رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الأمن الغذائى المستدام.. ما الجدوى الاقتصادية من مشروع مستقبل مصر؟

الرئيس السيسي خلال
الرئيس السيسي خلال افتتاح المرحلة الأولى من موسم الحصاد

أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال افتتاحه المرحلة الأولى من موسم الحصاد بمشروع مستقبل مصر الإثنين ١٣ مايو، أن حجم النمو السكاني الموجود داخل الدولة لا يتناسب مع حجم النمو الزراعي، وهو السبب الذي دفع الدولة للعمل على خطة واضحة نحو تنمية القطاع الزراعي من خلال تسخير كل الإمكانات المتاحة للمشروع، والتصدي لكل التحديات، والتي من بينها كيفية الاستخدام الأمثل للمياه والسيطرة عليها حتى لا يتم استخدامها بشكل جائر.


فقد حرصت القيادة السياسية منذ عام ٢٠١٤ على وضع رؤية واضحة نحو التنمية الزراعية باعتبار ملف الزراعة هو أولوية الحكومة لتحقيق حياة أفضل للمواطنين، فقد شهد "القطاع الزراعي" لتنفيذ الكثير من المشروعات القومية، ومن أهمها مشروع "مستقبل مصر للإنتاج الزراعي" والذي بدأ التفكير فيه في يوليو ٢٠١٧ حينما وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي بالبدء في تنفيذ المشروع لتوفير منتجات زراعية ذات جودة عالية وبأسعار مناسبة للمواطنين، وتصدير الفائض للخارج مما يسهم في تقليل الاستيراد، وتوفير العملة الصعبة في إطار تحقيق أهداف التنمية المستدامة ٢٠٣٠.


ويعد المشروع أحد أهم مشروعات الدولة ضمن استراتيجيتها للعظيم الفرص الإنتاجية الكاملة في مجال استصلاح الأراضي والإنتاج الزراعي، معتمدًا في توفير الموارد المائية على المحطات التي تمت إقامتها لمعالجة مياه الصرف الزراعي ويتوقع أن تصل مساحة الأراضي المستصلحة إلى ٤.٥ مليون فدان بحلول عام ۲۰۲۷ مستهدفا تدعيم ملف الأمن الغذائي وتخفيض فجوة الاستيراد من السلع الاستراتيجية، وذلك لمجابهة الاضطرابات المتلاحقة وتداعياتها السياسية والاقتصادية منذ جائحة كورونا التي أدت إلى تباطؤ الاقتصاد والتعافي منها ببطء، مؤثرة على سلاسل الإمداد ورفع سعر الشحن وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي جعلت الصورة أكثر تعقيدًا، وما تبعتها من موجات تضخم لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.


ولم تكن مصر بمنأى عن هذه التأثيرات، ومن هنا برزت أهمية توجه الدولة منذ سنوات للتدخل والاستثمار في استصلاح الأراضي وإقامة مشروعات قومية كبرى من أجل حماية الأمن الغذائي المصري ذاتيا، وفي هذا الصدد دشنت الدولة عدة مشاريع زراعية قومية من أهمها:

مشروع مستقبل مصر.. يقع على امتداد طريق محور روض الفرج- الضبعة الجديد، وهو الطريق الذي أنشئ ضمن المشروع القومي للطرق بطول ١٢٠ كم، وعمق ١٠: ٧٠ كم، ويبعد ٣٠ دقيقة عن مدينة السادس من أكتوبر. وقسم المشروع إلى ٦٠ طريقا طوليا، و٣٥ طريقًا عرضيا مقسمة إلى قطع متساوية كل قطعة ١٠٠٠ فدان، ويعد المشروع قاطرة مصر الزراعية وباكورة مشروع الدلتا الجديدة؛ لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض.

وقد تعددت مشروعات جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة، فكانت أساسًا لدلتا مصر الجديدة وامتدت حتى المنيا وبنى سويف والفيوم وأسوان والداخلة والعوينات؛ لتحقيق حلم ٤٫٥ مليون فدان بحلول عام ۲۰۲۷. ويعتمد جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة على الزراعة بأنظمة الري المحوري والري بالتنقيط والزراعة تحت الصوب بأنظمة وتكنولوجيا الري الحديث؛ للحفاظ على المورد المالي.

