رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«الحلقة السادسة» من كتاب الزميل حمادة إمام «مخابرات الجماعة.. إخوان وجواسيس»

الإخوان سيطروا على السعودية والأردن بعد هروبهم من مصر عام ١٩٥٤

جريدة الدستور

ساعدوا الملك حسين فى إسقاط حكومة النابلسى القومية فى الأردن وأنشأوا رابطة العالم الإسلامى فى مكة.

الأمريكان والإنجليز لم يجدوا سوى الإخوان للتخريب فى سوريا وإيقاف المد القومى.

«الجماعة» ساعدت فيصل فى انقلابه على أخيه سعود لصالح «الأمريكان».

السعودية أشرفت على تأسيس المركز الإسلامى فى جنيف بقيادة سعيد رمضان وعلى تمركز الإخوان فى ألمانيا.

فى الحلقة السادسة يستعرض الزميل حمادة إمام فى كتابه القيم «مخابرات الجماعة.. إخوان وجواسيس» استمرارية الدور التخريبى العميل للإخوان خلال حقبة الخمسينيات وانتقال دورهم المشبوه لصالح المخابرات البريطانية والأمريكية إلى منطقة المشرق العربى بعد هروبهم من مصر إثر الضربة القاضية التى وجهها لهم الزعيم جمال عبد الناصر فى مارس ١٩٥٤، حيث انتقل نشاط الإخوان إلى السعودية والأردن وتمركز فى البلدين ثم بدأ يتسلل إلى سوريا لمواصلة التخريب هناك ولمواجهة المد القومى التحررى الصاعد من مصر واتجاه المنطقة العربية نحو الوحدة والاشتراكية.

وبالفعل لعبوا دوراً مهماً كما يوضح الكتاب فى إسقاط حكومة سليمان النابلسى بالأردن وأنشأوا رابطة العالم الإسلامى فى مكة عام ١٩٦٢ وقاموا بانقلاب على الملك سعود لحساب أخيه فيصل، وفى هذه الفترة بدأ ظهور عدد من الكوادر الشباب آنذاك مثل سعيد رمضان وعبدالله عزام عبدالأعلى المودودى وغيرهم.

فى أكتوبر ١٩٥٦ اعتقلت السلطات السورية بعض المتآمرين الرئيسيين لكن سرعان ما استؤنف التآمر البريطانى على سوريا مع الأمريكيين بعد الغزو الفاشل لمصر، فبحلول شهر سبتمبر ١٩٥٧ تداول اجتماع الفريق، عمل سرى عقد فى واشنطن، تقريراً بعنوان «الخطة الأثيرة» وتعززت أهمية هذا التخطيط عندما وقعت الحكومة السورية اتفاقية للمعونة الفنية مع الاتحاد السوفييتى وعينت شخصية موالية للشيوعيين رئيساً للأركان.ورغم الشكوك فى الإخوان المسلمين فقد انطوت هذه الخطة الجديدة مرة ثانية على استمالتهم وتحريضهم فى دمشق، وكان انخراط الإخوان أمراً أساسياً فى إثار انتفاضة داخلية كمقدمة للإطاحة بالحكومة السورية واستهدفت المؤامرة التى لقيت مساندة من أعلى المستويات فى لندن تسليح «شيع سياسية لها قدرات عسكرية ويغر ذلك من أنواع العمل النشيط» وهو ما يرجح أن يشمل الإخوان المسلمين.

قدم الإخوان المسلمين أنفسهم للإنجليز كقوة يمكن الاعتماد عليها فى مواجهة المد القومى وهذه المرة كانت «عمان» العاصمة الأردنية هى المسرح الذى قرر الإخوان عرض إمكانياتهم.

ففى أبريل ١٩٥٧ نشب صدام وجهاً لوجه بين الملك حسين البالغ من العمر اثنين وعشرين عاماً، وكان هو عماد النفوذ الغربى فى المنطقة منذ اغتيال أبيه عبدالله، وبين الحكومة الاشتراكية الموالية لعبدالناصر برئاسة سليمان النابلسى التى كانت قد انتخبت بصورة حرة فى شهر أكتوبر السابق، وكانت خطة النابلسى هى أن يصف الأردن إلى جانب سوريا ومصر، ومن ثم يحطم تبعية الأردن للغرب قديمة العهد، ورداً على ذلك انخرطت وكالة المخابرات المركزية فى بذر الشقاق بين النابلسى وحسين وتشويه صورة النابلسى وعبدالناصر بغية توفير ذريعة لحسين للعمل ضد رئيس وزرائه.

