رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإخوان والأمريكان.. وأدوات النصب


علاقة جماعة الإخوان بالأمريكان من العلاقات الغريبة التى لا يمكن أن تخضع لتحليل سياسى، ولا لتحريم دينى، ولكنها تدخل فى نطاق الطب النفسى، فكما كتبت من قبل عن أن الإخوان أصابوا أنفسهم بمرض الذئبة الحمراء، فإنهم الآن أصيبوا بمرض الشيزوفرنيا

حيث تملك منهم الفصام وآفاته، واستحوذ عليهم انفصام الشخصية، وأصابتهم حالات الانتفاخ التى تصيب مَن أكل أكلة دسمة مثل الثورة مثلا فإذا بها لا تنفخ الأمعاء ولكنها نفخت الأوداج وشرايين الذات فأصبحت جماعة الإخوان ستين عتريس لا عتريسًا واحدًا، وحين دخلت الجماعة العملاقة من أحد أكمام الجاكيت الأمريكانى خرجت من الكم الثانى وهى تقول كنت هاموته .

نقفل الشباك ولا نفتح الشباك، تلك العبارة الشهيرة التى كان يرددها الفنان القدير الراحل أحمد الجزيرى فى مسرحية «القضية» أصبحت واقعا فى الحياة السياسية لجماعة «الحكم قبل الدين أحيانا» وقد اقترن بهذا الواقع ذلك الزواج السرى الذى أدمنته جماعة الإخوان، أما بخصوص زواج المتعة بين الإخوان والمجلس العسكري فكان الوليد هو «رئاسة الجمهورية».

كانت علاقة الإخوان بالأمريكان فى السبعينيات مثل السمن على العسل، ولم تكن هذه الحميمية تقلق السادات أو تقلقل خاطره، فقد كانت تتم بعلمه وتحت رعايته، وقد شهد شارع سوق التوفيقية - مقر الإخوان وقتها- السيناتور الأمريكى الشهير جورج ميشيل وهو يترجل متوجها بصحبة نخبة من السفارة الأمريكية لزيارة الأستاذ عمر التلمسانى - رحمه الله- كان الحوار وقتها يتناول الواقع السياسى الدولى والحرب الباردة بين الأمريكان والروس ورغبة الأمريكان فى مساعدة الإخوان لهم لمكافحة المد الشيوعى، يعرف الأمريكان كيف يضعون «اللقمة» فوق مائدة الجعان الذى يحلم برغيف الخبز الكامل، ولا يعرف الإخوان أن الأمريكان يصنعون للجوعى فى بلادنا أرغفة خبز بلاستيك لا تسمن ولا تغنى من جوع.

وفى عهد أكثر حداثة وفى ظل الرئيس السابق مبارك- والد المصريين كلهم ووالد الإخوان - على حد قول الحاج بديع مرشد الجماعة خرج علينا الإخوانى محسن راضى «رضى الإخوان عنه وأرضوه» من نافذة الجماعة لكى يضع لنا ملامح حوار الإخوان مع الأمريكان، فيقول والكلمات تتقاطر من فمه كما تتقاطر عربات قطار النقل : هم -أى إخواننا الأمريكان- يريدون معرفة موقفنا من المرأة ووضع الاقليات وتداول السلطة والديمقراطية، والموقف بالنسبة للعلاقة مع حماس وإيران واتفاقية كامب ديفيد وكل هذه الأمور التى سبق وأعلن الإخوان رأيهم فيها أى أن اللقاءات والحوارات تحصيل حاصل ثم يستطرد الأخ راضى وهو يزين للأمريكان أطايب الطعام الشهى الذى طبخه الإخوان فيقول: لم يمنع الوضع المزرى للأقلية فى البحرين الولايات المتحدة من جعل أرض هذه الدولة مقراً لأسطولها الخامس !!!! يا صلاة النبى أحسن، أهلا وسهلا بالأمريكان وإن تغاضوا عن حقوق الأقليات طالما إنه وإننا وإنهم بكل أنَّات اللغة العربية فى الإمكان أن نجعل من بلادنا محلا مختارا لأسطولهم .

سنصم الآذان عن كلمات الأخ راضى، وسننظر إلى الناحية الأخرى سنجد أن كفاح اللسان فى عهد مبارك أصبح هو السمة الرئيسية للجماعة حيث إنه هو الكفاح الرخيص الذى ليست له كلفة عالية، لذلك ارتفع الصوت الإخوانى منددا بالسياسة الأمريكية التى ترعى المصالح الصهيونية، ومظاهرات طلابية يستغلون فيها طلابهم السذج الذين تربوا على الثقة فى القيادة، وأعلام أمريكية يتم حرقها تحت الأقدام الإخوانية، ومقاطعة للبضائع الأمريكية، وعويل وصراخ، ولعن الله أمريكا الكافرة الزنديقة .

