رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من المحلة إلى المنصورة.. عمار يا مصر


عمار يا مصر بشعبك، شبابك ورجالك، فلاحينك وعمالك ونسائك، عمار يا مصر بشعب يحمل حضارته وأصالته وقيمه وأخلاقه منارة عبر تاريخ البشرية. أُتيح لى فى آخر الأسبوع الماضى أن أتشرف بالذهاب إلى مؤتمر فى مدينة المحلة الكبرى، قلعة الصناعة المصرية للغزل والنسيج، لحضور مؤتمر لعمال المحلة وكل المعنيين بقضايا صناعة الغزل والنسيج. عُقد ذلك المؤتمر بقصر ثقافة المحلة الذى فتح أبوابه للعمال والسياسيين والعلماء لحوار مفتوح امتد أكثر من ساعتين.
تذكرت وأنا
فى الطريق إلى المحلة نضال وكفاح العمال قبل ثورة 25 يناير من أجل تحسين رواتبهم، من أجل غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار، من أجل توفير الخبز المدعم لأهالى المحلة، من أجل حماية مصانعهم ومنتجاتهم التى تقوم على سواعدهم، وبخامات مصرية، وعلى رأسها القطن المصرى، أو كما كنا نطلق عليه الذهب الأبيض. وأجمع الحاضرون على أنه منذ إنشاء الشركة القابضة للغزل والنسيج والكوارث تهل على زراعة وتصنيع القطن. هتافات العمال ترن فى أذنى، «إسمع صوت المكن الداير، بس كفاية مذلة» «نفس الصوت اللى فى حلوان، بيقول شدى الحيل يامحلة».

صوت المكن الداير يعنى الكثير للعمال وأسرهم، يعنى مزيداً من الدخل لهم ولأسرهم، يعنى الاكتفاء الذاتى والإنتاج للتصدير. أليس كذلك؟! أكد العمال فى مؤتمرهم المعنون «إنقاذ الصناعة الوطنية» على ما تناولته فى المقالات السابقة من تعمد تخسير الشركات وتقصير التمويل ونقص المواد الخام. وها هى مشكلة توريد القطن تتصدر مشاكل صناعة الغزل، وها هى مؤامرة تدهور إنتاج القطن المصرى، وتخصيصه للتصدير، بينما يتم استيراد الأقطان قصيرة التيلة التى تم تغيير الماكينات لتناسب الماكينات الجديدة مع تصنيع القطن المستورد فقط.

بل الطامة الكبرى فى المواسم الأخيرة لم تشتر القطن من الفلاحين بسعر مناسب يغطى تكاليفه مع هامش ربح للفلاح، مما أدى ببعض الفلاحين لإحراق القطن فى الحقول بالذات فى الجمعة الثانية، لأن أجور جمعها أكثر من ثمن بيعها. تتفنن الدولة فى إهدار الزراعة المصرية وليس فقط الصناعة.

كما أجمع الحاضرون على أنه ليست هناك إرادة سياسية للمسئولين على رأس الدولة لحماية ودعم وتطوير شركات القطاع العام. وطالبوا بإلغاء القانون رقم 203 لسنة 1991، والذى بموجبه تحولت هيئات القطاع العام إلى شركات قابضة فى قطاع الأعمال العام، والذى جاء لبيع وتصفية وخصخصة القطاع، أو كما قال العمال «مصمصة ولصلصة الشركات والمصانع»!!

وطالب العمال بعودة الشركات للدولة ووزارة الصناعة. وطالب العمال الحاضرون من شركات متعددة بفتح المصانع المغلقة، وضخ الأموال لتسييرها، ودفع رواتب العمال المتأخرة لبضعة أشهر.

وفى منتصف هذا الأسبوع كنت على موعد مع سيدات المنصورة فى مكتبة المنصورة العامة ولقاء جمع المجلس القومى للمرأة وجمعية بنت الأرض تحت عنوان «المرأة والبرلمان».

عندما تذهب إلى المنصورة تستقبلك بنت المنصورة بالحيوية، بالحماس، بالابتسامة رغم كل المصاعب، ورغم كل المعوقات. اتذكر معهن وقفتهن فى مشهد احتضان المنصورة واحتضان مصر فى ساعة الخطر، ساعة تفجير مديرية أمن المنصورة.

«مناضلات من أجل مصر» تلك الحركة التى تكونت من نساء المنصورة بعد أن حكمت جماعة الشر والظلام مصر. تكونت الحركة للتصدى لاختطاف مصر وتغيير هوية مصر، للتصدى للأخونة، للتصدى للمتاجرين بالدين. جلست مع سيدات المنصورة فى جمعية بنت الأرض، جمعية أهلية تعتمد فى تمويلها على اشتراكات أعضائها وتبرعات أنصارها من المصريين الذين يؤمنون بعملهم فى التوعية والتنمية والتنوير والتعليم وتغيير حال المرأة وحال المجتمع.

دار الحوار حول المرأة والبرلمان، حول المعايير التى على أساسها يتم اختيار المرأة للبرلمان القادم. معايير تهتم بالكفاءة والنزاهة والثقة والمصداقية والاهتمام بالعمل العام. كما تناول النقاش خطورة وأهمية البرلمان القادم لأنه جاء بعد ثورتى يناير ويونيو محملاً بمطالب الثورة فى حياة أفضل، فى كرامة إنسانية لا تتوفر إلا بتشريع القوانين المتسقة مع مبادئ الدستور مثل حق السكن والعمل والصحة والتعليم، والمواطنة والمساواة على أساس تكافؤ الفرص وعدم التمييز وتجريم العنف ضد المرأة. كما تناول الحوار أن مهام عضو البرلمان هى تشريع القوانين ومتابعة ومراقبة تنفيذها وتفعيلها عبر الحكومة الممثلة للسلطة التنفيذية. كما تناول الحاضرون أهمية النزول إلى جميعأنحاء مصر فى المدن والقرى والكفور والنجوع لتوعية الناخبين وتوعية النساء من أجل انتخاب المرأة وتغيير الثقافة المجتمعية التى تغلغلت فى السنوات الماضية للانتقاص من المرأة، ومن الأفكار المتشددة المتطرفة من المتاجرين بالدين الذين لا يرون فى المرأة إلا أداة للإنجاب مكانها المنزل.

كما تناول النقاش أهمية الدور الإعلامى المرئى والمقروء والمسموع، ودور الدراما فى أن يعكسوا الصورة الإيجابية للمرأة فى مجالات الفن والسياسة والإبداع بدلاً من مسلسلات الجنس والمخدرات وتعدد الزوجات.

وانتهى المؤتمر برسالة إلى كل القوى السياسية، إلى كل التحالفات الانتخابية، إلى الأحزاب المصرية، رسالة تقول لابد من تحويل الأقوال التى تشيد بدور المرأة إلى أفعال من خلال مساندة المرأة واختيار الأكفأ فى القوائم، ومساندة من تستحق فى التنافس على المقاعد الفردية. وكان التخوف الأساسى من لعب المال السياسى دوراً كبيراً فى هذه الانتخابات، ولعب المصالح الشخصية والحزبية دوراً فى اختيار المرشحين والمرشحات وعدم تركيز الإعلام على إعطاء مساحة مناسبة للمرأة للتعبير عن نفسها وتقديم نفسها للناخبين والناخبات. وأكد الحاضرون مواصلة المرأة للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للرجل والمرأة والطفل والأسرة والوطن، وأهمية سن تشريعات لتجريم العنف ضد المرأة بأشكاله المختلفة.

ألم أقل لكم عمار يا مصر؟