رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

من سجل الإخوان الإجرامى


لماذا لا يذكر التاريخ، تاريخ أبناء مصر النجباء، هل كان المستشار أحمد الخازندار الذى اغتاله الإخوان عام 1948 صفحة ثم طويت؟! فلم يعد لذكرها أهمية، هل كان الدم الذى سال منه ماءً لا غَناء فيه ولا طائل من ورائه؟! إذا عَنَّ لك أن تبحث عن تاريخ هذا المستشار الشهيدفلن تعثر على شىء يفيدك...
 ولا أظنك ستعرف أنه ولد عام 1889 أى
بعد خمس سنوات من افتتاح محكمة استئناف مصر، ولن تستطيع أن تصل إلى مؤرخ كتب عنه اللهم إلا فقط تحت عنوان «جماعة الإخوان تقتل المستشار أحمد الخازندار» وسيضيف بعضهم من عنده أن «المستشار الخازندار أصدر حكماً مخففاً على رجلٍ شاذ اغتصب أطفالاً أبرياء، وأنه لفرط خيانته للوطن أصدر أحكاما مشددة على شباب من الإخوان كانوا يقاومون الاحتلال الإنجليزى فى منطقة «نصف البلد» عن طريق تفجير أبواب وواجهات بعض الحانات والبارات، فنقم عليه شباب من جماعة الإخوان فما كان منهم إلا أن قتلوه، وسيأخذ المؤرخون فى التخفيف من هذه الجريمة، وسيعتبرونها جريمة سياسية موجهة ضد أعداء الوطن، وسيلتمسون للقتلة ألف ألف عذر، فقد خضعوا للإخوان فَخُدعوا بالتاريخ الذى زوروه، أما الشهيد فقد نسيه الجميع! وسيظل تاريخه الحقيقى وسبب اغتياله بعيداً عن كِتاب «التاريخ» فقد غابت الحقيقة عندما كَتب القاتل وسكت القتيل، غابت الحقيقة عندما أصبح التاريخ الذى بين أيدينا هو التاريخ الذى كتبه القاتل، أما أين نحن «أهل مصر» فحدث ولا حرج!.ولكن ما هو تاريخ هذا المستشار، لنا أن نبذل الجهود العلمية والتوثيقية لنعرف ما أخفاه التاريخ عنا، فإذا مضى بنا الجهد إلى غايته سنعرف أن المستشار أحمد الخازندار كان رجلاً مثقفاً وموسوعياً، برع فى علوم القانون حتى وصل إلى درجة «الاقتدار» وهى درجة لو تعلمون عظيمة، ومع القراءة المحترفة للقانون ومدارسه، والكتابة الحاذقة المستبصرة لمفاهيمه التى يخطها بيمينه فى الأحكام القضائية، كانت القراءة المتنوعة فى كل المجالات الفكرية هى شغفه الأكبر، ومع ثقافته هذه كان متديناً يعرف قيمة أن يحتفظ فى قلبه بتوقير التراث، وفى ذات الوقت يدرك أن تجديد الأفهام والأفكار هو أمر إنسانى رشيد لا يأنف منه إلا أصحاب الجمود والتقليد، وقد قفز به الفكر كثيراً عندما اصطحب محمد بك نور، رئيس نيابة مصر الذى حقق عام 1927 فى البلاغ الذى قدمه بعضهم ضد عميد الأدب العربى «طه حسين» بسبب كتابه «فى الشعر الجاهلى» وكان طه حسين قد اتبع فى هذا الكتاب أسلوباً فلسفياً جديداً كانت أوروبا قد اعتمدت عليه فى نهضتها وهو أسلوب «الشك إلى أن نصل لليقين» وهو الأسلوب الذى ابتكره الفيلسوف «ديكارت»، والحق أن ديكارت لم يبتكره ولكنه استمده من كتابات الفيلسوف العربى «ابن رشد» .وحين عرضت قضية «طه حسين» على المستشار محمد نور رئيس النيابة كى يحقق فيها كان زميله الذى يرافقه فى نفس الحجرة هو رئيس النيابة «أحمد بك الخازندار» وقتئذ انصرف الخازندار إلى فلسفة ابن رشد والكِندى وابن خلدون، ومنها نهل الكثير وعرف أكثر، وله فى زمنه مقالات فى عدة درويات قانونية، وحين حضر طه حسين لغرفة التحقيق أمام محمد بك نور كان الخازندار هو المتابع الأريب لكل ما رد به طه حسين على الاتهامات التى سيق من أجلها للتحقيق، ولأننا لا نستطيع أن نؤرخ إلا بالوثائق فإننا سنستخدم هنا أدوات الاستنباط فنقول من خلال ما وصلنا من المعاصرين للمستشار الخازندار مثل المستشار النابه القدير «مصطفى مرعى» شيخ المحامين، وفريد عبد الخالق القيادى الإخوانى المستنير، رحمهما الله، ومعهما أحمد عادل كمال أحد أعمدة النظام الخاص فى جماعة الإخوان، وشذرات وقعنا عليها من هنا ومن هناك، إن أحمد بك الخازندار مجَّ التطرف ونقم على الإرهاب الذى من شأنه أن يقوِّض حضارات ويهدم أمماً، ولكنه فى ذات الوقت ظل مختطا لنفسه طريقه «العادل» فى القضاء لا يمل من الحق ولا يميل إلا مع العدل، ولا غرو فقد كان هذا الرجل كما قلنا مشهوداً له بالكفاءة بين المستشارين، كثير الاطلاع والتعمق فى القانون، وكان له هيبة وحزم فى إدارة الجلسات، وكان معروفاً عنه طيلة حياته بأنه لا يخضع لأى وعد أو وعيد أو تهديد حتى ولو كلفه عمره، وقد كلفه، فقد قتله الإخوان حتى يمنعوه من الحكم فى قضية تفجير سينما مترو، ولكنهم كتبوا فى كتبهم غير ذلك، مما دعانى أن أسأل: هل فى مصر مؤرخون؟