رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمة واحدة وجيش واحد


لا يختلف أحد معى فى أن أمتنا تمر فى المرحلة الحالية بأخطر ما مر بها عبر تاريخها كله، لن نتحدث كثيراً عن أنظمة تحطمت ودول انقسمت، ولن نسهب فى الحديث عن الرغبة الأمريكية المحمومة فى إعادة تقسيم المنطقة وتغيير خريطتها الجغرافية، لن نبذل جهداً فى إثبات المؤامرة لأننا نعيش فى وسط لهيبها، ولن نعيد الكلام حول تلك الكيانات الإرهابية المتأسلمة التى أصبحت ذات قوة ومنعة لأننا نكتوى بإرهابها ليل نهار.

فقد أصبح من المعلوم بالضرورة أن كيانات ميليشيات الإخوان وأنصار بيت المقدس وجيوش النصرة وداعش والقاعدة تحظى برعاية أمريكية حقيقية، ودعم مالى وتسليحى حتى ولو بدت الصورة فى الظاهر غير ذلك، فليست الصورة العلنية دائماً هى الصورة الحقيقية، ولعلك لا تستطيع رؤية الحقيقة إذا اعتمدت على النظرة الأولى السطحية، أو إذا شدك الحماس وسيطرت عليك المشاعر، فالمشاعر الجانحة غير المنضبطة لا تترك مجالا للعقل ولا تدع فرصة للبصيرة، أما الحقيقة فهى أن تلك الكيانات الإرهابية ما هى إلا مجرد أدوات أو عرائس خشبية يحركها اللاعبون من وراء الستار، وسيظل اللاعب الأكبر متحكماً فى مسارها على المسرح، يحقق بها خطته التى ترمى إلى وضع المنطقة فى حالة فوضى عارمة، أطلقوا عليها الفوضى المنظمة، تنتهى إلى صنع خريطة جديدة للمنطقة تشرف عليها كيانات اقتصادية دولية عملاقة.أصبح الكلام فى شأن خطة التقسيم والفوضى المنظمة من باب التكرار الممل، ولذلك يجب أن نطرح كيفية المواجهة بدلا من الوقوف على الأطلال وندب الحظ ولوم النفس وجلد الذات، وأولى الأفكار التى يجب أن تقوم الأمة بتفعيلها هى إنشاء مؤسسة تنويرية كبرى تضم كبار المفكرين والمثقفين العرب تكون مهمتها وضع تصور «فكرى وعقائدى» لمواجهة خطاب التطرف والإرهاب وتجديد الخطاب الدينى، ولها فى سبيل ذلك أن تقود حراكاً ثقافياً يضع الأمة على الخريطة العالمية من حيث الإبداع والتنوير .

أما الأمر الآخر فهو ضرورة تفعيل اتفاقية الدفاع العربى المشترك، فبئس ما فعلناه حينما جعلنا أمريكا تقود المنطقة عسكرياً، إذ أين كانت الاتفاقية العسكرية التى وقعتها الدول العربية تحت مظلة الجامعة العربية ؟! ألا يدفعنا تقصيرنا فى السابق إلى تلافى التقصير فى الوضع الحالى الذى نعيشه، عراقنا مستباح، ومصرنا تتكالب عليها الخفافيش، وحدث ولا حرج عن سوريا وليبيا واليمن، فى الوقت الذى تنص فيه اتفاقية الدفاع العربى المشترك على «إعداد الخطط العسكرية لمواجهة جميع الأخطار المتوقعة أو أى اعتداء مسلح يمكن أن يقع على دولة أو أكثر من الدول المتعاقدة أو على قواتها وتستند فى إعداد هذه الخطط على الأسس التى يقررها مجلس الدفاع المشترك».

وقد ورد فى الاتفاقية أيضاً «تقديم المقترحات لتنظيم قوات الدول المتعاقدة ولتعيين الحد الأدنى لقوات كل منها حسبما تمليه المقتضيات الحربية وتساعد عليه إمكانيات كل دولة، وأيضاً تقديم المقترحات لاستثمار موارد الدول المتعاقدة الطبيعية والصناعية والزراعية وغيرها وتنسيقها لصالح المجهود الحربى والدفاع المشترك».وقد استلزمت الاتفاقية «تنظيم تبادل البعثات التدريبية وتهيئة الخطط للتمارين والمناورات المشتركة بين قوات الدول المتعاقدة وحضور هذه التمارين والمناورات ودراسة نتائجها بقصد اقتراح ما يلزم لتحسين وسائل التعاون فى الميدان بين هذه القوات والبلوغ بكفايتها إلى أعلى درجة».فأين هذا الجيش العربى الموحد، الذى بإمكانه الرد على أى مؤامرة دولية تحاك ضد المنطقة، والذى بإمكانه أيضاً القضاء على تنظيمات الدواعش الإخوانية الإرهابية؟!، وهل يكفينا فى هذا الصدد ما تقوم به دولنا حالياً من شراء الأسلحة وتكديسها دون أن تقوم بأى قدر من الجهد لإنشاء الجيش العربى الموحد الذى يستطيع استخدام هذه الأسلحة لحماية شعوبنا، ومن بعد ننتظر السوق العربى المشترك والعملة العربية الموحدة، فهل هذا حلم؟