رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نستفيد من 5.5 مليار جنيه قيمة زكاة عيد الفطر؟


مليارات الدولارات المنفقة سنويا فى شكل زكاة وصدقات «ليست فعالة إلى حد كبير»، لأن أصحابها لا يهتمون بمتابعة تلك الأموال التى لا يدفعونها «إلا لكونها واجباً دينياً».

إن الحكومة المصرية قدرت المبالغ المالية التى تم التبرع بها للجمعيات الخيرية عام 2012 بـ 5.5 مليار جنيه، فى الوقت الذى يقدرها فيه آخرون بضعف هذا المبلغ، والذى يمكن من خلاله انتشال جميع المهمشين فى مصر تقريبا من براثن الفقر.

إن المسلمين ينفقون سنويا ما بين 200 مليار وتريليون دولار على «الصدقات الإلزامية والطوعية» فى كل أنحاء العالم، تمثل 15 ضعفا من المساهمات المقدمة للإغاثة الإنسانية العالمية عام 2012، فى ظل تناقص مساعدات المانحين الغربيين التقليديين فى أعقاب الركود الاقتصادى.

إن مليارات الدولارات المنفقة سنويا فى شكل زكاة وصدقات «ليست فعالة إلى حد كبير»، لأن أصحابها لا يهتمون بمتابعة تلك الأموال التى لا يدفعونها «إلا لكونها واجباً دينياً، أو إثبات أنهم طيبون»، مطالبا بأن يتم التعامل مع تلك الأموال بذكاء، وفاعلية، من خلال التحول فى ثقافة الإنفاق، بدلا من العطاء التقليدى السخى إلى العطاء الاستراتيجى، وتوجيه المال نحو التنمية.

إن هناك دواعى وآثاراً كثيرة متعلقة بقانون الزكاة منها الدواعى الشرعية والمالية والتنظيمية، فأما الأولى فإن الزكاة ركن من أركان الإسلام لقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً»، كما أنها عبادة مالية جاء الأمر بها قرين الأمر بالصلاة فى أكثر من موضع بالقرآن مثل قوله - تعالى -: «وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة»، وبما أن واجب الدولة كما يقرر علماء الإسلام «حراسة الدين وسياسة الدنيا»، فإن إقامة الزكاة فى المجتمع تدخل فى واجب حراسة الدين مما يتطلب من الدولة القيام بشئون الزكاة وذلك لا يكون إلا بقانون ينظمها·ولما كان - سبحانه وتعالى - غنياً عن الخلق، فإنه أمرهم بأن يعطوا حقه فى المال إلى عباده المحتاجين لقوله - تعالى -: «وآتوهم من مال الله الذى آتاكم»، ولذا جاء قول علماء الإسلام «إن حق الله فى التصور الإسلامى هو حق المجتمع وحيث إن الحكومة مسئولة عن شئون المجتمع لذا يصبح من واجباتها العمل على تحصيل حق الله فى مال الأغنياء وإيصاله إلى المحتاجين من أبناء المجتمع وذلك لا يكون إلا بقانون ينظم ذلك·يقول - سبحانه وتعالى - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - باعتباره رأس الأمة وحاكم الدولة فى حياته: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها»، وهذا خطاب عام لكل حاكم وليس خاصاً للنبى - صلى الله عليه وسلم - كما يدَّعى البعض وفى ذلك يقول القرطبى فى تفسيره: أما قولهم إن هذا خطاب للنبى فلا يلحق به غيره فهو كلام جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة متلاعب بالدين وبالتالى فالواجب على الحكومة طبقاً لهذا الأمر الإلهى القيام بشئون الزكاة جمعاً وتحصيلاً وهو ما قام به الخلفاء الراشدون ومن بعدهم من الحكام فى عصر الحضارة الإسلامية ويحفظ لنا التاريخ أنهم نظموا ذلك وأنشأوا المؤسسات لإدارة الزكاة مثل ديوان الزكاة وبيت مال الزكاة وفى الوقت المعاصر توجد الكثير من الدول الإسلامية التى تطبق الزكاة من خلال مؤسسات حكومية تشرف عليها، مثل السعودية واليمن وباكستان وليبيا وماليزيا فلا أقل من أن تتولى الحكومة المصرية فيها شئون الزكاة .. والبداية لذلك إصدار قانون للزكاة·إن الزكاة تمثل حقاً معلوماً وهذه المعلومية والخصوصية تتطلب أسساً وقواعد تحدد المال المزكى وقدر الزكاة فيه ومن تصرف إليهم الزكاة ولو لم تراع هذه المعلومية والخصوصية، فإنه يكون ثمة خطأ فى الزكاة لا يسقط الفريضة عن المسلم، وبالقانون تتحقق الخصومية والمعلومية·إن الزكاة تمثل أهم الأدوات المالية لمعالجة مشكلة الفقر والاحتياج وهذا يظهر فى أن 25% من الزكاة مخصص مباشرة للفقراء والمساكين هذا إلى جانب أن مصارف المؤلفة قلوبهم والرقاب والغارمين وابن السبيل مشروطة بألا يكونهؤلاء لهم 50% من الزكاة، وبالتالى يتبين أن75% من الزكاة يوجه لعلاج الفقر، ومن حكمة الله - سبحانه وتعالى - أن جعل الزكاة مورداً إلزامياً ثابتاً ومستمراً لا يتأثر بما يمكن للدولة توفيره من دعم، وإذا كان الفقر يتزايد فى العصر الحاضر على مستوى العالم الذى بلغ فيه مستوى الفقر نحو 50% من عدد سكانه أو على مستوى مصر الذى بلغ حسب الأرقام الرسمية نحو 25% ورغم ما تخصصه الحكومة لعلاج الفقر وهو نحو 12مليار جنيه، فإنه لا يكفى، وإنه رغم إخراج بعض المسلمين زكواتهم طوعاً فإنه يوجد عدد آخر منهم لا يزكون أموالهم مما يخل بالتوازن فى مشاركة المواطنين فى الأعباء المالية العامة، الأمر الذى يتبين ضرورة قيام الحكومة بشئون الزكاة·ـ تتمثل هذه الدواعى والأسباب فى النقاط التالية:

إن المسلمين فى مصر يخرجون زكاتهم إما بأنفسهم أو من خلال بعض المؤسسات التطوعية مثل: لجان الزكاة ببنك ناصر، والجمعية الأهلية الخيرية والبنوك الإسلامية أو بعض الجهات التى تطلب ذلك مباشرة عن طريق الإعلان، وفى ظل هذا الأسلوب لا تحقق الزكاة أغراضها، إذ تظل عملية الجمع بحصول كل مؤسسة على مبالغ متفرقة فضلاً عن عدم التنسيق بين هذه المؤسسات، أما فى ظل التنظيم والإلزام الذى يتوخاه مشروع القانون، فإنه يمكن الوصول إلى حصيلة أكبر يمكن بواسطتها تحقيق أغراض الزكاة بكفاءة وفاعلية، حيث يتم صرف الزكوات الآن بطريقة عشوائية حيث لا يتم استيعاب جميع الأصناف المقرر شرعاً صرفها إليهم، إلى جانب وجود مجموعة من محترفى الحصول على الزكاة من الأفراد والمؤسسات القائمة ويحرم منها المتعففون، الأمر الذى يتطلب تنظيم ذلك من خلال قانون وإدارة حكومية تشرف على تنفيذه.

■ أستاذ القانون الدولى