رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلنتعلم من هذا الشعب العظيم


يأكل من تعيشون على هذه الأرض الطيبة مصر، يا كل مسئولى هذا البلد العظيم، يا كل القوى السياسية على اختلاف تياراتها من اليمين إلى اليسار، يا كل مثقفى ومفكرى ومبدعى هذا الشعب فلنتعلم الدرس من شعب مصر. هذا الشعب الذى أبهر العالم بثورته السلمية على مدى 18 يوماً فى يناير 2011 بعد أن تحمل الكثير. لقد وصفتموه بكل الصفات غير الحميدة «هذا شعب لا يحس، لا يتحرك، لا يعمل، لا يثور، لا يتكلم، لا يثأر لكرامته، شعب به كل العيوب، صبور صبر أيوب على الظلم والهوان والفقر». بعض المثقفين ممن لا يعرفون هذا الشعب جلسوا فى حجرات الصالونات والمكاتب المغلقة يتناقشون ويتحاورون غير واضعين فى حساباتهم أو معادلاتهم إمكانية تحرك هذا الشعب. حمل الشعب المصرى عبر العصور والتاريخ أصالته وحضارته وأفكارهومعتقداته، وموروثاته الشعبية، وإبداعاته وفلكلوره. يصبر كثيراً، ولكنه ينتفض ثائراً كالمارد الجبار عند الشعور بالخطر، وللحفاظ على هويته.

تعاقب عليه الكثير من المستعمرين، حاولوا أن يصبغوه بصبغاتهم، ولكنه لم يتلوّن، بل هم الذين خرجوا من أرضه متأثرين ومأسورين به. كثير ممن لا يعرفون هذا الشعب العظيم من أصحاب الجاه والمال والحسب والنسب والمصالح الكبرى والاحتكارات، وممن يرتبط بعضهم بمصالح مشتركة مع الدول الاستعمارية الكبرى جلسوا فى قاعات الفنادق ذات السبع نجوم ينهشون فى جسد هذا البلد وهذا الشعب ويوزعونه عليهم قطعة قطعة، ولم يكتفوا بسرقة ونهب ثرواته، ولم يكتفوا بخرابه عبر سنوات وسنوات فى كل المجالات: اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً. وفى الأيام الأخيرة جلس البعض منهم قبل انتخابات مجلس النواب الأخيرة يحاولون محاولة أخيرة للعودة إلى المجلس كى يتحكموا فيه وفى قراراته وتشريعاته بما يتوافق مع مصالحهم، والتى هى بالطبع على حساب مصالح الشعب والوطن.

وفى جانب آخر، وفى أركان أخرى وحجرات أخرى وفنادق أخرى، بل وفى بعض دور العبادة، جلس من يخلطون الدين بالسياسة، ويحاولون العودة إلى الحياة السياسية بعدما اختطف فصيل منهم الدولة لمدة عام، فكان عام سلطة الفاشية الدموية الدينية، ونسوا أن الشعب علمهم الدرس فى 30 يونيه 2013، ونسوا أيضاً أن الشعب يعرف أنهم هم والجماعة الإرهابية وتنظيمها الدولى أوجه متعددة لنفس الجوهر. فالجماعة الإرهابية التى لا تؤمن بالوطن، بل وتعمل لصالح الدول الاستعمارية الكبرى، على تفتيت الأوطان إلى دويلات صغيرة تقتتل فيما بينها على أساس طائفى ومذهبى وعرقى، ويتضمن هذا اسم الدين الشريعة، لتنفيذ المشروع الذى تنتظره أمريكا والكيان الصهيونى باسم الشرق الأوسط الجديد. لقد امتنع قطاع من قواعد حزب النور عن إعطاء أصواتهلحزبه لأن قادته لقنوهم وعلموهم عبر سنوات أن المرأة حرام وعورة، والمسيحى كافر، والديمقراطية بدعة وضلالة، وأنهم أصحاب دعوة لا علاقة لهم بالسياسة، فالسياسة رجس من عمل الشيطان. إن قواعدهم تؤمن بذلك، ولم تستجب لهم مثلما حدث فى استفتاءات وانتخابات ماضية خاصة بالدستور والرئاسة.

لقد عامل السلفيون هذا الشعب على أنه ساذج وينسى ولا يفكر، وأنهم سيضحكون عليه مرة أخرى ويكذبون عليه باسم الدين وباسم الله العظيم. هذا غير بعض المثقفين والقوى السياسية الذين ما زالوا يطلعون علينا بأفكار المصالحة مع من يحرضون على الفتنة والقتل والعنف بزعم عدم الإقصاء. كما نسى كل أصحاب المصالح عظمة هذا الشعب، ومرة أخرى استخدموا نفس الأساليب القديمة فى رشوته بالمال والغذاء والمواد العينية. قالوا «هذا شعب أمىّ جاهل فقير، وطوال عمره نشحنه فى السيارات للتصويت لنا». كما ظنوا أن كل أبناء العائلات سيخرجون للتصويت لهم، وأن كل من ضللوهم بالأفكار المتطرفة والمتشددة سيخرجون أيضاً للتصويت لهم. إن تصدر أصحاب المصالح من جهة وأصحاب الأفكار الظلامية الرجعية المتطرفة من جهة أخرى جعلت الشعب العظيم يفكر ويفكر ويتدبر ويتأمل وينظر لهم بصمته الجليل بعد أن يسمعهم، بل ويسمع الإعلام الذى دخل معظمه فى سعار فرض الوصاية على الشعب تحت زعم توعيته. أدار الشعب المصرى العظيم ظهره لكل هذا، ولقنهم الدرس. من المعروف أن الحد الأقصى الذى شارك به شعبنا المصرى بعد الثورة فى الانتخابات كان يدور حول 50%، ولكن فى المرحلة الأولى من انتخابات المجلس الحالى لم يخرج للتصويت سوى نصف هذا العدد.

كانت رسالة من خرجوا للمشاركة والتصويت: «لن نلدغ من نفس الجحر مرة أخرى على أيدى ثعابين الفساد وثعابين المتاجرين بالدين». ومن لم يخرج كانت رسالته أيضاً بليغة وقوية، تقول للمرشحين: «أنتم لا تعبرون عنا ولن نرضى مرة أخرى بمن قمنا عليهم بثورتين». وكانت الرسالة أيضاً لكل مسئول فى هذا البلد: «أنتم لم تعملوا شيئاً كافياً لتحسين أحوال معيشتنا والتخفيف عن معاناتنا، بل زادت المعاناة على كل المستويات، وزادت الأزمات» وبالرغم من أننى أحترم إرادة هذا الشعب واختياراته، إلا أننى آمل بأن يخرج الناخبون والناخبات فى المرحلة الثانية، إما لإنجاح أفضل المرشحين المدافعين عن مصالح شعبنا، أو لإسقاط أسوأ المرشحين إذا لم يتواجد الأفضل. فلنشارك فى صنع مستقبل هذا الوطن.