رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«شارلى إبدو».. وصراع الحضارات


هل الإرهاب مرتبط بدين معين دون باقى الأديان؟ وهل الإرهاب مرتبط بوطن معين أو منطقة بذاتها دون بقية الأوطان؟ لاشك فإن التاريخ يقول والواقع يثبت أن الإرهاب لا دين ولا وطن له، فالإرهاب نبت الشيطان ولا علاقة له بالأديان حتى وإن تدثر بردائها وتخبى تحت أثوابها. فالبشرية عرفت الإرهاب بعدما سيطر عليها الحسد واستغرقتها الأنانية فتوهمت امتلاك الحقيقة المطلقة.
فكان رفض الآخر الدينى والسياسى والاجتماعى، فساد الحقد وسيطرت الانتهازية وعمت المتاجرة بالقيم والمبادئ والأديان، فتوارى العقل أمام النقل وسقط الحوار أمام السلاح، وإذا كان قتل الإنسان لأخيه الإنسان قد حرمته كل الأديان السماوية والوضعيةوحقرته كل القيم الإنسانية، ولذا فقد كان القتل خاصة عندما يكون بغير ذنب وبلا جريرة هو قمة الإرهاب معها تخفى تحت عناونين الدين أو السياسة.

فالقتل باسم الدين إرهاب والقتل نتيجة للاستعمار لنهب الأمم واستغلال الشعوب أيضاً إرهاب فكانت تلك العلاقة السببية بين الإرهاب وبين الاستعمار لنهب واستغلال الشعوب أيضاً إرهاب الأمم فكانت تلك العلاقة السببية بين الإرهاب والاستعمار دائماً، فالحادثة الإرهابية التى اجتاحت فرنسا يوم 7 يناير الماضى والتى أودت بحياة اثنى عشر إنساناً غير المصابين بجريدة «شارلى إبدو» والتى نشرت رسوماً مسيئة لرسول الإسلام الكريم ــ صلى الله عليه وسلم ــ والتى أعقبتها حادثتان فى 8 و9 يناير فى مطعم ومتجر يهودى راح ضحيته خمسة آخرون لاشك فإنها حوادث إرهابية لا يرضاها بشر ولا يقرها إنسان ولكن فى نفس الوقت فلا نقر الإساءة للأديان ورموزها وعلى كل المستويات تحت شعار حرية الرأى والتعبير، ولذا كان غريباً جداً تصريحات الرئيس الفرنسى المتناقضة، ففى الحادثة الأولى على الجريدة قال: لا يجب أن نخلط بين الإرهابيين المسلمين وبين الإسلام متمسكاً فى نفس الوقت بمبدأ حرية التعبير، ولكن عند قتل يهود والاعتداء على أماكن يهودية كان تصريح الرئيس الفرنسى أن هذا الاعتداء ضد السلمية.

وكأن قتل مسيحيين ومسلمين مباح تحت بند حرية التعبير وقتل اليهود هو معاداة للسامية وغير مباح مع العلم أن القتل فى أى زمان ومكان ولأى إنسان أياً كان دينه هو إرهاب وغير مباح وضد كل الأديان ويتنافى مع كل القيم الإنسانية التى يتشدق بها الغرب وعلى نفس السياق الغربى والفرنسى والكيل بعشرات المكاييل قد وجدنا العالم كله ينتفض ويسارع الخطى إلى باريس فوجدنا خمسين قيادة دولية فى مظاهرة غير مسبوقة ترفض الهجمة الإرهابية ضد فرنسا ولم تجد بصيصاً مما حدث يحدث فى مواجهة العمليات الإرهابية التى تحدث فى المنطقة العربية والإسلامية مع العلم أن هذا ليس لغزاً أو فزورة صعبة الحل ولكنه موقف واضح وسلوك طبيعى تجاه الإرهاب الذى يطال الغرب بشكل عام ولكن الإرهاب ضد الشرق والعرب والمسلمين هو إرهاب مصنوع ومعد وممول لاستمرار ولإطالة عمر الظاهرة الاستعمارية فى ثوبها الجديد وهو ما سمى بصراع الحضارات أو الثقافات بل كل الأديان.

