رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فلاحو مصر لـ«الزراعة»: طفح الكيل «٢»


... وعلى جانب آخر وفى تصريح متناقض اتهم الوزير سياسات السوق الحرة بأنها السبب، وأن الوزارة تقوم بتخفيف العبء عن الفلاح بتوفير التقاوى ومكافحة الآفات وخدمات الحرث تحت سطح التربة والتسوية بالليزر. والشىء اللافت فى هذا التصريح الأخير أنه إذا كانت سياسات السوق الحرة السبب فى انهيار أسعار القطن وخراب بيوت الفلاحين أليس الوزير هو من يقوم بتطبيق تلك السياسات؟، وهل نطالب بعد هذا التصريح بتعديل السياسات التى تؤدى لإهدار ثرواتنا وخراب بيوت الفلاحين وإلى من نتوجه بهذه المطالبة؟ كما أفادت بعض المصادر بوزارة الزراعة أن إضراب الفلاحين عن زراعة القطن العام المقبل سيؤثر سلباً على صناعة الغزل والنسيج وذلك بإغلاق عدد كبير من المصانع وتشريد عشرات الآلاف من العمال واتهمت أصحاب مصانع الغزل والنسيج بالمسئولية لممارساتهم ضغوطاً على الحكومة لشراء القطن من الفلاحين بهذا السعر البخس، وأكدوا أن بورصة القطن ستعجز عن الوفاء بعقود التصدير العام المقبل إذا أحجم الفلاحون عن زراعة القطن. ولأن القطن من المحاصيل التى تقوم عليها عدة صناعات، فقد كان لزامًا أن يهتز قطاع صناعة الغزل والنسيج فى مصر لاعتماده على القطن المحلى، الذى انخفض استهلاكه إلى 16.8% فقط عام 2010، وذلك لزيادة استيراد الغزول والأقطان من الخارج، والتى أدت إلى انخفاض مستوى المنسوجات المصرية وضعف الإقبال عليها، إضافة إلى ارتفاع أسعاره مقارنة بالمستورد منه، نتيجة انخفاض إنتاجية الفدان وارتفاع تكاليف إنتاجه، وتحكم التجار فى تسويق المحصول. إن المشكلة بدأت مع تحرير تجارة القطن عام 1994، الأمر الذى أدى إلى ارتفاع أسعار المدخل الرئيسى لصناعة الغزل والنسيج بما يفوق قدرة المغازل المحلية، ولذلك تم استبداله بالأقطان المستوردة الرخيصة لاستيفاء الطلب المحلى، حتى انخفضت نسبة استهلاك القطن المصرى إلى 15% فقط من الاحتياجات الكلية من الصناعة الوطنية، بعد أن كانت الصناعة تعتمد على القطن المصرى كليًا، حتى وصلت كمية الاستهلاك إلى 5.4 مليون قنطار شعر من القطن المصرى عام 94. إن مشاكل الصناعة عادت بتأثيرها السلبى على الزراعة، فتناقصت المساحة وقل الناتج الكلى من محصول القطن حتى وصل إلى أدنى مستوى له موسم 2009 – 2010، حيث بلغ الناتج 1.9 مليون قنطار شعر، بعد أن كان 6.3 مليون قنطار فى عام 2001، وأنه لابد من اتخاذ بعض الإجراءات للنهوض بزراعة الأقطان، كإنشاء هيئة سيادية تضم كل القطاعات العاملة بالقطن من الزراعة والتجارة والصناعة، للتنسيق بينها كافة وتكون من مهامها مراجعة التشريعات والقوانين المنظمة لزراعة وتجارة وتصنيع القطن، وبحث السبل المثلى لتسويق القطن المصرى، بالإضافة إلى تحديد سعر الضمان طبقاً لآليات السوق، وإنشاء صندوق لموازنة أسعار القطن، ودعم مزارعى القطن فى صورة توفير مستلزمات الإنتاج بأسعار مناسبة، توفر هامش ربح يرضى الفلاح مع مراعاة توفيرها فى الوقت المناسب. إن القطن المصرى يمثل مصدر الدخل النقدى لأكثر من نصف مليون أسرة، فهو أحد المحاصيل التصنيعية التصديرية المهمة، فمن الناحية التصنيعية تقوم عليه صناعة الغزل والنسيج والملابس الجاهزة التى يعمل بها نحو نصف مليون عامل آخر، وتمثل هذه الصناعة النشاط الصناعى الأساسى فى البلاد من ناحية عدد العاملين. أما من الناحية التصديرية، فقد كان القطن المحصول التصديرى الأول، لما اشتهر به فى الأسواق الخارجية بصفاته المتميزة من حيث طول التيلة والمتانة والنعومة والتجانس، ورغم جهود الباحثين من أجل النهوض بإنتاجية القطن مجددًا، عن طريق استنباط أصناف جديدة متميزة فى الصفات التكنولوجية، ذات قدرة إنتاجية عالية، إلا أن دور القطن المصرى فى الدخل القومى تراجع فى الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، نتيجة تراجع صادراته، إضافة إلى اعتماد مصانع الغزل فى مصر على الأقطان المستوردة لتدنى أسعارها مقارنة بأسعار الأقطان والغزول المصرية، لأن الدول الأخرى المنتجة للقطن تدعم مزارعيه بمليارات الجنيهات، لحرصهم الشديد على تواجدهم ومنافستهم بقوة للقطن المصرى.