وفى شهر أبريل أقال الملك الحكومة وعين حكومة دمية تحت سيطرته، حاظراً كل الأحزاب السياسية ومطبقاً لقانون الأحكام العرفية. وقد أيدت انقلاب القصر هذا تلك التوليفة من القوى الرجعية التى كانت مألوفة حينذاك فى المنطقة السعودية وبريطانيا وأمريكا ــ والإخوان المسلمون وساعدت وكالة المخابرات المركزية حسين فى تخطيط انقلابه وبدأت فى أعقاب ذلك تمويله، وأرسل الزعيمان السعوديان فيصل وسعود قوة قوامها ٦ آلاف جندى لمساندة الملك وجرى نشرها فى وادى الأردن ومنطقة العقبة ووعدا حسين بتأييد غير مشروط، وأورد تشارلس جونستون - السفير البريطانى فى عمان - أن الإخوان المسلمين فى الأردن «لازالوا على ولائهم لجلاته» ورغم اعتبار كل الأحزاب السياسية غير قانونية، سمح حسين للإخوان المسلمين بمواصلة عملهم، ظاهرياً بسبب رسالتهم الدينية، لكن ذلك كان فى واقع الأمر بسبب أن الملك وحلفاءه اعتبروهم أكفاء ثقل موازين لليساريين العلمانيين، وناشد دعاة الإخوان أتباعهم مساعدة السلطات فى البحث عن مؤيدى الحكومة من الشيوعيين والقبض عليهم، فى حين يعتق دزن حسين زود الإخوان فى أريحا بالأسلحة للمساعدة فى إرهاب المعارضة اليسارية وقد كتب جونسون فيما بعد «إن الإخوان المسلمين كانوا موفدين للملك حسين فى أبريل باعتبارهم يمثلون منظمة» الذراع القوية التى يمكن عند الاقتضاء إطلاقها على متطرفى الجناح اليسارى فى الشوارع.

وقدمت بريطانيا الدعم للحكومة الجديدة التى عينها حسين لكنها لم تكن تراودها أى أوهام بشأن طبيعتها.

لندن ١٩٥٧
فى عام ١٩٥٧ أرسل تشارلس جونستون - السفير البريطانى بالأردن - فى ذلك الوقت، تقريراً لوزير خارجيته لسلوين للويد أن النظام «قمعى على نحو لا لبيس فيه» وأنه يشبه كثيراً نظام فرانكو فى إسبانيا ويستند للقضاة والمفتين بدلاً من الكرادلة والأساقفة. بيد أن الأمر الحاسم هو أنه اتفق «أن النظام الأردنى موالٍ للبريطانيين».

وأرى أن مصالحنا تتحقق على نحو أفضل بواسطة نظام استبدادى يحافظ على الاستقرار والارتباط بالغرب بأكثر مما تحققه ديمقراطية طليقة العنان تندفع منحدرة إلى الشيوعية والفوضى، وهناك أيضاً ما يتعين ذكره لصالح نظام قمعى صراحة مثل ذلك القائم حالياً فى الأردن، مقارنة بالنفاق البغيض الذى تمثله «الانتخابات البرلمانية للعقيد عبد الناصر».

وفى أوائل ١٩٥٧، كان أنطونى إيدن يدرك أنه «إذا سحبت حكومة صاحبة الجلالة تأييدها فإن المسألة تصبح مسألة وقت فقط قبل أن تتداعى مملكة الأردن».

