رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شاعر قتله الإخوان مرتين


منذ أن بدأت طريقى فى الحركة الإسلامية منذ ما يقرب من خمسة وثلاثين عاماً وأنا متيم للغاية بشاعر اسمه هاشم الرفاعى، لم أكن أنا وحدى المحب لهذا الشاعر ولكن كل شباب الحركة الإسلامية، وأظن أن شباب الجماعات الإسلامية إلى الآن منشدهين لقصيدة الرفاعى الشهيرة «رسالة فى ليلة التنفيذ» وقد كانت هذه القصيدة زاداً مشاعرياً للشباب، تجعلهم يقبلون عن طيب خاطر بالتضحية بأنفسهم تحت زعم الجهاد.
فأبيات
القصيدة تتحدث عن شاب ثائر صدر ضده حكم بالإعدام ويعيش لحظاته الأخيرة فى زنزانة باردة صخرية الجدران، ينتظر بين اللحظة والأخرى أن يدخل عليه السجان ليقوده إلى المشنقة، وفى تلك الساعات الأخيرة له يكتب رسالة شعرية لأبيه يرسلها له ويقول له إنه كان يجاهد من أجل مبادئه وأن التاريخ قد لا ينصفه فيقول عنه إنه متآمر ولكنه لا يبحث إلا عن الحق فقط.وقد اعتقد بعض شباب الجماعات الإسلامية أن هذه القصيدة هى من أشعار سيد قطب قبل أن يتم إعدامه، وقد أشاعوا هذا ليضفوا على سيد قطب هالات من القداسة والفدائية، وحين كنت فى معراج الشباب الأول كان الإخوان يتحدثون عن أن الشهيد هاشم الرفاعى هذا كان من الإخوان، ودلس البعض منهم فقالوا إن قصيدته رسالة فى ليلة التنفيذ كتبها قبل إعدامه لأنه من الإخوان! والغريب أننا كنا ونحن فى الإخوان نصدق هذا الكلام رغم أنه كان من المتاح أن يعرف أى واحد منا الحقيقة! والحقيقة أن هاشم الرفاعى هذا كان خصماً للإخوان! وكتب العديد من القصائد يهجوهم فيها، وكان من وقع هذه القصائد أن قتله ابن عم له ينتمى إلى جماعة الإخوان! فانظر كيف يتحول من قتلوه إلى شاعر إخوانى تم إعدامه وكتب قبل الإعدام قصيدته الأشهر «رسالة فى ليلة التنفيذ» . كان هاشم الرفاعى قبل قتله قد بدأ يشق طريقه فى دنيا الأدب وعالم الشعر حتى تسنم ذروة الإبداع بلا منازع يبزه من جيله أو من أجيال سبقته،ويقول الباحثون والنقاد إنهم لم يعرفوا قصيدة تتبعها الشعراء وكتبوا على منوالها كقصيدته «رسالة فى ليلة التنفيذ» فقد أحصى أحد النقاد أكثر من مائتى قصيدة كتبها العشرات من الشعراء بنفس نسق قصيدة الرفاعى السامقة بمعناها ومبناها، تلك القصيدة التى قال فيها: أبتاه مـاذا قـد يخط بنانى *** والحبل والجلاد منتظران

هذا الكتاب إليك من زنزانة *** مقرورة صخرية الجدران . ولد هاشم الرفاعى فى منتصف مارس من عام 1935 فى أنشاص الرمل من محافظة الشرقية حيث ينتهى نسبه إلى الإمام أبى العباس أحمد الرفاعى الذى أسس الطريقة الرفاعية فى القرن السادس الهجرى، والتحق عام 1947بمعهد الزقازيق الدينى، ومن هذا المعهد كانت أول قصائده المبكرة وهو فى السنة الثانية الابتدائية الأزهرية وكانت عن «جرح فلسطين».وفى عام 1956 تخرج الفتى فى معهد الزقازيق الدينى حيث شكلت فترة الدراسة معالم شخصيته وأثقلت مواهبه حتى فاق فى شعره كبار شعراء عصره، كان هذا هو شاعر الوطن الذى لم يكن بعيداً عن قضايا أمته، لذلك احتفى به النظام الناصرى حيث تم تكريمه فى عيد العلم الذى كان ينعقد كل عام، ونشأت صلة قوية بين الرفاعى وبين أعمدة الأدب فى عصره، ومن موقعه كشاعر للثورة شن حرباً قوية ضد جماعة الإخوان التى خدعت الكثير من الشباب، ومن أسف كان أحد من استلبت الجماعة عقله أحد أقاربه الذى نقم عليه قصائد الهجاء التى نظمها ضد تلك الجماعة الإرهابية، وفى ذات الوقت كان هذا الشاب الإخوانى يطمع فى أن يصل إلى مكانة ما فوجد هاشم يبزه ويسبقه، فأعمل الحسد معاوله حتى قام هذا الأثيم وحمل سكيناً أخفاها فى طيات ملابسه حيث فاجأ شاعرنا وطعنه غيلة وغدراً فسقط مضرجاً فى دمائه فى يوليو من عام 1959 ولم يكن قد وصل إلى الخامسة والعشرين من عمره بعد،وكأن دمه خط على الأرض أبياتاً من قصيدته تعبر عن حاله ... أنا لست أدرى هل ستذكر قصتى *** أم سوف يعروها دجى النسيان ...

أو أننى سـأكون فـى تاريخنا *** متــآمراً أو هـادم الأوثــان .مات الرفاعى قتيلاً بسلاح الإخوان وغدرهم، وكان الأبشع أن سرقوا بعد ذلك قصيدته الشهيرة واعتبروها قصيدة الإخوان، فانظر كيف يحترف الإخوان تزوير التاريخ