رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اتفاق العيد مع إيران لا يغير كثيرًا


قبل حلول عيد الفطر المبارك هذا العام حدث تطور فى الموقف فيما يسمى الشرق الأوسط، مما تحدثه إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما التى تقوم بتغيير مهم فى السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة فى مجالين استمرا فترة طويلة من العداء مما كان قد اعتبر من ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية، وهى العلاقة مع كل من كوبا وإيران.

ومن الواضح أن الرئيس الأمريكى مصمم على أن يترك بصمته على السياسة الخارجية الأمريكية قبل مغادرته البيت الأبيض، لكن هذه البصمة لا تقتصر على السياسة الخارجية الأمريكية، إذ إنها فى الحقيقة تنطبع أيضا على منطقتى النزاع : الشرق

الأوسط والوطن العربى، وأمريكا اللاتينية بالنسبة لكوبا.

تراقب دول العالم العربى تطور العلاقة الأمريكية مع إيران باهتمام بالغ، وكانت هناك أطراف عربية تود ألا يوقع الاتفاق، بل يمكن القول إن دولا عربية تعتبر الاتفاق موجها ضدها، والغريب أنها فى ذلك تشابه الموقف الإسرائيلى من الاتفاق، وربما الأغرب أن هذه الدول العربية تخشى من أن يؤدى الاتفاق إلى حصول إيران على سلاح نووى يهدد أمنها، وهو مايعنى فى رأيى أن هذه الدول لا تدرك حقيقة الأوضاع الدولية وموازين القوى الحقيقية، فالمتتبع للسياسة العالمية يدرك أن الأسلحة النووية لم تعد صالحة للاستعمال بعد استخدامها الأول ضد اليابان فى نهاية الحرب العالمية الثانية ضد كل من مدينتى هيروشيما وناجازاكى، وأن امتلاك دول للأسلحة النووية لم يمنع قوى أصغر وأضعف منها من تحديها، هذا فضلا عن أن امتلاك الدول الكبرى للسلاح النووى منع القتال بينهم بدلا من أن يؤدى إلى تقاتلهم وبالتالى فنائهم.

لا شك أن أهم ما تضمنه الاتفاق مع إيران هو العمل على حرمان إيران من امتلاك الأسلحة النووية ولمدة طويلة على الأقل إن لم يكن إلى الأبد، وبالتالى فإن تخوف دول عربية من أن يؤدى إلى امتلاكها اسلحة نووية فتاكة غير مبنى على أساس سوى تصور أن إيران تستطيع أن تخدع العالم وتمتلك سلاحا نوويا لكى تهدد به الغير، وهو ما يتعارض مع نصوص وروح الاتفاق، ولكن دعونا نتساءل عما تخاف منه هذه الدول فى حال حدوثه، فالمؤكد أن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية منذ أكثر من أربعين سنة وبالرغم من ذلك فإن إسرائيل لم تهدد صراحة باستخدامها ضد دولة عربية أو أكثر. ورغم إدراكي

أن هناك اختلافا بين التعامل مع إسرائيل عنه مع إيران، فإن هذا لا يغير شيئا بالنسبة لاستخدام الأسلحة النووية. هنا أتساءل: هل من المعقول أن تخشى دول عربية من امتلاك إيران للأسلحة النووية ولا تخشى من امتلاك إسرائيل لهذه الأسلحة؟

دعونى أفترض أن إيران امتلكت سلاحا نوويا وأنها تهدد باستخدامه ضد دولة عربية، هل ستتغاضى الدول النووية الأخرى عن التهديد، أليس من المتوقع أن تهدد الدول الأخرى إيران بعشرات القنابل نووية فى مقابل قنبلة نووية واحدة، وهل ستخاطر إيران بالاستمرار فى التهديد؟ لا أظن أن مسئولا فى إيران مستعد لمثل هذه المخاطرة.

بالرغم مما سبق فإن الاتفاق يحرم إيران من إمكان إنتاج أسلحة نووية لما يزيد على عشر سنوات بتخفيض تخصيب اليورانيوم بدرجة كبيرة، فالمعروف أن إنتاج السلاح النووى يعتمد على استخدام اليورانيوم 235 وهو ما يمكن الحصول عليه بتخصيب اليورانيوم الخام، وهو ما تحصل عليه إيران عن طريق التخصيب بأجهزة الطرد المركزى، وهنا فإن سماح إيران للوكالة الدولية للطاقة الذرية بتفتيش جميع الأماكن فيها بما اماكن تمركز قواتها المسلحة يشكل ضمانا بعدم حصول إيران على المادة الرئيسية اللازمة لإنتاج الأسلحة النووية.

إن ما سبق يوحى فى الحقيقة بأن إيران قد اشترت هذا الاتفاق بأى ثمن وأنها قبلت ما لم تكن تقبل به من أجل الوصول لاتفاق، وأن الاتفاق يمنح إيران فرصة للتركيز على التنمية ويخلصها من العقوبات المفروضة عليها، ويشير إلى أن العقوبات قد أثرت فى إيران بدرجة جعلتها تقبل بما لم تكن تقبل به من قبل، وإننا ننتظر فى المستقبل القريب أن تنصاع إيران لتهديدات الدول النووية والصناعية أملا فى أن تتمكن من تنمية قدراتها الاقتصادية، وحينئذ سيكون الحديث مختلفا.

الغريب أن الدول العربية تهتم بالاتفاق النووى الأمريكى الإيرانى ولا تدرك سر الخوف، فالواقع أن مشكلتنا لا تتلخص فى قوة أعدائنا، ولكنها ترجع أساسا إلى ضعفنا، بل تقاتلنا حيث يدمر بعضنا بعضا، أى أن أعداءنا لا يحتاجون إلا إلى الانتظار حتى نتم تدمير أنفسنا ذاتيا، وبدون الاتفاق الأمريكى الإيرانى.