رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الائتلافات الانتخابية بلا أحزاب


الأحزاب الورقية والديكورية والتى تفتقد أى وجود جماهيرى أو أى سند شعبى لغيابها عن الشارع السياسى تسعى جاهدة لعمل تحالفات لهدف واحد ووحيد وهو محاولة الحصول على عدد من الكراسى البرلمانية

الوقائع والأحداث التاريخية واحدة لا تتغير ولكن المتغير بل يمكن أن يصل إلى درجة التناقض هو قراءة تلك الوقائع وهذه الأحداث، فدائما ما تكون تلك القراءة جانحة نحو رؤية معينة أو قراءة بذاتها فتصبح قراءة التاريخ حمالة أوجه، وفى الغالب ما تكون قراءة مؤرخى التاريخ ومفسريه التابعين لأى سلطة فى أى زمان وأى مكان هى القراءة السائدة والتى يدعون أنها تحمل الحقيقة المطلقة، فهل الحياة الحزبية ما قبل 1952 هى النموذج الأمثل والقدوة الرائدة لأى تجربة حزبية؟ وهل هى تختلف اختلافا جذريا عن التجربة الحزبية التى أبدعها السادات عام 1977 والتى مازالت مستمرة بعد يناير ويونيو وحتى الآن؟

فكرة الأحزاب كانت نتاج الممارسات الديمقراطية فى أوروبا والتى تعتمد على فكرة تداول السلطة بين الأحزاب على أن تشكل الحكومة من الحزب الحائز على الأغلبية البرلمانية، ولذا نبعت الأحزاب من القواعد الجماهيرية التى تتفق فى الفكر والتى تسعى لتحقيق مصالح وأهداف القاعدة العريضة المنضمة للحزب والتى تؤمن ببرنامجه وبأهدافه، فهل كانت فكرة مصالح الجماهير هى الفكرة الأساس فى برامج تلك الأحزاب؟

هنا نجد أن نشأة الأحزاب المصرية والتى ظهرت واضحة فى الحزب الوطنى الذى أسسه مصطفى كامل.

فكان هذا الحزب يهدف ويسعى إلى التحرر من الاستعمار الإنجليزى تحت شعار «مصر للمصريين»، وكان هذا الشعار تعبيرا عن مرحلة طائفية بامتياز انتهت بالمؤتمر القبطى 1910 والمؤتمر الإسلامى 1911، ثم كانت فكرة الوفد التى تتشكل عن طريق التوكيلات الشعبية للتفاوض مع الإنجليز طلبا للاستقلال تحت شعار «مصر للمصريين».

ولم يكن هناك أى حديث حقيقى وفعلى عن قضايا ومشاكل الجماهير، ولذا فالسمات والأهداف بل والأمراض التى تأسست منذ هذه المرحلة هى ذات السمات والأمراض التى مازالت تحكم الحياة الحزبية وحتى الآن بها وهى السعى نحو السلطة بأى طريقة وبأى أسلوب حتى ولو كان تزوير الانتخابات بالشكل المباشر أو شراء الأصوات بكل الوسائل بالشكل غير المباشر وهذا لا علاقة له بأى ديمقراطية حيث يخلق وصايات على الناخب تحجب حريته فى الاختيار.

هذا السعى وراء السلطة مع عدم الثقة الحقيقية فى المساندة الجماهيرية نقل هذا المرض لصراع داخلى عن الحزب على سلطة وقيادة الحزب ذاته، هذا جعل احترام الأحزاب من السلطة سواء كان ملكاً أو رئيساً سهلة وميسرة الشيء الذى يحول هذه الأحزاب إلى تابع للسلطة الحاكمة من خلال اتفاقات ومساومات إذا كانت خفية ولكنها تعلن وتعرف حتى ولو بعد حين، لذا كانت ومازالت الأحزاب فاقدة لأسس وجودها وهى الاعتماد على الجماهير أولاً وأخيراً، ولذا ترى الآن هذه الأحزاب الورقية والديكورية والتى تفتقد أى وجود جماهيرى أو أى سند شعبى لغيابها عن الشارع السياسى تسعى جاهدة لعمل تحالفات لهدف واحد ووحيد وهو محاولة الحصول على عدد من الكراسى البرلمانية لاسيما لو كانت هذه الكراسى لرئيس الحزب وقياداته التى تقوم بالتمويل المالى من باب الوجاهة السياسية لزوم الشىء، لأنه إذا كان الحزب هو الجماهير المساندة والمؤيدة له، فأين جماهير هذه الأحزاب؟ بل من يعرف فى الأساس أسماء هذه الأحزاب؟ مع العلم أن هذه الأحزاب والتى تصل إلى أكثر من تسعين حزبا لا تمثل أكثر من واحد فى المائة من الشعب، والغريب مع هذا يتحدث هؤلاء المتاجرون بالسياسة والمسترزقون بالأحزاب عن الشعب والجماهير وكأنهم أوصياء على هذا الشعب، بل يصورون أنهم هم التسعون مليون مصرى ويرفضون قانون الانتخابات لأنه لا يحقق لهم طموحاتهم الزائفة وزعاماتهم المتخيلة، وهنا لا نعرف ما الأوراق التى يملكها أى رئيس حزب يدخل هذه التحالفات الوهمية؟ وما جماهيريته؟ والغريب أنهم يتحدثون عن ائتلاف ما يسمى الأحزاب المدنية فى الوقت الذى يعتبر كل حزب فيهم أنه حزب مدنى فى مواجهة الأحزاب الإسلامية.

فإذا كنتم أحزابا مدنية لماذا الخلاف والاختلاف وعلى ماذا، فجميعكم فشلة ولا علاقة لكم بالأحزاب الحقيقية ولا تملكون الجماهير والمثل السبعمائة ألف صوت التى حصل عليها ائتلاف الأحزاب المساندة لحمدين، فلماذا لا تأتلفون كلكم جميعا برابطة المعلم فى ائتلاف واحد يمكن ربنا ينفخ فى صورة حضرتكم من باب رفض الدولة الدينية وتأكيدا للدولة المدنية التى أقرها الدستور، الموقف جد ولا هزل فيه والوطن فى مفترق طرق، والبرلمان المقبل من أهم البرلمانات التى ستحسم كثيرا من الأمور أو العكس، فهل يمكن أن نجد انتماء حقيقيا لهذا الوطن وتقديم مصلحته على كل المصالح المتخيلة حتى نسير فى الطريق الصحيح وحتى تظل مصر لكل المصريين؟

كاتب وبرلمانى سابق