كان الحل الذى اهتدى إليه صناع القرار فى الغرب لوقف التهديد المصرى للأمريكان وآل سعود هو غزوها من الداخل وهو ما يعرف باسم «الفتنة المسلحة» والتى تقوم فلسفتها على أساس قيام أقلية ذات عقيدة سياسية مضادة لنظام الحكم بمحاولة قلب النظام لفرض عقيدتها باستخدام العنف وفقاً للتعريف الغربى لمفهوم الفتنة المسلحة فإن تطبيقها يتطلب أن يكون دعاة الفتنة أقلية لأنهم لو كانوا أكثرية لتحولت إلى الثورة الشعبية ولابد وأن تكون عقيدتها مضادة للنظام الحاكم وأن يكون هدفها هو الوصول إلى الحكم لفرض عقيدتها على الأغلبية وهى فى سبيلها إلى هذا لابد وأن تستخدم أسلوب العنف ولم يجد الأمريكان وآل سعود صعوبة فى البحث لإيجاد أقلية فى مصر للقيام بالفتنة المسلحة «حرب العصابات» فقد كان الإخوان المسلمين هم النموذج الأمثل لتطبيقها وتتوافر فيهم جميع الشروط والأوصاف فبينهم وبين عبدالناصر ميراث عداء وعقيدتهم مخالفة لعقيدة النظام الحاكم وقدرتهم على نهج أسلوب العنف لهم فيها تجارب سابقة.
ويجمعهم فى النهاية وآل سعود رباط بيولوجى واحد وعلى الفور بدأت عملية تجهيز الإخوان لتنفيذ المخطط الذى وضعه الأمريكان والذى كان يقوم على استراتيجية موحدة ذات محورين متوازيين متلازمين.

الأول: زعزعة الثقة بالسلطة عن طريق تضخيم الأخطاء والانحرافات والمشاكل وعزوها إلى طبيعة النظام وتشويه صورة الحاكم وإظهاره بمظهر الخائن للأهداف القومية لنزع ولاء الشعب له.

والمحور الثانى: كان يقوم على نشر أيدولوجية الإخوان من جديد وتناول المشكلات التى تهم قطاعاً عريضاً من المواطنين وتقديم حل لها على ضوء مبادئ الإخوان المسلمين وكان المحوران يهدفان فى النهاية قبل بدء العمل المسلح إلى تجميع أكبر عدد من المؤيدين لفكر الإخوان المسلمين.

وكانت الظروف التى مروا بها فى الداخل أحد العوامل الرئيسية التى جعلتهم يقبلون القيام بأى أعمال عدائية ضد عبد الناصر.

فبعد حادث المنشية ألقت حكومة الثورة القبض على العديد من العناصر الإخوانية وقدم منهم العديد للمحاكمات وصدر ضدهم أحكام بالإعدام والأشغال الشاقة، وكان من بين الذين صدر ضدهم أحكام بالأشغال الشاقة الأديب «سيد قطب» الذى انضم إلى الإخوان فى نهاية الأربعينيات وقد صدر ضده حكم بالحبس لمدة ١٥ عاماً ونظراً لمكانته الأدبية قررت الثورة إيداعه فى أحد المستشفيات لقضاء العقوبة به بدلاً من السجن وداخل المستشفى وبعيداً عن السجن بأشكاله المختلفة بدأ سيد قطب يتفرغ للقراءة والكتابة حتى انتهى من تأليف دستور العنف «معالم فى الطريق» الذى أصبح مرجعاً لكل حركات التطرف فى الداخل والخارج.

مكة ١٩٦٢
فى ١٩٦٢ أقام السعوديون رابطة العالم الإسلامى التى تديرها المؤسسة الدينية السعودية وذلك كنتاج للمؤتمر الإسلامى الدولى الذى عُقد فى مكة فى نفس العام تحت رعاية ولى العهد السعودى الأمير فيصل وبدأت المنظمة الجديدة نشاطها بإرسال مبعوثين ودعاية مطبوعة وتمول بناء المساجد والجمعيات الإسلامية فى شتى أنحاء الأرض.

وكان كثيرون من أوائل من عينوا مستخدمين فيها من الإخوان المسلمين الذين كانوا قد وجدوا لهم ملاذاً فى السعودية بعد أن طردهم من مصر عبدالناصر فى الخمسينيات. وشمل أعضاء الرابطة المؤسسون مفتى القدس الأكبر، الحاج أمين الحسينى وسعيد رمضان المنظم الرئيسى لتنظيم الإخوان المسلمين الدولى الذى كتب دستور الرابطة، وعبد الأعلى المودودى- مؤسس الجماعة الإسلامية الباكستانية - وورد فى الإعلان الأول للرابطة: «إن الذين يشوهون دعوة الإسلام تحت ستار القومية هم أشد الأعداء ضراوة بالنسبة للعرب الذين تتضافر أمجادهم مع أمجاد الإسلام».

