رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اللواء هشام الحلبى: الفلسطينيون فى 7 أكتوبر ابتكروا أساليب غير نمطية فى الحرب واختاروا توقيتها لكنهم لم يحسبوا متى وكيف تنتهى

اللواء هشام الحلبى
اللواء هشام الحلبى

أكد اللواء طيار هشام الحلبى، مستشار الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية، أن المنطقة العربية تعانى من ٣ مشاريع، هى الصهيونى والفارسى والعثمانى، وتواجه حروبًا غير نمطية منذ عام ٢٠١١ لإسقاطها مدنيًا، كما حدث مع الاتحاد السوفيتى السابق، مشيرًا إلى أن معاناة مصر الاقتصادية ليست عفوية، وإنما تأتى لكونها تقع بين مراكز الثقل العربية، وفى ظل استهداف العدو لمشروعها التنموى، كما حدث فى عام ١٩٦٧.

وأوضح الخبير الاستراتيجى، خلال حديثه لبرنامج «الشاهد»، الذى يقدمه الإعلامى الدكتور محمد الباز على فضائية «إكسترا نيوز»، أن القوات المسلحة المصرية تتداخل مع القطاعات المدنية المستهدفة من الحروب غير النمطية لرفع وعيها بمقتضيات الأمن القومى، فى ظل استراتيجية إعلامية خارجية تعمل على خلق «تيه التفاصيل» بدلًا من «عين الطائر» التى توضح كل شىء.

وأضاف أن مصر تنمى نفسها لتحقيق الردع، وتراعى الأبعاد العسكرية والسياسية والاقتصادية والإنسانية فى حرب غزة، خاصة أن الفلسطينيين فى عملية يوم ٧ أكتوبر ابتكروا أساليب غير نمطية فى الحرب، واختاروا توقيتها أيضًا، لكنهم لم يحسبوا متى وكيف تنتهى.

■ من خلال خلفيتك العسكرية.. ما تأثير الحروب على الاقتصاد والأمن والمجتمعات؟

- الحرب علم معقد، لا يختص فقط بالقوات المسلحة، وفقًا للفكرة المغلوطة فى الفترات الماضية، بل يجب أن ندرس جميعًا الحرب على اختلاف التخصصات، سواء كنا عسكريين أم مدنيين، فالاقتصاديون يدرسون الحروب، ودارسو علم الاجتماع يدرسونها أيضًا.

وهناك مقولة لأحد أشهر الخبراء العسكريين يقول فيها إن الحرب هى السياسة، ولكن بوسائل أخرى، أى أننى أحقق شيئًا بالحرب وشيئًا بالسياسة، ومن الخطأ أن أدرس الحرب منفردًا كعسكرى، بل لا بد أن أشرك معى المدنيين فى ذلك، فهى تدخل فى تخصصات كثيرة فى الدولة، فضلًا عما حدث من تغيير كبير فى أشكال الحروب والصراعات.

وهناك أشكال كثيرة من الحروب، منها الحروب التقليدية بين الجيوش النظامية التى تمتلكها دول كاملة السيادة، مثل حرب روسيا وأوكرانيا، والحربين العالميتين الأولى والثانية، والتى تهدف إلى تدمير القوات المسلحة للدولة المستهدفة، لأن القوات المسلحة هى أقوى قطاعات الدولة، وهذا مثلًا ما حدث فى حرب ٦٧، لكن هذا الأمر أصبح يكلف تكلفة رهيبة.

ولذلك، حدث تغيير كبير فى أشكال الحروب والصراعات، لأن تكلفة الطائرة وحدها بدون ذخيرة هى ١٠٠ ألف دولار، ثم تحمل ١٧ ألف كيلو من القنابل، ووزن القنبلة ٢٠٠ كيلو، وسعرها ٢ مليون دولار، وهناك مقولة لأحد رؤساء أمريكا قال فيها إنه بثمن قاذفة قنابل أمريكية مجهزة بالأسلحة يمكن إنشاء ٣٠ مدرسة تكنولوجية كاملة التجهيز.

ولهذا جاء البحث عن شكل آخر للحروب، وهو استهداف القطاع المدنى، لأن انهياره يؤدى لانهيار الدولة، والنموذج الواضح هو انهيار الاتحاد السوفيتى السابق دون طلقة واحدة، رغم ما لديه من أسلحة نووية ومصانع استراتيجية، فقد فككوا وتلاعبوا بهذا القطاع، ما أدى للانهيار.