فأمريكا والغرب هم من ساهموا فى تدشين وزرع وولادة القاعدة وبن لادن عندما دعت حلفاءها بالذهاب إلى أفغانستان لمواجهة السوفيت تحت لافتة محاربة الشيوعية، ولقد كان لأمريكا ما أرادت وسقط الاتحاد السوفيتى وتفردت أمريكا بالعالم، ثم بعد ذلك وجدنا نظرية صراع الحضارات التى اعتبرت أن الصراع الأيديولوجى السياسى قد انتهى وولى وأصبح بديلاً عنه ذلك الصراع الثقافى والدينى قاصدين التحرك على أرضية إثارة العاطفة الدينية واستغلال ظهور الأصولية الإسلامية التى اشتد عودها وقويت شكيمتها بالانتصار على السوفيت فى أفغانستان ولكن لم تكن خطة هذا الصراع هى المواجهة بين المسلمين والمسيحيين بشكل مباشر ولكن كانت الخطة هى اختراق الأنظمة العربية وإثارة الفتنة بينها لسحق قواها الصلبة ثم نشر ما يسمى بالفوضى الخلاقة ثم وهو الأهم إثارة الفتنة بين المسلمين والمسلمين عن طريق الدول الحليفة والقوى والتنظيمات الصديقة والجميع مسلمون فوجدنا الحرب بين العراق وإيران لإضعاف الاثنين.

ثم كانت الفتنة الأمريكية لصدام بغزو الكويت فكان سحق العراق وتفكيكه نتيجة طبيعية لذلك ثم كان «الربيع العربى» الذى جاء فى ظل مخطط ما يسمى بالفوضى الخلاقة فاختطف هذا الربيع واستغل لتحقيق صراع الحضارات على أرض الواقع فتحرك الناتو ومعه أمريكا وبمباركة الجامعة العربية لإسقاط القذافى فسقطت ليبيا ودمرت وسيطر عليها الإرهاب الذى يهدد المنطقة بأسلحة لا حصر لها، وأرادوا إسقاط الأسد فى مواجهة غير مباشرة مع إيران وروسيا فقتل الآلاف وتشرد الملايين وسيطر «داعش» وأخواتها على أجزاء من سوريا والعراق تحت زعم مساعدة تلك التنظيمات لإسقاط الأسد، فالإرهاب و«داعش» صنيعة أمريكا والغرب وعملائهم فى المنطقة. وصراع الحضارات هو كذبة أمريكية لإثارة الفتنة بين أصحاب الأديان وهذه لعبة استعمارية قديمة حديثة فالأديان فى جوهرها لا تتصارع بل تتحاور وتتلاقى وتتكامل ولكنه هو استغلال الدين فى كل زمان.

لكن فإذا كان الغرب هو الذى صنع الإرهاب للغير ومن أجل السيطرة على العالم ولكن العدل الإلهى أراد أن يرد البضاعة إلى أصحابها فكانت أحداث سبتمبر 2001 وتوابعها ثم أخيراً وليس آخراً كانت أحداث فرنسا حتى يعلم الجميع أن من يحضر العفريت لا يقدر على صرفه. وأن من يشعل النار لابد من أن تطاله حتى يعلموا خطورة الإرهاب على الغير وأن الحل الصحيح هو أن نعمل جميعاً على تدعيم السلم والسلام العالمى وأن يساهم الكل فى تطبيق الشعارات، فالديمقراطية وحقوق الإنسان تخص الإنسان مجمل الإنسان الذى خلقه الله وأوجده ولا يصح غير الصحيح.

كاتب وبرلمانى سابق