رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تساؤلات عن حادث فرنسا


يثير الحادث الإرهابى فى فرنسا بعض الأفكار المهمة، فمن ناحية ظهر أن الذين ارتكبوا هذا الحادث ولدوا فى فرنسا وعاشوا فيها وتعلموا فى مدارسها، ولذلك لا يستطيع أحد أن يلقى بالتهمة على الفقر والجهل أو غياب الديمقراطية، ومن ناحية أخرى فإن الحادث كشف عن أن هؤلاء الإرهابيين من أصول جزائرية وأنهم تلقوا الدروس الدينية فى المراكز الإسلامية فى باريس.

ومن المعروف أن هذه المراكز يسيطر عليها تيارات الإسلام السياسى، وتشهد دائماً زيارات متكررة من رموز الحركة الوهابية والمدارس السلفية، حيث يقومون بإلقاء دروسهم التى تحض على كراهية المجتمع الغربى وتحرض على علمانيته، ويبدو أن اختزال مشكلة التطرف فى الفقر والجهل جعلنا نهمل الأسباب الرئيسية، بل إننا أغلقنا عيوننا عمداً عن السبب الرئيسى خوفاً من مواجهة الحقيقة التى تتمثل فى تطرف الخطاب الدينى نفسه وفساد أفكاره.

أما عن الجهل والفقر فلا يمكن لأحد أن ينسى أن أحد أعمدة الإرهاب فى عصرنا الحديث هو «أسامة بن لادن» الذى كان أحد أكبر أثرياء العالم، كما أنه كان قد حصل على شهادته العليا فى تخصص علوم الاقتصاد، ومعه أستاذ الإرهاب الأكبر أيمن الظواهرى الطبيب المصرى الذى ينتمى إلى عائلة من أكبر العائلات المصرية، ولك أن تتحدث بلا انقطاع عن المهندس خيرت الشاطر ملياردير الإخوان ويوسف ندا صاحب البنوك والشركات العالمية، وفريق أساتذة الجامعة الإخوان مثل محمد مرسى ومحمود عزت ومحمد بديع ومحمود غزلان ورشاد البيومى وغيرهم، بل إن جماعة الإخوان هى أكثر جماعة فى العالم كله فى ضم أساتذة جامعة فى تخصصات مختلفة، فإذا انتقلت من جماعة الإخوان إلى باقى جماعات الإسلام السياسى ستجد أنهم أكثر شرائح مجتمعاتهم ثراءً، وعلى سبيل المثال ستجد أن حزب التحرير فى الأردن ودول المهجر يضم كبار رجال الأعمال، وجمعية العدل والإحسان فى المغرب تضم أغنياء المجتمع المغربى، أما المدرسة السلفية والحركة الوهابية فهى أكبر مستودع للمال فى العالم كله.

آن لنا الآن أن نركز على الخطاب الدينى لأنه هو السبب الرئيسى فى كل المعاناة التى نعانيها حالياً، لذلك كانت كلمة الرئيس السيسى فى الاحتفال بمولد النبى ــ صلى الله عليه وسلم ــ جامعة مانعة، فقد طالب الرجل بثورة دينية، ثورة تصحح المفاهيم المغلوطة التى دخلت على الدين وغيرت مقوماته، ثورة تعيد للدين وظيفته فى الحياة، فالله خلقنا كى نعمر الأرض لا لكى ندمرها، قال لنا فى كتابه الكريم «هو الذى أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها» أى طلب منكم تعميرها وليس تخريبها وحرقها، نحتاج إلى ثورة دينية نتخلص فيها من نصوص ظن الناس أنها مقدسة لمجرد أنها وردت فى كتب التراث وهى فى الحقيقة من صنع إبليس وأعوانه، نحتاج إلى ثورة تعيد صياغة العقل المسلم من جديد، فليس يقبل مثلاً أن تظل الفتاوى المفزعة تطل برأسها علينا كل حين، فتحول حياتنا إلى حرب مستمرة مع طواحين الهواء.

ولك أن تعلم أن الشباب الفرنسى المسلم الذى قام بالجريمة النكراء وقتل من قتل من العاملين فى تلك الجريدة الساخرة قد أساء إلى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ أيما إساءة، فمن ناحية سمح لكل جرائد العالم أن تعيد نشر الرسوم المسيئة للرسول بحسب أنها هى السبب فى الجريمة، فبعد أن كانت هذه الرسوم منشورة فى جريدة محدودة التوزيع أصبحت منشورة أمام كل العالم، كما أن صورة الإسلام أصبحت مقترنة دائماً بالقتل والدماء، ولكن للأسف لم يتصرف هذا الشباب من تلقاء نفسه أو من فتاوى قدمها له مجهولون، ولكن قتل من يسىء إلى الرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ هو من الأمور المستقر عليها فى المؤسسات الدينية كالأزهر مثلاً، وقد صدرت مثل هذه الفتاوى أيضاً من دعاة الإخوان والسلفيين وعلماء الوهابية.

فالشيخ سامى السرساوى ــ عضو لجنة الفتوى بالأزهر الشريف ــ أفتى مؤخرا بقتل كل من يسيء للنبى صلى الله عليه وسلم فى أى مكان ودون أخذ إذن من أى أحد، وقال الشيخ السرساوى وهو يستصرخ الشباب المسلم: أفتى بقتل كل من شارك بالإساءة للنبى ــ صلى الله عليه وسلم، ثم أردف قائلاً: أين شباب الإسلام لقتل من سب النبى ــ صلى الله عليه وسلم، ونفس الفتوى صدرت أيضاً من شيخ أزهرى آخر اسمه أحمد عشوش، وهذا الرجل الذى شيخوه وأطلق على نفسه لقب الحوينى أفتى بوجوب قتل من يسىء للرسول ــ صلى الله عليه وسلم ــ وإن تاب وندم على ما فعل، وقد نقل علماء الأزهر ومدعو السلفية فتوى ابن تيمية التى قال فيها: «إن سب الله أو سب رسوله كفرٌ ظاهرًا و باطنًا، وسواءٌ كان السابُّ يعتقد أن ذلك محرم، أو كان مستحلاً له، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل، ويجب قتل من فعل هذا».ونقلوا أيضاً عن ابن حنبل قوله: «من شتم النبى صلى الله عليه وسلم قُتل» فإذا كانت هذه هى فتاوى العلماء، وهذه هى طبيعة الخطاب الدينى الذى يتم تصديره للأمة، فهل تستطيع أن تتهم الشباب الذى صدق هذه الفتاوى واعتبرها ديناً، أم أننا يجب أن نلقى بالاتهام كله على أصحاب هذا الخطاب المتطرف