■ هل تعانى المنطقة حاليًا من تطبيق هذا النوع من الحروب غير التقليدية؟

- نعم، فهذا الفكر الجديد يتم توجيهه للمنطقة العربية عبر التأثير المباشر على المجتمعات، والعمل على انهيارها وإيقاعها فى صراعات داخلية، وهذا ما يتم تخطيطه منذ عام ٢٠١١، وهو يأخذ وقتًا طويلًا، لأن هذه الحروب تأخذ عدة أجيال، فالغرب بدأ تنفيذها مع الاتحاد السوفيتى منذ الحرب العالمية الثانية ١٩٤٥ وحتى عام ١٩٩١، أى أنه استغرق ٤٦ سنة. 

والوعى مهم جدًا فى هذه المرحلة، فلا بد من توعية القطاع المدنى بأشياء لم يكن يدرسها، وهذه نقطة مهمة جدًا، فالقوات المسلحة عندما تدخل فى كل القطاعات المدنية فهى تدخل لرفع الوعى بكل مقتضيات الأمن القومى، لوعيها بأن الحروب الجديدة تستهدف هذه القطاعات.

وهذا التداخل يأتى لدعم الأمن القومى، وهو تداخل مقصود بعد ٣٠ يونيو، والرئيس عبدالفتاح السيسى طالب بتدريس الأمن القومى للمدنيين فى الأكاديمية العسكرية، للتوعية بصورة علمية بالأمن والاستراتيجيات، والقوات المسلحة تقوم بمنظومة وعى متكاملة فى كل قطاعات الدولة.

والنقطة الثانية هى أنه عندما يكون هناك جزء معرض للانهيار فى القطاع المدنى فإن القوات المسلحة تتدخل وتعمل على عدم انهيار هذا القطاع ورفع كفاءته، لأن الاستهداف للقطاع المدنى هو استهداف اقتصادى ومجتمعى وسياسى وثقافى عبر أخلاقيات معينة، وتغيير مستمر لمنظومة القيم نحو الأسوأ، وهذا يتم بصورة بطيئة جدًا تستمر لعقود، ولا يستطيع أحد أن يدركه إلا إذا كان دارسًا للموضوع.

ونموذج الاتحاد السوفيتى أمام الجميع، ولا بد لمواجهته من توافر منظومة وعى مستمرة وعلمية، تناسب كل المستويات فى المجتمع، ويحتاج لدعم مستمر من القوات المسلحة والإعلام وباقى قطاعات الدولة.

■ كيف تنظر لدعوات تظهر فى المجتمع المصرى للدخول فى حروب لمواجهة أزمات مثل سد النهضة وفلسطين؟

- أثمن دعوات المواطنين للتفكير فى حلول للمشكلات، ولكن هناك بعض المشكلات تكون الحرب هى أسوأ الحلول لها، فلو كنت سأحارب فى غزة، فإننى سأحارب إسرائيل على أرض فلسطين، فالموجة الانفجارية للقنبلة التى ستسقط على إسرائيل ستهدم بيوتًا ومنازل فلسطينية، والسؤال الاستراتيجى الأهم هو: هل الحرب فى غزة ستحل القضية الفلسطينية؟، والإجابة بالطبع هى: لا.

وقد فطن الرئيس الراحل أنور السادات إلى أن السلام والحصول على الأرض هما عملية سياسية بالأساس، ولكن ترفضها إسرائيل، لأنها تحتل سيناء، فحارب أولًا، كهدف مرحلى، ثم استكمل المفاوضات بالسياسة، وهذا ما لم تفهمه الدول العربية، أى أنه استخدم السلاح للوصول لمائدة المفاوضات، فالحرب هى سياسة بوسائل أخرى، لأن تبعات الحرب أسوأ من تبعات السياسة.

ولذا عندما أعمل فى السياسة لا بد أن يكون لدىّ ظهير قوى من القوات المسلحة، وهذا ما حدث فى ملف التسليح فى الفترة الأخيرة، فالرئيس السيسى أصر على شراء الأسلحة الغالية لكى يحمى العمل السياسى والدبلوماسى، لأن العمل التفاوضى والدبلوماسى بدون ظهير عسكرى لن ينجح، ولن يحقق نتيجة.

