رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب اليمني علي المقري: مسألة الخمر في الإسلام لم تحسم (حوار)

الكاتب اليمني علي
الكاتب اليمني علي المقري

علي هامش مشاركته في أعمال المؤتمر السنوي الأول لمؤسسة تكوين الفكر العربي تحت عنوان "خمسون عاما على رحيل طه حسين: أين نحن من التجديد اليوم؟"، وخلال زيارته القصيرة للقاهرة، التقت “الدستور” بالروائي اليمني علي المقري، حول مسيرته الإبداعية ما بين الشعر والسرد والروائي، والمنتج الفكري.

"علي المقري"، شاعر وروائي يمني، يعيش في باريس. ولد في تعز عام 1966. له العديد من الإصدارات الراوئية نذكر منها رواية "حُرمة" والتي أثارت جدلا واسعا فور نشرها، نال عنها المقري اتهامات أقلها الترويج للإباحية، بل ولم يسلم من تناولها نقديا من المطاردة والقمع كما حدث للأكاديمي اليمني “أحمد العرامي” والذي فصل من الجامعة علي خلفية تدريسه للرواية في الجامعة.

وفي جعبة “علي المقري”، الكثير من التوترات والقلاقل التي أثارتها أعماله الأدبية والفكرية، ومنها كتابه “الخمر والنبيذ في الإسلام”، والذي ذهب من خلاله إلى أن هذا الأمر لم يحسم بنص قرآني كما يظن، فضلا عن روايته “اليهودي الحالي” والتي تتناول قصة حب بين فتاة مسلمة وشاب يهودي، كما صدر له روايات "بخور عدني"، "طعم أسود.. رائحة سوداء"، “بلاد القائد”.

فاز علي المقري بالعديد من الجوائز والتكريمات، من بينها جائزة التنويه الخاص الفرنسية عن المعهد العربي للرواية ومؤسسة جان لوك لاجاردير في باريس عن روايته "حُرمة" في ترجمتها الفرنسية الصادرة عن دار ليانا ليفي في العام 2015، وفي نفس العام ــ 2015 ــ وصلت روايته “بخور عدني” إلي القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد للكتاب، كما وصل إلى القائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية في عامي 2009 و2011، ترجمت أعماله إلى الفرنسية والإنجليزية والإيطالية والكردية وغيرها.

في مسيرتك وكتاباتك حقل ألغام بدءا من كتاب "الخمر والنبيذ في الإسلام" مرورا باليهودي الحالي وليس انتهاء برواية "حرمة". هل كانت هناك قصدية في اختيار الأرض المفخخة هذه للسير فيها؟

الحقيقة لا أقوى على فعل التصادم وحدّيته، أفضل التحاور عن كلّ شيء. فما يظنّه البعض فعل جرأة أو منطقة محرّمة لا يجوز النقاش حولها أراه أنا من زاوية مختلفة، فهذه المواضيع موجودة في التراث الإنساني ومنه التراث العربي الإسلامي كما صار محل اختبار في كثير من الثقافات والمسألة في تصوري تتعلّق حول ماذا يمكن أن نضيف إلى ما أنجزه الآخرون، وهل مثل هذه الكتابات تختبر حيوات إنسانية علينا أن نضيئها في الكتابة أم لا.

في روايتك “اليهودي الحالي” قصة حب بين فاطمة المسلمة وسالم اليهودي، تري لو أعدت كتابة هذه الرواية في الوقت الحالي ــ بعد أحداث 7 أكتوبر في غزة ــ هل تبقي علي هذا الخط السردي أم تغيره؟

 

على العكس، أرى أن رواية "اليهودي الحالي" تُقرأ الآن أكثر من أي وقت مضى بسبب ازدياد حدّية الصراع وعدم وجود أفق واضح للخروج من إشكاليات التطرف الديني والسياسي، وقد رأينا أثناء الحرب الأخيرة أن الجميع يعود إلى نصوصه الدينية ليبرر مسار معركته.

الرواية في اضاءتها للعلاقة الحادة والمتعصّبة بين اليهود والمسلمين في اليمن من خلال قصّة حب تختبر إشكالية التطرف والتناحر في أي مجتمع أو ثقافة أخرى.

هوجمت روايتك "حُرمة" واتهمت بالإباحية، حدثنا عن كواليس هذه المعركة ومن أين جاءتك فكرة الرواية وهل وصل للمتلقي ما كنت تبتغيه من فكرتها؟

أظن أن الرواية وصلت لكثير من القراء رغم منعها في معظم البلدان العربية، أمّا الاتهامات فهي معتادة من واقع كان لرجل الدين سطوة فيه، بحجّة أنه يحمي القيم الدينية، فيتدخل في كلّ تفاصيل حياتنا، بل إنّه يريد أن يدخل أدمغتنا ليعرف ماذا نفكر.

لم تقتصر حملة التكفير ضدي ككاتب فحسب، بل شملت بعض من تناولها بالدرس الأكاديمي كما حصل للأستاذ “أحمد العرامي” الذي تعرّض للتهديد والفصل من الجامعة في اليمن بسبب اقتراحه على طلابه دراسة هذه الرواية.

وكما أشرت أنتِ أن الاتهام يذهب نحو الإباحية لأنها تعالج إشكالية الكبت أو القمع الجنسي، ويغفلون تناول الرواية أيضا لمشكلة تحقق الوجود الإنساني من خلال حال المرأة وتطرّف الجماعات الدينية.