وتبلغ التكلفة الإجمالية للمشروع ٨ مليارات جنيه تشمل تمهيد الطرق الداخلية بإجمالي طول نحو ٥٠٠ كيلو متر وعرض ١٠ أمتار، وحفر آبار مياه جوفية، وإنشاء محطتين للكهرباء بقدرة ٣٥٠ ميجاوات، وإقامة شبكة كهرباء داخلية بطول ۲۰۰ كيلو متر، يتم ربطها بشبكة كهرباء الدلتا الجديدة، ومخازن مستلزمات الإنتاج ومبان إدارية وسكنية، وقد تعددت مشروعات جهاز مستقبل مصر للاستصلاح الزراعي:

- مشروع المنيا وبنى سويف.. البدء في تنفيذ مشروع استصلاح وزراعة ٦٢ ألف فدان بتنفيذ مسارى ترع في المنيا وبنى سويف، ويحتوي المشروع على ١٠٩ كيلو مترات ترع مكشوفة، و٤ محطات رفع وطرق بإجمالي ٥٤٠ كيلو مترا، و١٫٠٨٦ شبكة مواسير فرعية، منها ٧٦٥ كلم في المنيا و۳۲۱ كيلو مترا في بنى سويف مشروع الداخلة.. العوينات بالتنسيق مع وزارة الموارد المائية والري، تم البدء في تنفيذ المرحلة الأولى بمساحة ١٥٠٠٠ فدان، كما يجرى حاليا التجهيز للبدء في المرحلة الثانية بمساحة ٢٠٠ ألف فدان إضافية، ويحتوي المشروع على ۱۳۲۰ بئرا، و٤٥ مولدا، و١٣٢٠ جهازا محوريا، و١٥٣ كلم طرق رئيسية، و٥٢٤ شبكة مواسير.

مشروع سنابل سونو بأسوان المشروع يضم مساحة ٩٠ كلم ترع مكشوفة، و١٥٤٣ بئرا، و۲۳۰۰ جهاز ري محوري، و٢ محطة رفع، و و٨٥ بوسترا، و٣٧٠ كيلو متر طرق رئيسية، و٤٤٠ كلم طرق فرعية، و١٣٢٦ شبكة مواسير فرعية.

مشروع اللاهون لتعظيم الاستفادة من المورد المائي والاستغلال الأمثل للمياه، تم تنفيذ المشروع على مساحة ۱۲۰۰۰ فدان بطاقة ١٧٠ ألف متر مكعب في اليوم.

- مشروع الكفرة جار دراسة التوسع في الرقعة الزراعية بمنطقة الكفرة، والتي تقع على الحدود الليبية جنوب غرب واحة سيوة.

وكانت التنمية شاملة تصم التنمية الزراعية- العمرانية- الحيوانية، فقد اهتم جهاز مستقبل مصر بمجال التصنيع الزراعي من أجل تحقيق الاستفادة القصوى والاستغلال الأمثل للموارد.

وقام بتنفيذ منطقتين صناعيتين، الأولى المنطقة الصناعية للدلتا الجديدة على مساحة ١٠٠٠ فدان، وتشتمل على مصنع العلف والبصل والثوم والخضار والفاكهة المجمدة والبطاطس نصف المقلية والسكر والنشا من مشروعات التصنيع الزراعي، ووصلت كميات الخام المستخدم في المرحلة الأولى من المنطقة الصناعية إلى نحو ٣ ملايين طن بإنتاج يصل إلى نحو ١٫٥ مليون طن منتجات سنويا.

وإقامة مجمع الصناعات الغذائية "قها وإدفينا"، الذي يحتوي على صناعات العصائر والبقوليات والوجبات الجاهزة والصلصلة بطاقة استيعابية ٤٧٠ ألف طن خام، وبإنتاج يصل لنحو ٥٥٠ ألف طن منتجات سنويا.

وفي مجال التخزين، توسع جهاز مصر للتنمية المستدامة في التخزين الاستراتيجي المتمثل في صوامع تخزين الغلال بطاقة ٦٠٠ ألف طن وثلاجات تبريد وتجميد سعة ٩٠ ألف طن، وإنشاء السوق التجارية والبورصة السلعية، ليمثل ربطا لتداول المنتجات الزراعية بين الدلتا القديمة والجديدة على مساحة ٥٠٠ فدان، ويضم ۷۹۲ متجزا.

أما فيما يتعلق بالتنمية العمرانية، فقد تم التخطيط عمران منطقة الدلتا الجديدة وإنشاء أول مشروعات التنمية العمرانية الخضراء، حيث يجري حاليا تنفيذ مشروع بيئي متكامل يستند إلى مبادئ التنمية المستدامة والمجتمعات الخضراء، وإعادة التدوير في مجتمع صديق للبيئة، ويحتوي على صفر كربون، حيث التوسع في أنشطة مجابهة تغير المناخ.