والذى يجعل أمريكا تتحرك فى العالم كيفما تشاء هو أن خلفها ظهيرًا عسكريًا قويًا جدًا، فإذا فشلت السياسة يلجأ للحرب، والرئيس السادات فى كامب ديفيد كانت خلفه قوات مسلحة قوية، إذًا يجب أن يكون هناك ظهير قوى للدبلوماسية كى تحقق الردع، والتسليح يقنع الطرف الثانى بأنه سيخسر الحرب، وسيدفع ثمنًا غاليًا، ولكن إذا فشل الردع يكون مستوى القوات المسلحة هو ما يحقق الحسم.

القوات المسلحة المصرية تنمى نفسها لتحقيق الردع، ثم الحسم إذا فشل الردع، وهى ظهير للعمل الدبلوماسى والسياسى، وهذا مثلًا ما يجعل مصر وسيطًا قويًا فى المفاوضات الجارية الآن بين الإسرائيليين والفلسطينيين على صفيح ساخن، لأنها تقول للإسرائيليين إنه فى حالة دخول الفلسطينيين إلى سيناء ستسقط كامب ديفيد، لأن البند الثالث من الاتفاقية يقول بمنع التهديد المباشر وغير المباشر، لذا تكون إسرائيل متحسبة وحذرة، وتأتى للقاهرة للمفاوضات.

■ هل يعنى هذا أن الحرب والاستعداد العسكرى هما ما يحسم معادلة الردع؟

- العمل العسكرى هنا ضمن قوى كبيرة من ضمن قوى الدولة الشاملة، وكلما طال أمد الحرب تأثرت الدولتان، حتى الدولة المنتصرة منهما، لأن الدولة عندما تحارب تغلق المجال الجوى والموانئ، وكل سلاسل الإمداد تتأثر ويكون هناك نقص فى الصادرات والواردات، وكل هذا على حساب المواطن، أى أن الدولة كلها تحارب، ومثل هذه القرارات تضر المواطن، لأنها تحدث ارتفاعًا كبيرًا جدًا فى الأسعار، وهذا ما يضعه متخذ القرار فى اعتباره، لكنه يغيب عن ذهن المواطن فى كثير من الأحيان.

والمواطن لا يدرك أن سعر السلاح والذخيرة يرتفع بشكل كبير، وأن الذخائر وحدها تستغرق أموالًا كثيرة، فحرب أمريكا على العراق مثلًا كلفت أمريكا ٣.٥ تريليون دولار، والرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب كانت مهمته هى جمع الأموال استعدادًا للحروب، وكان هذا جزءًا من السياسة الأمريكية فى فترة ولايته السابقة ولمدة ٤ سنوات.

وإلى جانب ذلك، يجب أن يستعد الجيش المحارب لتأمين إمدادات الذخيرة ووقود المركبات وغذاء الجنود، وكل هذا يرفع من تكلفة المعيشة على المواطنين، وهذه التكلفة لا تعود مباشرة على الاقتصاد، لكن يكون لها مردود على الأمن القومى المصرى، ولا بد فيها من أن تكون القوات المسلحة جاهزة جاهزية عالية للحرب، بما يحقق الردع، ولو فشل الردع يتم حسم القتال لصالحى، وهذا ظهير قوى للعملين السياسى والدبلوماسى، وهذه هى المعادلة التى تحققها مصر.

■ ما رأيك فى قرار مصر السابق بإعمار غزة ورصد ٥٠٠ مليون دولار لها؟.. وما دور مثل هذا القرار فى تأمين العمق الاستراتيجى المصرى؟

- أنا أرى أن تأمين سيناء يبدأ من غزة، وهذا القرار كان بالطبع يصب فى مصلحة تأمين العمق الاستراتيجى، لأن الصراعات فى دول الجوار هى الأخطر على الأمن القومى لأى دولة، ويتم تأمينها، كما قلت، عن طريق الجاهزية للعمل العسكرى وتأمين الحدود، وهذا بالفعل متحقق.

أما النقطة الثانية اللازمة للتأمين فهى البعد السياسى، ويتم من خلال محاولة حل المشاكل بهذه الدول، أى الدخول كوسيط نزيه يحاول أن يوفق بين الأطراف، سواء فى السودان أو ليبيا، أو فى قطاع غزة ما بين حركة «حماس» وإسرائيل.

