رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

«منبعا الأخلاق والدين».. كتاب «برجسون» الذى ألهم أديب نوبل

هنرى برجسون
هنرى برجسون

يعد كتاب «منبعا الأخلاق والدين»، للفيلسوف الفرنسى الحاصل على جائزة نوبل للآداب هنرى برجسون، أحد أهم الكتب التى أثرت فى كثير من الكتّاب والمثقفين، وعلى رأسهم أديب نوبل المصرى نجيب محفوظ.

ففى كتاب «صفحات من مذكرات نجيب محفوظ»، للكاتب رجاء النقاش، وهو الوثيقة أو الكتاب الذى يعد بمثابة المذكرات الرسمية لأديب نوبل، يقول «محفوظ» إن كتاب «برجسون» من أهم الكتب التى أثرت فى وجدانه، وإن شخصية «كمال»، بطل ثلاثيته الشهيرة، هى أقرب الأشخاص إليه فى الثلاثية، لأنه كان يعبر عنه وعن أفكاره وتحولاته فى فترة ما.

وإذا عدنا للثلاثية، سنجد أن «كمال» قال فى موضعين إنه يقرأ «منبعا الأخلاق والدين»، وإنه من الكتب المهمة فى مكتبته، التى كوّنت أفكاره الفلسفية، وكل هذا للدلالة على أهمية الكتاب، الذى يعد آخر أعمال أحد أشهر الفلاسفة الفرنسيين، وأكثرهم تأثيرًا فى النصف الأول من القرن العشرين.

فى الكتاب، يقسم «برجسون» الأخلاق لنوعين: أخلاق مغلقة وأخرى مفتوحة، الأولى مرتبطة بالدين السكونى، والثانية بالدين الحركى.

ويوضح أن النوع الأول يسمى أخلاقًا مغلقة، لأنها منغلقة على جماعة من البشر، وفيها يكون الالتزام الأخلاقى تجاه جماعة معينة، واعتبرها أخلاقًا لا تلائم العقل، لأنها من نتاج الغريزة. 

أما النوع الثانى، وهو الأخلاق المفتوحة، فهى تشمل كل إنسان، وتعد أرقى، لأنها ناتجة من إبداع الوعى والعقل البشرى الخالص.

أما الدين السكونى، بحسب «برجسون»، فهو غريزى، وُجِدَ كرد فعل آلى تجاه الطبيعة، وهدفاه الأساسيان هما بقاء المجتمع متماسكًا والتغلب على فكرة الموت، وهذا على خلاف الدين الحركى، الذى هو نتاج إبداع متطور، يهدف إلى السمو بالنفس والارتفاع بها حتى يبلغ ذروته فى الاتحاد بالله.

وبعيدًا عن المصطلحات المذكورة، يجنح «برجسون» فى كتابه لاعتبار الأخلاق الإنسانية سابقة للدين، أى أن الدين فى الأساس جاء ليكمل تلك الأخلاق التى ولدت فى الوعى البشرى، والتى جعلت البشر يصنعون الحضارات فى عصر ما قبل الأديان، وبالتالى يعتبر أن كل دين يأتى ليضيف إلى احترام المجموع واحترام الوعى البشرى ولا يخص جماعة بعينها بالفضيلة والأخلاق.

ويقول إن العلاقة بين مفهومى الأخلاق والدين تبدو ملتبسة، فمنذ وجود الإنسان لا يوجد مجتمع بلا أخلاق، وبالتأكيد لا يوجد مجتمع بلا دين، فقد نرى مجتمعات إنسانية لا حظ لها من علم أو فن أو فلسفة، ولكننا لا نعرف قط مجتمعًا لا دين له.

وفى كتابه، لا يقدم «برجسون» نظرة متعالية أو غير واقعية، إذ يعتبر أنه على الإنسان أن يوائم ويختار بنفسه هذه المعايير التى تنتصر لإنسانيته، سواء من الأخلاق أو الدين، لأن كليهما جاء، من المفترض، لخدمة ورفعة الإنسانية.

ويشتبك «برجسون» مع حقيقة أن كل الأديان تدعو إلى التوحيد، حتى ولو كانت شركية أو وثنية، ويقول: «قلنا إنه لم يكن هنالك شرك نهائى إلا فى الاعتقاد بالأرواح، وإن الوثنية الحقيقية، على ما فيها من أساطير، تنطوى على توحيد كامن، والآلهة المتعددة آلهة ثانوية لم توجد إلا تمثيلًا لما هو إلهى بوجه عام».