رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

البابا.. ومخاطبة الضمير الإنسانى «٢-3»


فى كلمة هى الأولى من نوعها لرأس الكنيسة الكاثوليكية أمام الكونجرس الأمريكى على الإطلاق بناء على دعوة رئيس مجلس النواب الجمهورى جون بينر، تحدث البابا فرنسيس يوم 24 سبتمبر 2015 مخاطباً الضمير الأمريكى خاصة، والضمير الإنسانى العالمى عامة بمجموعة من القيم والمبادئ الإنسانية الراقية من خلال حياة أربعة أشخاص أمريكيين دافعوا عن الحرية والعدالة والمساواة، فعلى الرغم من تعقيدات التاريخ وواقع الضعف البشرى، ومع كل اختلافاتهم ومحدوديتهم

... استطاع هؤلاء الرجال والنساء، من خلال العمل الشاق والتضحية – وبعضهم دفع الثمن من حياته – أن يبنوا مستقبلًا أفضل، وهؤلاء العظماء الأربعة هم: أبراهام لينكولن، ومارتن لوثر كينج، ودوروثى داى وتوماس مرتون، وهؤلاء هم الذين رسموا القيم الأساسية التى ستستمر للأبد فى ذهن الشعب الأمريكى.

وعن إبراهام لينكولن قال البابا فرنسيس: «تحلّ فى هذا العام الذكرى المائة والخمسون لاغتيال الرئيس إبراهام لينكولن، حارس الحرية، الذى عمل بدون كلل كى تحظى هذه الدولة، فى ظل الله، بولادة جديدة للحرية، فبناء مستقبل حرّ يتطلب حبّ الخير العام وتعاونا يعتمد على مبدأ الاحتياط والتضامن». وأضاف البابا: «إننا كلنا قلقون للغاية بشأن الوضع الاجتماعى والسياسى العالمى غير المُطَمْئِن، فعالمنا اليوم أصبح ساحة لصراعٍ عنيف متزايدٍ، وحقد وفظائع وحشية، تُرتَكَب حتى باسم الله والدين، نحن نعلم أنه ما من دين معصوم عن أشكال التضليل الفردى أو التطرف الإيديولوجى، وهذا يعنى أنه ينبغى علينا أن نتنبّه لكل أنواع الأصولية، سواء أكانت دينية أو من أى نوع آخر، يجب إيجاد توازن دقيق يسمح بمحاربة العنف الذى يُرتَكَب باسم الدين أو باسم إيديولوجية معينة أو نظام اقتصادى ما، والمحافظة فى الوقت عينه على الحرّية الدينية، والحرية الفكرية والحريات الفردية». ودعا البابا لحل المشكلات الإنسانية من خلال تقديم الرجاء والشفاء والسلام والعدالة من خلال استجماع الشجاعة والفطنة من أجل حلّ الأزمات الحالية الاقتصادية والجغرافية-السياسية المتعددة، فعلى الرغم من تقدم العالم إلا أن هناك الكثير من الاجراءات الظالمة، هى كلّها واضحة جدًا، لذا قال البابا لسامعيه: ينبغى على جهودنا أن تهدف إلى إعادة السلام، وإصلاح الأخطاء، واحترام الالتزامات، وبهذا، تتحقق وتتعزز رفاهة الأفراد والشعوب، وعلينا أن نتقدّم معاً، فى وحدة حقيقية، وبروح أخويّة وتضامنيّة متجدّدة، متعاونين بسخاء من أجل الخير العام لصالح البشرية، وأن نصمّم على مساندة بعضنا البعض، مع احترام لاختلافاتنا ولقناعات الضمير. وعن أهمية تضامن أتباع الديانات المختلفة قال البابا: «فى هذه الأرض، قد ساهمت مختلف الطوائف الدينية إلى حد كبير فى بناء المجتمع وتعزيزه.فمِنَ المهمّ اليوم، كما فى السابق، أن يبقى صوت الإيمان مسموعًا، لأنه صوت أخوّة ومحبّة، لابد أن يُظهر الإيمان أفضل ما فى كلّ شخص وفى كلّ مجتمع، فالتعاون هذا يشكّلُ مصدرًا قويّاً فى محاربة أنواع العبوديّة العالميّة الجديدة التى ولدت نتيجة ظلم بالغ يمكن التغلب عليه فقط من خلال سياسات جديدة وأشكال جديدة من التوافق الاجتماعي، وإن أى نشاط سياسى يجب أن يكون فى خدمة خير الإنسان وتعزيزه، وأن يقوم على احترام كرامة جميع الأفراد، فهذه الحقائق بديهية، وهى أن البشر خُلِقوا متساوين، وأن خالقهم حباهم بحقوق معينة لا يمكن نكرانها والتصرف بها، وأن من بينها الحقّ فى الحياة، والحرية، والسعى فى سبيل الوصول للسعادة المنشودة، ومن واجب السياسة حقًّا أن تكون فى خدمة الإنسان، وهى تعبير عن حاجتنا الملحّة إلى العيش معًا فى وحدة، بهدف أن نَبنيَ، متّحدين، أعظم خيرٍ عام: خير جماعة تضحّى بالمصالح الخاصة، كى تتشارك، بعدل وسلام، بخيراتها ومصالحها وحياتها الاجتماعية، وختم البابا كلامه عن ابراهام لينكولن حارس الحرية بالقول: «إنى لا أستخفّ بالصعوبات التى ينطوى عليها هذا الطريق، إنما أشجعكم فى هذا الجهد». أما كلامه عن نضال مارتن لوثر كينج من أجل الحصول على حقوق الزنوج فهذا سيكون موضوع مقالنا المقبل.