رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إدارة الدولة ليست شخصية!


إن غياب تلك المؤسسات يجعل الحكومة فى وضع ضعيف فى مواجهة الضغوط الخارجية والداخلية، إذ نجد أن رئيس الجمهورية يضطر إلى الرد على تساؤلات حول أحكام القضاء من قيادات دول تعتبر صديقة، ناهيك عن انتقادات دول تتخذ موقفًا معاديًا.

أشفق على رئيس مجلس الوزراء مما يبذله من جهد جسمانى كبير من خلال تنقلاته ومحاولته فرض الرقابة اللصيقة على السلطة التنفيذية التى يرأسها، ورغم اقتناعى بضرورة المتابعة الشخصية للعمل الإدارى عن طريق الزيارات الميدانية ومحاسبة المهملين على نحو ما يقوم به المهندس رئيس الوزراء ووزير الصحة، إلا أننى مقتنع بأن هذا ليس الأسلوب الأمثل لإدارة الدولة، وقد أكد لى هذا ماشاهدته أخيرًا من برامج تليفزيونية أحدها شاهدته على قناة سى بى سى وكان عن المستشفيات، والآخر على قناة بى بى سى العربية عن الزراعة فى مصر، هذه البرامج كشفت أنواعًا من القصور فى الإدارة لا يحلها قيام رئيس الوزراء بزيارة المؤسسات والوزارات واكتشاف القصور وإيجاد حلول له. وإلا اضطر رئيس الوزراء إلى زيارة كل مكتب حكومى وكل منشأة حكومية، بل وكل مصنع وكل حقل، وهو أمر يحتاج إلى زمن طويل وجهد خارق وفى النهاية فلا ضمان لاستمرار الحل بعد انتهاء الزيارة.

تتلخص البرامج السابقة فى أحدها أن المستشفيات تعانى من نقص فى العاملين بالنظافة لأنه ممنوع تعيين عمال جدد، وأن مرتبات الأطباء لا تكفيهم ولذلك هم يلجأون إلى العمل فى عيادات لسد العجز بين متطلباتهم ومواردهم، وعلاج هذا الوضع لا يتم بالزيارة الميدانية، بل بمعرفة حجم المشكلة وإيجاد حل لها ثم متابعة التنفيذ من خلال الزيارات وغيرها. والبرنامج الثانى يقول إن الفلاح لا يحصل على حاجته من السماد عن طريق الجمعية التعاونية، بل يحصل على ما يعادل نصف احتياجاته، وربما أقل، بسعر يبدو أنه معقول، لكنه يحصل على الباقى من السوق السوداء وبما يعادل أربعة أمثال سعر الجمعية، من جهة أخرى هو لا يحصل على ما يحتاجه من التقاوى والبذور وباقى الاحتياجات، وهنا فإن زيارة رئيس الوزراء أورئيس الجمهورية يمكن فقط أن تضع يده على المشكلة، وإن كان يستطيع أن يعرفها دون زيارة.

خلاصة الموضوع أن إدارة الدولة لا يمكن أن تعتمد على حل فردى من خلال جهود رئيس الوزراء أورئيس الجمهورية أو كليهما، بل هى تتطلب جهود كل العاملين فى شأن عام، سواء فى السلطة التنفيذية أو فى غيرها، وما يقوم به الرؤساء فى الزيارة يفترض أن تقوم به أجهزة التفتيش والمتابعة فى الوزارة، والرقابة يجب أن تكون حكومية وقضائية وشعبية: حكومية من خلال أجهزة التفتيش والمتابعة والقيادات على مختلف مستوياتها، وشعبية من خلال المجالس المحلية والأحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدنى وهى بالكاد يمكنها القيام بالواجب، ولذا فإنى أطالب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بأن يعملا وبسرعة على تشكيل تلك المؤسسات وتفعيلها، وأظن أن الأمر يتطلب سرعة تشكيل حزب الرئيس.

إن غياب تلك المؤسسات يجعل الحكومة فى وضع ضعيف فى مواجهة الضغوط الخارجية والداخلية، إذ نجد أن رئيس الجمهورية يضطر إلى الرد على تساؤلات حول أحكام القضاء من قيادات دول تعتبر صديقة، ناهيك عن انتقادات دول تتخذ موقفًا معاديًا، كما يضطر أحيانًا إلى الاعتذار عن أداء بعض الأجهزة، وأحيانًا اتخاذ قرارات توحى بالضعف. إن الموقف الأمنى وأحكام وقرارات السلطة القضائية فى حاجة إلى حماية، وهى يجب أن تتمتع بالاحترام من الجميع داخل البلاد وخارجها، لذا فإنى أتعجب مما يصدر من بعض الدول انتقادًا لأحكام وقرارات قضائية، وأشعر أن الرد الرسمى أضعف من المطلوب، كذلك فإن الاستجابة لبعض المطالب قد تتعدى ما يجب الالتزام به. إن أحكام القضاء يجب أن تحترم من الجميع، وأن يكون الرد دائمًا بأن أحدًا لم تتوافر له ماتوفر للمحكمة من أدلة لكى يعلق على حكمها، ومن يرى وجهًا للطعن فليطعن بالطرق القانونية، وإذا كانت هناك حاجة لشرح فإن المؤسسات كفيلة بالرد والتوضيح، وغير ذلك يجب أن يخضع للمحاسبة.

كذلك أجدنى أطالع قرارات بالعفو عمن صدرت ضدهم أحكام خاصة فى مخالفة قانون تنظيم التظاهر، ويقال إن العفو عن العقوبة الأصلية أو عما تبقى منها، ولم يتضح أسس العفو، وأظننى أولاً، لا أعارض إعادة النظر فى القانون والبحث عما يمكن أن يحقق حق المواطن فى التظاهر السلمى ويحافظ على حق المواطن فى الحياة دون إساءة بواسطة المتظاهر وإن كان سلميًا. كذلك ثانيًا، فإنى لا أعارض العفو عن باقى العقوبة بشروط معينة، لكنى أرفض العفو عن العقوبة الأصلية لأنها تهدر القانون.

هكذا أرى إدارة الدولة جماعية بيد قوية ومرنة فى نفس الوقت، ويجب أن نحشد قوانا لمساندة الدولة حتى لا تخضع لأى ابتزاز خارجى أو داخلى