رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تعيين مسئول.. دعوة إلى التعب!


أى إنسان جاد فى عمله حينما يتولى أى مسئولية قيادية أو إدارية يدرك أنه مُقبل على التعب والإرهاق. فهذه المواقع ليست ترفيهية ولا هى وسيلة لزيادة الرصيد فى البنوك أو الحصول على امتيازات أو التمتع بعدم المساءلة وقت أن يُقصر فى عمله. فقد مضت تلك العهود التى كانت فيها توزع المناصب على الأصدقاء والمعارف وأهل الثقة. وكما صرح السيد المحافظ هانى يوسف المسيرى – محافظ الإسكندرية الجديد – فى أحد تصريحاته الصحفية أن السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أول لقاء له مع المحافظين الجُدد كان تكليفه واضحاً وصريحاً، حيث قال لهم – بلهجة الجنرال المنضبط: «إن المنصب ليس وظيفة ولكنه تضحية، لا مظهرية ولا أموال، إنه حرب على الإرهاب والتعليم والصحة». وهنا أتذكر – بكل الصدق – أن البابا شنودة الثالث «1923 – 2012» البطريرك 117 عندما كان يقيم أساقفة «من بين الرهبان كما هو فى نظام وتقليد الكنيسة القبطية» كان يقول لهم: «أنتم مدعوون إلى التعب، فإن تعبتم استراح الناس، وإن استرحتم تعب الناس، فأدعوكم للتعب من أجل راحة الآخرين».

هذا المفهوم الصحيح فى المناصب القيادية يجب أن يستوعبه كل مسئول فى موقعه، سواء كان منصباً سياسياً أو وزارياً أو أكاديمياً أو اجتماعياً أو دينياً. فلا راحة، ولا شفقة على الجسد، بل يكون لسان حاله الذى يردده دائماً: «لا أذهب إلى بيتى، ولا أصعد على سرير فراشى، ولا أعطى لعينى نوماً، ولا لإجفانى نُعاساً، ولا راحة لصدغى حتى أجد موضعاً لكل إنسان يود أن يسترح». وهذا ما نلاحظه بكل وضوح فى العمل الدؤوب الذى يقوم به السيد رئيس الجمهورية الذى يؤكد بحزم على ضرورة العمل من أجل توفير الراحة لجموع المصريين وهو يقدم قدوة طيبة فى ذلك، وفى النشاط الذى يقوم به السيد المهندس رئيس مجلس الوزراء، وفى تحمل المسئولية بأمانة فى كثير من الوزراء – وليس جميعهم – كما أننا فى الإسكندرية نتوقع ذلك النشاط من السيد المحافظ الجديد الذى يتسم بالجدية والرؤية الصائبة لكثير من الأمور وترتيبه لأولويات العمل الذى ينبغى أن يقوم به. لذلك نتوقع انحصار العمليات الإرهابية – بمساندة الجيش والشرطة – ومحاصرة الفساد فى التعليم وأيضاً فى الصحة.

وموضوع تولى المسئولية ليس فيه من التباهى والتفاخر والتعالى على الناس والانخراط فى التكريمات والمدائح.. إلخ، ولكنه – كما يقول الحكيم يشوع بن سيراخ «من حكماء القرن الثانى قبل الميلاد»: «إن الذهب يُمحّص فى النار، والمرضيين من الناس يُمحّصون فى أتون الاتضاع»، والتمحيص هنا يعنى “التنقية”، وواضح أن التنقية فى أتون الاتضاع أشد من التنقية فى النار. ولا يُدرك هذا التعب إلا من وضع فى قلبه خدمة الآخرين بأمانة وباتضاع، لكن المتكبر فلن يترك شيئاً سوى السيرة الرديئة. لو كل إنسان منا أدرك بصدق عمق مسئوليته نحو الآخرين ونحو وطنه لتغيرت حياتنا تماماً ولدفعنا وطننا الغالى نحو الأمام فى المقدمة التى تليق به. مع تمنياتى بالتوفيق لكل مسئول يتعب فى منصبه.

أستاذ بكلية الهندسة ــ جامعة الإسكندرية