رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عن ظاهرة التحرش


التحرش بالسيدات والفتيات تحول من سلوك فردى إلى ما يبدو وكأنه ظاهرة اجتماعية، وأقول كأنه لأننى واثقة أنه سلوك رغم جماعيته فإنه حالة عابرة،لايمكن فهمها ببساطة بسبب تعقد الصورة كما أراها، ومثل كل الظواهر التى تبدو شائعة تتعدد أسبابها وتتشابك بحيث يؤدى بعضها إلى بعض، أول هذه الأسباب أنه أحد تجليات البلطجة التى تسود هذه الأيام، وهى بلطجة أبطالها من الشباب العاطلين عن العمل، أو بعض طلاب الجامعات والمدارس فى إجازاتهم التى لا يعرفون ماذا يصنعون فيها ولا يدرون كيفية استثمارها، وقد استنفدوا بعض طاقتهم فى مشاهدة التليفزيون والسباحة فى بحور «النت»..وهنا أرجح أن هناك من يستثمر بطالتهم ويحثهم على أعمال البلطجة ومن بينها التحرش بالنساء والفتيات خصوصاً فى فترات الأعياد المزدحمة، ومصلحة من يستثمر حالة البطالة هذه واضحة وهى القضاء على أعلى نسبة ممكنة من طاقة الشعب المصرى المتمثلة فى إناثه بإجبارهن على عدم الخروج من بيوتهن، إما طواعية أو بإجبار الأهل أو الأزواج لهن، بحجة حقيقية وواقعية هى الخوف عليهن من أخطار التحرش، ولا أشك لحظة أن هناك قوى محلية ذات ارتباطات خليجية ومخابراتية تناضل لتطبيق القواعد السارية نفسها على نساء إحدى الدول العربية فى مصر حتى لا تبدو هذه الدولة منفردة بهذا العار، كما لا أشك فى أن الغالبية العظمى من عمل من يسمون بالدعاة موجه نحو المرأة وضدها، حتى وصل العبث بعقول الناس إلى حد المبالغة باعتبار كشف وجه المرأة مثل كشف عورتها . تصورات تقشعر منها الفرائص والأبدان، ولعل من أهم الأسباب عدم قدرة الشباب على الزواج لأسباب اقتصادية نعرفها جميعا فلم يبق أمامهم سوى مواجهة معاناة الكبت الحسى، فينطلقون للترويح عن أنفسهم بالتحكك بالسيدات فى المواصلات العامة والشوارع، ولعلنا سمعنا عن اقتحام هؤلاء للعربات المخصصة للنساء فى المترو، أيضا يمكن طرح سوء التربية سواء فى البيت أو المدرسة كسبب وجيه لضرب خلق الشهامة والرجولة فى مقتل، كما أن انشغال هؤلاء الشباب بالتحرش وتحويله إلى مغامرة يفخرون بحكاية تفاصيلها لبعضهم البعض فتنتشر هكذا العدوى بينهم فى غيبة للقيم وحسم القانون وعدم وجود من يردعهم عن ذلك، مما يبعدهم عن الاشتغال بالسياسة والتسبب فى مشاكل تؤدى إلى خلل النظام المجتمعى ككل، أعنى أن غيبة القانون هنا لها مغزى سياسى واضح، بينما إحجام الناس عن منعهم لها مغزى ثقافى واضح أيضا وبالغ السوء يتجلى فى أقوال بعض الدعاة وكثير من أشياعهم، إن المرأة مسئولة عن التحرش بها فلو بقيت فى بيتها لما حدث لها ذلك، ولو «تنقبت» لتجنبته وهذا مشكوك فيه فإن التحرش لا يفرِّق» «فالنقاب أصبح مؤخرًا سلاحًا يتستر وراءه بعض الرجال المنفذين للمخططات الإرهابية .. لذا يريدون شيوعه»، وهذه محض هرتلة ظالمة إذ تجعل الضحية مسئولة عن الاعتداء عليها، هناك أسباب نفسية كثيرة للتحرش منها ثقافتنا التى تضع فى روع الشاب أن الذكورة والفحولة تتحقق فى القدرة على العدوان على الأنثى بجانب وفرة من الأمراض النفسية التى حدثنى عنها كثير من الأطباء فى المستشفيات الجامعية.

أيها المصريون لا تنزعجوا من هذه الظاهرة فهى جزء من منظومة من الأمراض الاجتماعية التى تجتاح المجتمع المصرى الذى تكتظ به المساحة المحدودة التى اخترنا أن نعيش عليها تاركين بقية الوطن خاليًا، مما جعل المجال الحيوى الذى يتحرك كل مصرى فيه خانقا بل قاتلًا ومدمرًا للجهاز العصبى، وخلل الجهاز العصبى ربما يمثل سببا أكبر للتحرش والبلطجة والعنف، علينا أن نحاول قراءة مجتمعنا لإصلاح إعوجاجه، وعلى منظمات المجتمع المدنى والجمعيات القائمة على حماية المرأة وحقوقها كما نص عليها دستور الدولة أن تقوم بدورها التوعوى المنوط بها لتحجيم هذه الظاهرة توطئة للقضاء عليها نهائيًا وتخلص مجتمعنا منها بطرح الحلول المنبثقة عن دراساتهم الميدانية لهذه الظاهرة العابرة التى نتمنى انحسارها التام.

أستاذ الدراسات اللغوية- أكاديمية الفنون