وتوهم فصل الذى تولى الملك فى السعودية فى ١٩٦٤، أنه ملك الإسلام، وعند توليه السلطة رسمياً خاطب الأمة بعبارات جاء فيها: «إن الأمر الأول الذى نريده منكم هو تقوى الله، والتشبث بتعاليم دينه وأحكام شريعته، حيث إن هذا هو أساس عظمتنا، إنه العامل الأساسى.. لحكمنا وسر قوتنا»، وأعلن فيصل أن هدف السياسة الخارجية هو «التحرك جنباً إلى جنب مع الأمم الإسلامية فى كل أمر قد يحقق للمسلمين عظمتهم ويعلى من شأنهم ومستواهم».

ولعبت دوراً مهمًا فى انقلاب القصر الذى أوصل فيصل إلى السلطة والذى أطاح شقيقه الأكبر الملك «سعود» الذى شغل العرش منذ ١٩٥٣، فبحلول ١٩٥٨ كان فيصل قد سيطر على إدارة الحكومة، ومع مجىء ١٩٦٣ استخدم هذا الموقع ليصبح القوة المهيمنة بين الاثنين، وفى ديسمبر من ذلك العام أمر سعود بنشر قوات ومدافع خارج قصره فى الرياض ليعيد تأكيد سلطته، واستمر التعادل المحتقن مع القوات الموالية لفيصل حتى ١٩٦٤، عندما طالب سعود فيصل بأن يقيل اثنين من وزرائه ويحل محلهما اثنين من أبناء الملك، وقدم الحرس الوطنى دعماً حاسماً لفيصل، وهو التشكيل الذى بلغ قوامه ٢٠ ألف جندى والمسئول عن حماية النظام والأسرة المالكة - وكان فى الأصل يسمى «الجيش الأبيض» أو الإخوان، وكان قد فتح الجزيرة العربية بصورة دموية لصالح ابن سعود، كان الأمير عبد الله هو قائد الحرس الوطنى آنذاك، وهو الملك الحالى للسعودية، وكان هذا الحرس يتم تدريبه على أيدى بعثة عسكرية بريطانية صغيرة فى البلاد بناء على طلب سعودى كان قد قدم فى العام الفائت، وحينذاك تولى مستشاران بريطانيان للحرس الوطنى البريجادير تمبرل والكولونيل بروماج، وضع خطط بناء على رغبة عاجلة من عبد الله «لحماية فيصل»، و«حماية النظام» و«احتلال نظام معينة» و«حجب محطة الإذاعة عن الجميع سوى الذى يؤيدهم الحرس الوطنى»، وكفلت هذه الخطط البريطانية الحماية الشخصية لفيصل، وساعدت فى نقل السلطة إليه.

كان البريطانيون يرون أن سعود غير كفء ويعارض تطبيق الإصلاحات السياسية الضرورية لمنع الإطاحة ببيت آل سعود، وقد كتب فرانك برنشلى - القائم بالأعمال فى السفارة البريطانية فى جدة - يقولك «إن رمال الزمن كانت تتهاوى باطراد من تحت أقدام النظام السعودى»، وكان العامل الأساسى هو الثورة الوطنية فى اليمن المجاورة وتدخل القوات المصرية هناك، والذى تحدى سلطة السعودية فى الجزيرة العربية، «كان فيصل يدرك أنه يتعين عليه أن يجرى الإصلاحات سريعاً إذا أراد بقاء النظام، ونظراً للافتقار إلى المديرين المدربين، فقد جاهد للتعجيل بتطوير النظام لتفادى نشوب ثورة».

الرياض ١٩٦٤
فى ٢٩ مارس ١٩٦٤، أصدرت القيادة الدينية فى السعودية - العلماء - فتوى تقر نقل السلطة لفيصل استناداً للشريعة، وبعد يومين أجبر الملك سعود على التنازل عن العرش، ويلقى الدور المهم الذى لعبه البريطانيون والعلماء الوهابيون على حد سواء فى التصديق على انقلاب القصر، الضوء على القوتين اللتين كان الحكام السعوديون يعتمدون عليها، بالإضافة للأمريكيين، ولاحظ كولن كرو - السفير البريطانى - فى تأمله للانقلاب أن ما يمكن أن يكون خطيراً فى الأجل الطويل «بشأن نقل السلطة» وهو «أنه جاء بالعلماء إلى الصورة وأنهم يمكن أن يتقاضوا ثمن تأييدهم»، وقد ثبت أن تعليقاته تتسم ببعد النظر.

