رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الضرائب التصاعدية.. والعدالة الاجتماعية


ينص الدستور المصرى فى المادة 38 «يهدف النظام الضريبى وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية... يراعى فى فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر... تكون الضرائب تصاعدية متعددة الشرائح على دخول الأفراد وفقاً لقدرتهم التكليفية...

ويعد من الأسس التى يقوم عليها النظام الضريبى تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة وتحفيز دورها فى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية...اداء الضرائب واجب والتهرب الضريبى جريمة».

تعتبر الضرائب مصدراً رئيسياً من مصادر إيرادات الدولة ويتم الاعتماد عليها مع بقية الإيرادات الأخرى فى الإنفاق على الخدمات كالصحة والتعليم وعلى المرافق كالكهرباء والمياه والصرف الصحى والطرق والنقل لتحقيق مطالب الشعب العادلة فى حياة معيشية كريمة.

فى جميع الدول وجميع الأنظمة يا سادة يا كرام تتصاعد الشرائح الضريبية كلما زاد دخل المواطن وكان فى مصر عبر العقود الماضية نظام ضريبى يقوم على الضريبة التصاعدية على الدخل بالنسبة للأفراد تصل إلى 42% والشركات 38% حتى عام 2..5، وتم الغاؤها وفقا لرجال السياسات والسلطة والمال فى حكومة نظيف. وأصبح الحد الأقصى للضريبة فى ذلك الوقت 2.% فقط !!

ثم زادت على استحياء بعد ثورة يناير عام 2011 إلى 25% فقط وهذا ليس عدلا لأنها ساوت بين المشروعات الصغيرة والمشروعات الاحتكارية الكبيرة. والأعجب من ذلك يا سادة أن الدولة أطلت علينا قبل المؤتمر الاقتصادى لتزف لنا بشرى أن الضريبة ستكون 22.5 % ويتم تثبيتها لمدة عشر سنوات!! «وزغرطى ياللي مانتش غرمانة». ماذا تفعلون ياواضعى القوانين؟ نفس الامتيازات لأصحاب الجاه والثروات العالية ونفس المعاناة لأصحاب الفقر والجيوب الخاوية. يصرخ المسئولون فى الدولة ويولولون: «نريد توفير موارد من أجل البناء والتقدم وتحسين الخدمات». من أين ياعباقرة هذا الزمان، إذا كنتم تقللون موردا رئيسيا ومهما وهو الضرائب المباشرة على الدخل، وفى نفس الوقت تزيدون من الضرائب غير المباشرة التى يقع عبئها الأساسى على الفقراء، الضرائب المحملة على السلع والاحتياجات والخدمات الضرورية مثل الوقود وضريبة المبيعات على كل شىء. هل هذا هو العدل؟! حضرت هذا الأسبوع بدعوة كريمة من مركز آفاق اشتراكية حلقة نقاشية تحت عنوان: الضريبة التصاعدية إحدى أدوات العدالة الاجتماعية، أدارها الأستاذ حسن بدوى وتحدث فيها كل من الأستاذ محمد نور الدين الباحث الاقتصادى المعروف والدكتور هانى الحسينى خبير الضرائب. تناول النقاش العديد من النقاط المهمة أضعها أمامكم. أجمع الحاضرون على أن النظام الضريبى المصرى يحتاج إلى إعادة هيكلة، ومنحاز إلى الأغنياء، والمثال الصارخ على ذلك كما أسلفت من قبل ضريبة القيمة المضافة. كانت فى مصر ضريبة تصاعدية على الأرباح ورؤوس الأموال المنقولة فى القرن الماضى وحتى عام 2005، وفى عام 1941 تم فرض ضريبة استثنائية على أغنياء الحرب وصلت إلى 5.% واستمرت حتى عام ١٩٥٠ وأن القانون 99 لسنة 1949 فرض ضريبة عامة على الإيراد وصلت إلى 55%، ووصلت لأكثر من ذلك حتى 9.% بعد ثورة يوليو 1952، وتم إلغاء ذلك القانون عام 1993، مما يؤكد كلامنا حول انحياز النظام الضريبى خلال عصر الفساد والاستبداد منذ أكثر من أربعين عاما عند الأخذ بسياسة الانفتاح الاقتصادى. وبدلا من تحصيل ضريبة تصاعدية عادلة كلما زاد الدخل وتراكمت الثروات مثل كل الدول، يتم تقليل هذه الضريبة المباشرة وزيادة الضرائب غير المباشرة على الفقراء، فهناك 3 ملايين فقير فى مصر يدفعون ضريبة المبيعات التمغات والرسوم مثل القادرين. هل تعلمون ياسادة أنه كانت هناك ضريبة على التركات بالإضافة إلى رسم أيلولة تصل إلى 66% حتى تم إلغاؤها تدريجياً بدءاً من عام 1989.

إن الدول تسن قوانين وتفرض ضرائب على تحويلات الأموال للخارج، بل وتعمل بأنظمة تتيح التتبع الضريبى للأفراد خارج البلاد لمعرفة دخلهم من استثماراتهم، وتفرض ضرائب عليهم كحق لبلدهم، فلماذا لا يتم هذا فى بلدنا الذى تتسع فيه الفجوة بين المحتكرين الأغنياء وبين الفقراء فنرجع ثانية إلى مجتمع النصف فى المائة.

لماذا لا يتم فرض ضرائب تصاعدية على الثروات العقارية فى الوقت الذى يتم فيه تشجيع الاستثمار فى المجال الصناعى ومجال الخدمات بفئات ضريبية أقل بدلا من تثبيت الحد الأقصى للضريبة عند 22.5%؟! اقترح خبير الضرائب الدكتور هانى الحسينى فرض ضريبة على الثروة والممتلكات، بالإضافة إلى الضريبة على الدخل. إن فرض هذه الضريبة سيزيد من الموارد لتمكين السلطة التنفيذية من توفير موارد للصرف على الخدمات وفى مقدمتها الصحة والتعليم بدلا من الصراخ للوزراء يوميا بأنه لا توجد ميزانية ولا توجد موارد، ويكون هذا مبررا لتدهور الخدمات ومعاناة المواطنين.

هل يمكن يا حكام يا مسئولين يا وزراء يا مختصين أن يكون هناك مناقشة مجتمعية حول النظام الأمثل لإعادة هيكلة النظام الضريبى من أجل مزيد من التنمية والعدالة الاجتماعية؟