لما تعمدت أن لا تحمل بطلة روايتك "حُرمة" اسما؟ وإلي أي مدي تعكس حال المرأة العربية عامة والمرأة في اليمن خاصة؟

المرأة في معظم المجتمعات الإسلامية لا اسم لها ودائما تلحق باسم زوجها أو ابنها، كما هي تصبح في الواقع على الهامش، كأنّها شيء وجد للمتعة لا يمكن أن يتحقق وجودها في أي مجال.

في روايتك “طعم أسود.. رائحة سوداء” تناولت طبقة من المهمشين وهم السود في اليمن، ما أصل هذه الفئة ومن أين جاءت وما أسباب تهميشها، وكيف تتبعت مسيرتهم لتحيط بصورة كاملة للكتابة عنهم؟

لا تبحث الرواية عن أصول هذه الفئة/الطبقة، بل تحاول أن تفكك هذا الوهم، وهم الأصل. فليست المشكلة في أصل هؤلاء الناس وإنّما في مدى تحقق وجودهم، هل يعيشون كأناس لهم حرّية الحياة مثلهم مثل الآخرين، وهل ما يسمى بالوطن يتضمن حقّهم في العيش فيه دون قهر أو تهميش.

دعني أوجه إليك ما استهللت به كتابك “الخمر والنبيذ في الإسلام" في الكتاب، لما هذا الموضوع الشائك والذي ستكون أول كلمة فيه: ”لقد حسم بنص قرآني"؟

لا، لم تحسم مسألة الخمر والنبيذ في الإسلام وهي محل خلاف سواء في الأصول النصية أو في آراء الفقهاء، والمشكلة أن ذهنية التحريم هي التي طغت في معظم القراءات للتراث الإسلامي من خلال محاولاتها تغييب الجانب الآخر الذي يؤكد على الاختلاف والجدل، وهذا ما أبينه في الكتاب إذ أضييء ما تم تغييبه عبر عودتي إلى المصادر والمراجع.

هل توقعت حملة تكفيرك إثر نشر كتابك “الخمر والنبيذ في الإسلام"؟ أو حتي اتهامات خدش الحياء وإشاعة الإباحية علي خلفية رواية "حُرمة"؟

كل شيء كان يمكن أن يتوقع من رجال الدين بسبب تدخلاتهم في عموم الحياة الاجتماعية.

قلت أن الأدب لا يحتاج إلي نصائح، ألا يحتاج علي الأقل خطوط عريضة للانطلاق؟

هذه الخطوط العريضة أو الطويلة يقوم بها وينجزها الكاتب نفسه. صحيح أنه يتعلّم من خبرات الآخرين الذين يتحدثون عن تجاربهم، لكنّه في فعل الكتابة يبقى وحيدا، كما قال ماركيز مرّة.

حصلت عن روايتك "حُرمة" بترجمتها الفرنسية على جائزة التنويه الخاص من جائزة معهد العالم العربي للرواية ومؤسسة جان لوك لاجاردير في باريس 2015. كما ترجمت رواياتك إلى عدة لغات.إلي أي مدي تسهم الترجمات للغات غير العربية في تعريف الأدب العربي وكتاباتك بشكل خاص للعالم الغربي؟

ترجمات الروايات تبدو لي مهمة جدا، فهي من أكثر الوسائل التي تُعرّف بالمجتمعات الإنسانية إضافة إلى تجارب الخبرات الفردية.

وحين تزور أي مكتبة في أوروبا مثلا وترى الزاوية الخاصة للأدب العربي تشعر بمدى أهمية الأدب وترجمته في العلاقات بين الثقافات.

وصلت روايتك “اليهودي الحالي” للقائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية عام 2011، كما وصلت قبلها رواية "طعم أسود رائحة سوداء" للقائمة نفسها، واختيرت "بخور عدني" في القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2015. ماذا تعني لك الجوائز، وهل ترمم الوضع المادي للمبدع الذي اعتبرته يعيش تحت خط الفقر؟

بالطبع الجوائز مهمة جدا للكاتب، فهي تشجّعه على مواصلة الكتابة، خاصة في جانبها المادي. في مختلف بلدان العالم هناك مؤسسات ترعى الكتّاب وتمنحهم مكافآت مالية للتفرّغ للكتابة إضافة إلى الجوائز والتقدير والتكريم وأظن أن الجوائز العربية بادرة أولى تستحق التشجيع.

بماذا تفسر ظاهرة الروايات التاريخية التي انتشرت مؤخرا بكثافة؟ وهل للجوائز الأدبية دخل؟

 

لا أظن أن هناك كثرة في كتابة الروايات التاريخية، فقد نجد في لغات أخرى دور نشر خاصة بهذا الجانب كما توجد دور خاصة بالروايات البوليسية والعلمية والعاطفية والجنسية وهو ما لا يوجد في العالم العربي، حيث التنوع في الرواية العربية ما زال ينقصه الكثير.

هل هناك مقومات للرواية الناجحة؟ إذا وجدت ما هي؟

أن تكتب بطريقة فنية جيّدة وأن تكتب بحرّية.

هل التطرق الى ثالوث السياسة الدين الجنس ضروري لنجاحها؟

العالم العربي واجه محرّمات أكثر من الثلاثي المعروف، لهذا أظن أن الرواية الجيّدة لا تتناول هذه المواضيع كنوع من الاثارة، ولكن يمكن تناولها كإشكاليات إنسانية.