ولأن اللسان غير الأنف ووظيفتهما تختلف فإنه لا تثريب على أنوف الإخوان إن أدمنت شم التبغ الأمريكى ،فقد ذهبت أنوفهم تعدو صوب دخان السيجار الأمريكى الفاخر الذى يتصاعد من السفارة الأمريكية وهى غير مدركة أن كل دخان سيتبدد ذات يوم، ولكن الأخ محمد عبد القدوس عرف طريق السفارة الأمريكية، يذهب إليها فى الأعياد القومية الأمريكية مهنئا ومصليا «حتى لا يطير الدخان» وكان يصطحب معه الأخ عصام العريان الذى أخذ يرسل رسائل الطمأنة للحكومة الأمريكية وللحكومة الإسرائيلية قائلا فى كلمات ألقاها فى السفارة الأمريكية وفى حوار له مع جريدة الشرق الأوسط منذ خمس سنوات تقريبا العديد من التصريحات قائلا : على الحكومة الإسرائيلية أن تطمئن فسنحافظ على كامب ديفيد، ولأن رسائل الإخوان كانت وردية فقد تعودت السفارة الأمريكية على أن تدعو أعضاء جماعة الإخوان إلى ولائم السفارة من باب «اطعم الفم تستحى العين» ومع الفم الإخوانى الذى يلوك الطعام الأمريكى، كان اللسان الإخوانى المجاهد يصرخ فى المظاهرات والتصريحات البطولية: لعن الله أمريكا وإسرائيل، احرقوا أعلام أمريكا إنهم قوم لا يتطهرون .

بعد الثورة وقبل أن يصبح «الحكم قبل الدين أحيانا» لم يعد هناك أى مبرر إخوانى لإثارة مظاهرات ضد أمريكا الصهيونية، فقد كان هذا الكلام أيام الجهاد الرخيص، أما الآن فنحن أمام الجهاد الأكبر، جهاد السعى نحو أريكة الحكم، وبالتالى لم يعد هناك ما يستحق الإخفاء، أو الخفاء، أو التنديد والتهديد.

ويأتى وليم بيرنز الصهيونى مساعد هيلارى كلينتون ويجلس مع قيادات الإخوان فى جلسة سرية حيث لم يتح لأحد أن يعرف ما الذى دار فيها، اللهم إلا من الخارجية الأمريكية التى أصدرت بيانا قالت فيه : حصلت على تطمينات من الإخوان فى حال وصولهم للحكم.

وجاءت لحظات التمكين، وهى لحظات لو تعلمون مقدسة، ولحظات التمكين يسبقها فى العرف الإنسانى حالة غرور إنسانى، والغرور يعمى البصر ويطمس على البصائر، بدأت الاتصالات والاتفاقات، والوعود والتعهدات، ثم أخذ الفصل الثانى من حلقة الضغوط يعلن عن نفسه، فأمريكا التى قتلت وأبادت وارتكبت أكبر وأفظع جرائم إبادة فى تاريخ البشرية، أمريكا التى لا تبحث إلا على حرية إسرائيل، وديمقراطية نفسها، إذا بها تصبح راعية للديمقراطية والحرية فى مصر، خرجت كلينتون تطالب الإدارة المصرية قبل إعلان النتيجة رسميا بضرورة أن تعلن النتيجة وفقا للكشوف التى تسلمتها جماعة الإخوان من رؤساء اللجان العامة، أى طالبت أن تعلن اللجنة الرئيسية للانتخابات بإعلان فوز الدكتور محمد مرسى، بغض النظر عن الطعون التى كانت تنظرها اللجنة !! وعلى نفس السياق خرج الرئيس الأمريكى أوباما موجها نفس الطلب للمجلس العسكرى، ومع هذه المطالبات التى يعرف أهل السياسة ما وراءها، كانت لقاءات الإخوان المتعددة مع المشير طنطاوى، فقد التقى به خيرت الشاطر ودار فى اللقاء ما خفى عنا، وأصبح من بعدها محمد مرسى رئيسا للجمهورية ولكن للأسف فاته أن يرسل لأمريكا خطاب حب حميمى كالذى أرسله لحبيبه بيريز، رحم الله إخوان المبادئ ومبادئ الإخوان، فالميت لا تجوز عليه إلا الرحمة