وبالإضافة إلى ذلك، فهناك مسار اقتصادى، وهذا مثلًا ما حدث فى أزمة غزة سابقًا وحاليًا، فالشاحنات التى تدخل إلى قطاع غزة- على سبيل المثال- عبر معبر رفح جزء اقتصادى بحت، ولكن، دعنى أقول إنه ليس من المقبول أبدًا أن تكون نسبة المساعدات التى دخلت من العالم بأكمله حوالى ٢٠٪ مقابل مساعدات إنسانية من مصر تمثل نسبتها ٨٠٪.

وأيضًا هناك البُعد الإنسانى، والمتمثل فى العلاج واستقبال المرضى فى المستشفيات، وغير ذلك، فهى كلها مسارات متوازنة تعمل مع التأمين العسكرى.

وبالتالى، يمكن أن نقول إننا نعمل على البعد العسكرى عبر الجاهزية المستمرة، وعلى البعد الإنسانى وفق خطة محددة، وأيضًا البعد الاقتصادى، المتمثل فى استمرار إرسال المساعدات، وكذلك البعد السياسى، فى محاولة التوفيق وحل المشكلات، وإيقاف الأزمة الراهنة، مثل الوصول لاتفاق مؤقت تمهيدًا لوقف نهائى لإطلاق النار، وكل ذلك يأتى قبل التفكير فى الحرب. 

والموقف المصرى فى حرب غزة يراعى الأربعة عناصر السابقة، العسكرى والسياسى والاقتصادى والإنسانى، ويسير فى الأربعة مسارات بقوة، ومصر هى عنصر فعال فى الأحداث وتوجهها لصالح المنطقة، ولكن الموضوع يتطلب وقتًا.

وفى حالة أخذ مسار الحرب على إسرائيل، فإننا بعدما ننتهى منها فسوف نلجأ إلى المسار السياسى مرة أخرى، لأن الحرب، كما قلت، أداة التحريك، ولكن كى ينتهى الموضوع نهاية لا رجعة فيها لا بد من الاتفاق السياسى، لأن الحرب ستصنع مسارًا طويلًا جدًا يمكن عبره تحقيق الهدف السياسى ولكن سيكون المسار محملًا بتراكمات الحرب. وهنا على القوى السياسية قبل اتخاذ قرار الحرب أن تسأل نفسها ٤ أسئلة مهمة، هى: متى سنُحارب؟.. وكيف؟ ومتى ستتوقف الحرب؟.. وكيف؟، فلا بد على أى دولة قبل أن تأخذ قرار الحرب أن تجيب عن هذه الأسئلة بكل شفافية واحترافية، وإلا ستطول الحرب وتتحول إلى صراعات داخلية.

■ من وجهة نظرك.. هل أجاب الفلسطينيون عن الأسئلة الأربعة الشائكة قبل تنفيذ عملية «طوفان الأقصى» فى ٧ أكتوبر الماضى؟

- فى سؤال متى تبدأ الحرب؟، كان التوقيت من اختيار الفلسطينيين، وكان مفاجأة، وبالفعل ضرب إسرائيل فى مقتل، وكان أسلوب الحرب «أى كيف» هو أيضًا من اختيارهم، وقد قاموا بأساليب جديدة ومبتكرة وغير نمطية فاجأت وأبهرت العالم، وجعلت الإسرائيليين فى حالة من عدم الاتزان فى هذا الوقت.

أما السؤالان الآخران، «أى متى تتوقف الحرب؟ وكيف؟، فلم تتم الإجابة عنهما، وما نتج عن عدم الإجابة عن هذه الأسئلة هو تدمير حوالى ٧٠٪ من قطاع غزة، وسقوط ٤٠ ألفًا من الشهداء من المدنيين، لأن إسرائيل اعتادت على الهدم وقتل المدنيين فى كل حروبها مع المنطقة».

■ لماذا نشعر بأن مصر تتأثر أكثر من غيرها بأزمات المنطقة؟

- المنطقة العربية بها ٤ مراكز ثقل استراتيجية؛ الأولى هى منطقة الشام، وتضم العراق، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، والأردن، وهذا المركز، الذى نسميه مركز الحضارة، تأثر تأثرًا شديدًا وسلبيًا بما حدث فى العراق، ثم فى سوريا ثم فى لبنان، وأيضًا فلسطين والأردن. أما مركز الثقل الثانى فهو الخليج، لأنه يعد مركز الأموال والطاقة؛ ويوجد به البترول والغاز، وهذا المركز يمكن أن يستثمر فى المنطقة العربية بحيث يكسب ويُكسّب، وهو أيضًا تأثر تأثرًا شديدًا بإشعال المركز الموجود فى الشمال، كما تأثر بشكل كبير بفتح جبهة بطول ١٧٠٠ كيلومتر فى اليمن، وكذلك بتضخم الخطر الإيرانى، أى أنه أصبح محاطًا بالخطر من ثلاث جهات؛ هى الشمال والجنوب والشرق. 

