رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمير الشعراء «شوقى» .. ألا يستحق ؟!


هل تذكرون الشاعر الفرنسى «رامبو» ؟ لقد بدأ حياته كشاعر فى سن السابعة، وودع دنيا الشعر والشعراء فى سن الثامنة عشرة ولم يكتب سطرًا واحدًا بعد هذه السن؛ ولكنه أحدث انقلابًا فى الشعر الفرنسى ونجح فى إيجاد لغة شعرية جديدة فاق بها كل أقرانه الذين عاصروه وترك بصماته على إبداعاتهم التى لم تستطع أن تطال قامة أشعاره، وبرغم هذا النجاح الباهر ذهب إلى جنوب أفريقيا ليعمل بالتجارة، وليتها كانت تجارة فى العاديات أو العطور، ولكنه ـ للأسف ـ ذهب ليتاجر بالرقيق الأبيض!!

وبرغم هذا التحول الغريب فى حياة هذا الشاعر الذى توفى فى العام 1891 عن عمر يناهز 37 عامًا، إلا أن الدولة الفرنسية قامت بتحويل منزله إلى مُتحف ومزار أدبى لكل من تطأ قدمه الأرض الفرنسية، ووضعوا له تماثيل بالحجم الطبيعى فى «اللوفر» بوصفه ضمن أعظم من أنجبتهم فرنسا إلى جانب موليير وراسين وفيكتور هوجو الملقَّب بأمير الشعر الفرنسى، ولا يمر يوم فى حياة فرنسا لم يصدر فيها كتاب عنه.

ونحن هنا فى مصر عاصمة الأدب والشعر والعلم والعلماء نضن بالاحتفاء بشعرائنا الأفذاذ الذين خرجوا من بين ظهرانينا، وعلى رأسهم أمير الشعر والشعراء أحمد شوقى بك؛ الذى تحل ذكراه فى أكتوبر من كل عام : ميلادًا ووفاة ««16 أكتوبر1886- إلى 14 أكتوبر1932»، وبرغم أننى كتبت فى هذا المكان وفى التوقيت نفسه من العام الماضى موجهة ندائى بالمطالبة بضرورة الاحتفال بذكرى هذا الشاعر العملاق الذى مازالت الأبحاث حول إنتاجه الشعرى تمنح الدرجات العلمية لمحبيه ودارسى شعره الغنائى المسرحى و شعره للأطفال، إلى جانب أشعاره بالعامية المصرية، ولكن للأسف لم أجد آذانًا مصغية عند من توجهت اليهم بهذا النداء، وهكذا تعود الذكرى هذا العام ولا نسمع ـ حتى ـ رجع الصدى لدعوتى الصادقة لإقامة احتفالية أو مؤتمر أدبى دولى يليق بالاحتفاء بهذا الشاعر، الذى لم يـدُر بخلد أمه المنحدرة من أصول تركية شركسية أن يكون عمل أمها كوصيفة فى قصر الخديو إسماعيل والى مصر أن ابنها سيعيش أيام نشأته الأولى فى كنف قصر الحاكم، وأنه سيظهر نبوغًا مبكرًا فى استيعاب علوم اللغة العربية منذ التحق بـ «كُـتَّاب» الشيخ صالح بحى الحنفى بالقاهرة، وأنه سيحظى بإجماع شعراء عصره بأن يمنحوه عن جداره لقب أمير الشعراء، وكان الفضل فى هذا النبوغ المبكر يعود إلى النظرة الثاقبة لأستاذه ومعلمه الشيخ «محمد البسيونى» الذى رأى فيه مشروع شاعر كبير، فأوصى بالغلام خيرًا وعضد ترشيحه لدخول مدرسة الحقوق وهو فى الخامسة عشرة من عمره لينتسب إلى قسم الترجمة بهذه المدرسة، الأمر الذى انعكس على سعة إطلاعه على الآداب الغربية والفرنسية خاصة وعلى رأسهم الشاعر موليير، فيتحقق حلمه بالسفر إلى فرنسا على نفقة الخديو توفيق ليبدأ أول منطلقاته الفكرية والإبداعية بالارتباط بالزعماء الوطنيين وعلى رأسهم الزعيم مصطفى كامل ليتفتح ذهنه على مشروعات النهضة المصرية الوليدة لمناهضة الاحتلال الإنجليزى فى ذاك الوقت.

ربما يقول قائل إن شعر شوقى كان موجهًا فى جُل كتاباته نحو مدح نظام الخديوية فى مصر، وهذا يرجع إلى عدة أسباب ـ ربما تكون جوهرية ـ مهمة فى نظره وهى إحساسه العميق بأن الأسرة الحاكمة لها الفضل فى رعاية نبوغه المبكر وتبنيه كأنه أحد أفراد الأسرة المالكة، وبالتالى وجب عليه الدفاع عن هذه الأسرة الخديوية، فجاء شعره وافرًا متواصلاً فى مدح الأسرة الحاكمة، وربما كان تأثرًا أيضًا بما فعله الشاعر أبو الطيب المتنبى ـ الذى كان يعشقه ـ على أبواب «سيف الدولة « .. أقول ربما !! ولكن هذا المدح للحكم والحكام أدى إلى غضب الاحتلال الانجليزى ليكون قرار نفيه إلى إسبانيا لإبعاده عن الحركة الوطنية التى تناهض الاحتلال، ويستغل شوقى هذا النفى ليقوم بالاطلاع على الأدب العربى وعلاقته بالحضارة الأندلسية واستيعابه لعدة لغات تأخذه إلى الاطلاع الواسع على الآداب الأوروبية والعالمية، وهو فى كل هذا لم ينفصل إطلاقًا عن الاتصال بالحركات الوطنية المناهضة للمحتل، فبدأ المشاركة بقصائده الوطنية فى كل المجالات التى تهدف إلى محاربة المستعمر وإذكاء جذوة غضب الشعب المصرى على الاحتلال، وظهر هذا جليًا فى قصائده التى ضمنها مشاعر الحزن والأسى على نفيه من مصر والحلم بالعودة إلى أرض النيل الغالية التى ولد على ترابها، إلى أن يعود حاملاً للواء الثورة والتمرد على كل أشكال القهر .. ليحظى بإجماع شعراء عصره بلقب أمير الشعراء. ألا يستحق صاحب كل هذا الثراء مما أوجزته عن مشواره تكريمًا لائقًا به وبنا مرة سنويا-على الأقل-؟ً ولن نقول فى كل وقت وأوان فهو جدير بحق!