رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى أنشودة السلام


السلام.. الأمر الذى بحث عنه الإنسان منذ قديم الزمان. بحث عن السلام مع خالقه، والسلام مع نفسه، والسلام مع الآخرين. ودون السلام الحقيقى يفقد الإنسان لذة الحياة الهادئة بعيداً عن المنغصات!!

فى ميلاد السيد المسيح كانت الأنشودة الخالدة التى رددتها ملائكة السماء لجماعة الرعاة: «المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة» كما وردت فى أنجيل القديس لوقا الأصحاح الثانى. وكانت هذه اللحظة أول مرة يُسمع فيها كلمة «سلام». وعلى مدى واحد وعشرين قرناً فقد الإنسان السلام وأخذ يتقاتل مع جاره وحتى مع نفسه، وأصيب الإنسان بأمراض نفسية متعددة جعلته يفقد متعة الحياة.

بحث الإنسان عن السلام بطرق مختلفة، لكنها كانت جميعها مياهاً مالحة لا تروى ظمأ الإنسان. بحث الإنسان عن السلام خارجه لكن السلام الحقيقى موجود بداخله. ومن هنا فقد السلام مع أخيه ومع قريبه ومع جاره، فشاهدنا عمليات القتل والترويع بل والأشد من ذلك هو التحريض على العداوة والبغضاء فى منهج التكفير الغريب الذى نسمع عنه حالياً!! لكن سخر الله لنا مجموعة نقية من أصحاب الفكر المستنير والنفوس الهادئة والقلوب المُحبة لتذكرنا بالسلام الذى فقدناه، ومنهم أديب وشاعر مصر الراحل نقولا يوسف «1906 – 1976» من أبناء مدينة دمياط ، أكثر إنتاجه من الشعر المنثور، يأتى فى دفقات شعورية، تتسم بشفافية وإحساس عاليين، يقترب به إلى درجة من التأمل والنظر تعكس اتساع ثقافته وتعدد روافدها، فتمزج بين الفلسفة والشعر، وتراوح بين الأدب الشرقى والغربي، وبعض قصائده تتحول إلى خواطر وأفكار غير مكتملة، كما أن بعضها يظهر محاولات التزام الوزن والقافية وهو قليل، غير أنه يستعيض عن ذلك بموسيقى داخلية مصدرها رهافة الإحساس. فنجده فى قصيدة ترنيمة السلام يقول:

«1» هلمّ أُخَيَّ نحبُّ السلامْ، لهيب الضغينة موتٌ زؤام، وقلب العداوة محشو سمام، ونفس السخيمة تشكو الآلام، هلمّ نهيم بعشق السلام.. «2» شقيقى! صديقى! لماذا الخصام؟ وقلب الحياة يحب الوئام! لماذا الجفاء وحب الخصام؟ نفوس العداوة مثل الرغام.. «3» هلم نحبّ جمال السلام، هلمّ فإنّ الصفاء دعام، تعال فإنّ السلام قوام، هلمّ نناجى جمال السلام، إلهك ليس إله انتقام.. «4» تحب التنافر مثل الطغام! وتهوَى الصدام وقذف السهام! تحب الحروب وضرب الحسام! تحب الجموح بغير اللجام! تمجّ التصافى وتهوَى الزحام! لديك لنهل الدماء أوام!

«5» إليك أُخيَّ صفاءَ الهوام! إليك أُخى إخاء السوام! رتعْنَ بحبٍّ يفوق الغرام! رعَيْن بودّ أزال العرام! وعشْنَ بصفوٍ وعشق السلام!.. «6» لماذا تنوء بعبء الظلام؟ وترضى وتهوَى حياة السقام! وترضى وتهوى فعال اللئام! تعيش وقلبك ذاكى الضرام!.. «7» هلمّ ننادى بحبّ السلام، قريبًا أُخيَّ نلاقى الحِمام، هناك هناك بوادى الأكام، أتنظر لـحْدًا بدار الرِّجام؟ هناك صديقى ينام الأنام، هناك أُخى مقر السلام.. «8» هلم نسبِّح باسم السلام، فطوبى لقلب يحبّ السلام.

أستاذ بكلية الهندسة ــ جامعة الإسكندرية