اقترح فيصل إقامة «تحالف الجامعة الإسلامية» بين البلدان الإسلامية الموالية للغرب، فى محاولة لتعزيز سياسة بلاده الخارجية الإسلامية، وجاب تسع دول مسلمة فى ٦٥-١٩٦٦ للترويج للفكرة، وبنهاية العقد كان فيصل قد ساعد فى تشكيل منظمة المؤتمر الإسلامى التى أقيمت فى الرباط فى ١٩٦٩ بأمانة دائمة فى جدة، وكان القصد منها هو تعزيز التضامن بين الدول الإسلامية، كما بدأت السعودية فى إغداق الأموال فى المركز الإسلامى فى جنيف، الذى كان قد أنشأه سعيد رمضان فى ١٩٦١، والذى عمل مقر قيادة دولى للإخوان المسلمين، وأصبح مركزاً لعصب التنظيم ومكاناً لاجتماعات المتأسلمين من شتى أنحاء العالم، وخلال عقد الستينيات انتقل الآلاف من الإخوان المسلمين إلى أوروبا، إلى ألمانيا أساساً، وأنشأوا تدريجياً شبكة واسعة جيدة التنظيم من الجوامع والمؤسسات الخيرية والمنظمات الإسلامية، آملين أن يكسبوا مزيداً من عقول المسلمين وأفئدتهم، وظل رمضان نفسه فى سويسرا حتى موته فى ١٩٩٥، كما جاء الإخوان المسلمون إلى السعودية من كل أنحاء الشرق الأوسط خلال الستينيات، وكان من بينهم لاجئ فلسطينى اسمه «عبد الله عزام» تولى باعتباره محاضراً فى جامعة جدة تدريس الشاب أسامة بن لادن، وكان فى أوائل الثمانينيات فى صدارة الجهاد ضد السوفييت فى أفغانستان.

لندن ١٩٦٤
استمر المسئولون البريطانيون يعربون عن تفضيلهم نظاماً سعودياً يقوم على أصولية إسلامية بدلاً من نظام قومى عربى، حيث إن «تغيير نظام يصف بلداً بإيراداته الضخمة من النفط إلى جانب الدول الجمهورية العربية سوف يقلب توازن القوة بأسره فى الشرق الأوسط».

وكانت اليمن هى التى توافقت فيها مصالح بريطانيا والسعودية السياسية لأقصى حد، وذلك فى دعمهما لقوى دينية محافظة فى وجه تهديد قومى عربى.

صنعاء ١٩٦٢
فى سبتمبر ١٩٦٢ خلع انقلاب شعبى قامت به قوى جمهورية بقيادة العقيد عبد الله السلال، الإمام محمد البدر الذى ظل فى السلطة أسبوعاً بعد وفاة والده الحاكم الإقطاعى المستبد الذى حكم منذ ١٩٤٨، ولجأت قوات الإمام للجبال وأعلنت العصيان، وقدمت هوايتهول الأسلحة والنقود للمتمردين وهى تعترف بأن المستفيدين من ذلك لا يستطيعون كسب الحرب، ولكن كما قال رئيس الوزراء ماكميلان للرئيس كيندى «إنه لن يضرنا كثيراً أن ينشغل النظام اليمنى الجديد بشئونه الداخلية خلال السنوات القليلة المقبلة»- كما حدث فى إندونيسيا قبل بضع سنوات، لقد اعتبرت بريطانيا أن نزاعاً كهذا يوفر «قيمة مفيدة لإزعاج العدو».

ومع إرسال عبد الناصر آلاف الجنود من القوات المصرية لليمن للدفاع عن النظام الجديد، أصبح النزاع عملياً حرباً ضد مصر بالوكالة مع السعودية وبريطانيا، واعترف المسئولون البريطانيون بأن حكومة اليمن الجديدة تحظى بالشعبية وأنها أكثر ديمقراطية من حكم الإمام الاستبدادى، ومن ثم ليس هناك شك كبير بشأن الجانب الذى ينبغى أن تؤيده هوايتهول، كانت كل من السعودية وبريطانيا تخشيان من أن ينتشر الحكم الجمهورى الشعبى للمشيخات الإقطاعية الأخرى التى يسيطر عليها البريطانيون فى الجزيرة العربية، وبصفة خاصة عدن.