الجدوى الاقتصادية للمشروع

زيادة مساحة الأراضي المنزرعة:

 يعمل مشروع مستقبل مصر للإنتاج الزراعي على زيادة مساحة الأراضي المستصلحة بداية من عام ٢٠١٨ لتصل إلى ٢٠ ألف فدان، وعام ۲۰۲۲ تصل إلى ٢٥٠ ألف فدان، وعام ٢٠٢٣ لتصل إلى ٦٠٠ ألف فدان، وعام ٢٠٢٤ لتصل إلى ألف فدان، وعام ٢٠١٥ لتصل إلى ١٫٧ مليون فدان، وعام ٢٠١٧ لتصل إلى ٤٫٧ مليون فدان، وهو ما يساعد بجانب المشروعات القومية الأخرى التي تقوم بها الدولة المصرية إلى زيادة مساحة الأراضي المنزرعة، وبالتالي زيادة حجم المحاصيل الزراعية وتقليل الصادرات.

تحقيق الأمن الغذائي:

 تنعكس الزيادة في مساحة الأراضي الزراعية بشكل إيجابي على الأمن الغذائي، خاصة في ظل وجود حالة من انعدام الأمن الغذائي في دول العالم، مثال ذلك خلال أزمة فيروس كورونا المستجد وما ترتب عليها من تشكيل خطر غذائي، وبالتالي فزيادة المحاصيل الزراعية المنتجة محليا يساعد في تغطية احتياجات السوق المحلية من الغذاء، وهو ما يؤدى إلى خفض الواردات المصرية، وزيادة المصدر منها مع مرور الوقت، وبالتالي خفض العجز في الميزان التجاري، كذلك القدرة على مواجهة نقص الغذاء أوقات الأزمات، وهو ما حدث بالفعل نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، وما ترتب عليها من ارتفاع أسعار السلع الغذائية بشكل كبير بات يهدد الأمن الغذائي العالمي وليس على المستوى المحلى فقط.

ساهم جهاز مستقبل مصر في الفترة من ٢٠١٨-٢٠١٤ إلى زيادة الإنتاج في السلع الزراعية الاستراتيجية، وعلى سبيل المثال محصول القمح ساهم مستقبل مصر ١.١٠٠ مليون طن خلال الست سنوات، وكذلك محصول بنجر السكر بـ ٢.٥ مليون طن، والذرة بـ ١٤٤ مليون طن، ومحصول البصل بـ ٢٫٤ مليون طن، ومحصول البطاطس بـ ٢ مليون طن.

وعلى صعيد الثروة الحيوانية في ظل ما تواجه من تحديات من انخفاض تكاليف الإنتاج في الدول التي تستورد منها، وذلك بسبب توافر المراعي المفتوحة المعتمدة على الأمطار فقد بلغ استهلاك مصر من اللحوم الحية والمجمدة ما يقرب من مليون طن، وتنتج مصر ٥٠% من حجم الاستهلاك، وعليه ساهم الجهاز في زراعة المحاصيل من خلال إنشاء مزارع تسمين بـ ۱۸ ألف رأس ماشية في الدورة الواحدة، ومجازر بمحافظات دمياط والسويس والإسماعيلية، و٣٦٠ ألف رأس، بالإضافة إلى مصنع علف ينتج ١٥٠ ألف طن سنويًا.

توفير السلع بأسعار مناسبة للمواطنين:

ما يترتب على النقطتين السابقتين هو توفير المحاصيل الزراعية بأسعار أقل للمواطنين، لأنه كلما زاد العرض من السلع أدى إلى خفض أسعارها، بالإضافة إلى انعكاس تكاليف الإنتاج والنقل أيضًا على أسعار السلع، وبالتالي فإن مشروع "مستقبل مصر" وغيره من مشاريع الاستصلاح الزراعي تساعد على زيادة المعروض من السلع الزراعية المنتجة، وبالتالي خفض أسعارها في الأسواق، بما يوفر هذه السلع بأسعار أقل للمواطنين.

توفير فرص عمل بالقطاع الزراعى:

يعمل المشروع على توفير أكثر من خمسة آلاف فرصة عمل للمواطنين في تخصصات مختلفة سواء المباشرة أو غير مباشرة بحلول عام ٢٠٢٥ لجميع الأنشطة المتنوعة التي يوفرها المشروع من خلال الاشتراك مع العديد الشركات الزراعية المتخصصة من القطاع الخاص، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على تقليل معدلات البطالة في مصر.