من مساحة الكرة الأرضية، وتشكل نسبة الماء 60٪ من حجم الإنسان، وترتفع هذه النسبة فى المخ فتصل إلى 85٪، فى حين أنها تشكل 20٪ من تركيب العظام، لذلك فالإنسان بحاجة إلى مياه الشرب تماماً مثلما يحتاج إلى الهواء، لكن مياه الشرب تقل تدريجيا على سطح الأرض بسبب التغير المناخى الذى أسفر عنه ذوبان الجليد، المصدر الرئيسى للمياه العذبة وهذا نقلاً عن رأى المتخصصين فى علوم مناطق الجليد وبأن عملية ذوبان الجليد بكميات كبيرة أشبه بشخص لديه حساب إدخارى يسحب منه باستمرار.

فحينما يواصل هذا الشخص السحب من حسابه يكون فى يده سيولة نقدية أكبر للصرف؛ بيد أن بمرور الوقت تتناقص مدخراته شيئاً فشيئاً. وهذا الأمر نفسه يسرى أيضاً على المخزون العالمى من المياه العذبة، فمع تغير المناخ يتضاءل هذا المخزون وربما ينفد أيضًا فى وقت ما. ومع أن كمية المياه على سطح الأرض ثابتة لا تتغير فى واقع الأمر؛ إلا أنه لن يكون بإمكاننا الاستفادة من المخزون الاحتياطى للمياه، وفى وقت ما حينما تذوب المناطق الجليدية؛ فلن يكون هناك بعد ذلك مخزون من المياه لمواجهة فصول الصيف الحارة. ويقول خبير فى شئون الجليد إن حصولنا على المياه العذبة سيتوقف على هطول الأمطار، وهذا أمر لا يمكن الاعتماد عليه فأحيانا تهطل الأمطار بغزارة وأحيانا لا يكون هناك مطر على الإطلاق، والنتيجة هى حدوث الجفاف.. ولا مناص!

لذا.. أتمنى أن يكون لدينا منظومة عمل مشتركة بين العلماء المتخصصين فى كل الوزارات المعنية؛ لتكوين لجان دائمة أو تفعيل القائم فعلاً منها للقيام بالمراقبة الجادة والمستمرة لعمل الأبحاث العلمية اللازمة؛ للاستفادة القصوى من مياه السيول والأمطار الغزيرة والعمل المستمر على حماية مخرات السيول من أى تعديات على مجاريها لتستوعب الانحدار الطبيعى لمياه الأمطار خاصة فى المناطق الجبلية المنتشرة فى مساحة خريطة جمهورية مصر العربية.. وللحديث بقية.