ومركز الثقل الثالث هو شمال إفريقيا، والوضع الأمنى المتردى فى ليبيا يؤثر عليه، أى على تونس والجزائر وكل شمال إفريقيا، أما مركز الثقل الرابع فهو الجنوب، ويتمثل فى السودان والصومال وجيبوتى.

وبالتالى، فإن مشكلة مصر هى أنها تقع ما بين مراكز الثقل الأربعة.

■ كيف يمكن التعامل مع تلك المخاطر؟

- المشكلة الرئيسية هى أن هناك ثلاثة مشاريع غير عربية موجهة إلى المنطقة العربية، الأول هو المشروع الصهيونى وهو يعمل منذ زمن، والثانى هو المشروع الفارسى وتقوده إيران، وهو يتدخل حاليًا فى العراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، والثالث هو المشروع التركى العثمانى القديم، الذى تُحاول تركيا إحياءه، حتى تأخذ ثقلًا لدى الاتحاد الأوروبى، وهى تعلن عن حاجتها لهذه المنطقة، وتقول إنها ستعطيهم كل ما يريدون من بترول وغاز، بشرط أن تسيطر هى.

ومن ثم، فإن المشاريع الثلاثة هى مشاريع غير عربية، وهى مرضى عنها بنسب من أوروبا وأمريكا، وبالتالى فإن أى صعود مصرى يعد ضربًا لهذه المشاريع الثلاثة، فمصر دولة قوية وإن كانت ليست غنية، لكن لديها قدرة عالية جدًا على التحرك غير النمطى وغير التقليدى لتحقيق أهدافها الاستراتيجية، والدليل على ذلك هو نموذج ١٩٧٣، والنموذج التنموى الموجود حاليًا، وبالتالى فإن أى مشروع تنموى بهذا الشكل يحاولون ضربه.

وأحب هنا أن أشير مثلًا إلى أن بعض المؤسسات فى أمريكا يمكنها أن تتحدث بشكل سلبى عن مصر، ما عدا الجيش الأمريكى والبنتاجون، لأنهما يقيسان قوة مصر فى التدريبات المشتركة «النجم الساطع»، والكل يعرف ما هو الجيش المصرى، وكذلك الحال فى إسرائيل.

وكمثال بسيط، كان يوجد لدينا مشروع تنموى فى الخمسينيات من القرن الماضى، متمثل فى مصانع الحديد والصلب والسد العالى والتسليح والطائرات والصواريخ القاهر والظافر، وهذا المشروع التنموى يتبعه مشروع آخر لدعم حركات التحرر الإفريقية والعربية، وقد تم ضربه فى عام ١٩٦٧. والمشروع التنموى الحالى «رؤية مصر ٢٠٣٠»، يشبه مشروع الخمسينيات، بما فيه موضوع البعد الاجتماعى و«حياة كريمة»، وبالتالى فإن هذا المشروع- بعين العدو- يجب ضربه.

■ هل يعنى ذلك أن التأثيرات الاقتصادية على مصر ليست تأثيرات عادية أو عفوية؟

- الحصار الذى تتواجد فيه مصر والتأثيرات الاقتصادية ليست أمرًا عفوى الخاطر، وإنما أمر مقصود، والتجربة أمامنا هى تجربة الخمسينيات، فالمشروع المصرى له بعدان اجتماعى وتنموى، يعلو بالمواطن، وبالتالى يجعل من الدولة أقوى، كما أن له بعدًا خارجيًا، بأنه يعمل على حل مشكلات السودان وليبيا وفلسطين، ودول الخليج عبر سياسة «مسافة السكة».

ولكن: هل هذا الدور المصرى مطلوب فى ظل ثلاثة مشاريع صهيونية وإيرانية وتركية؟، والإجابة بكل تأكيد أنه دور مرفوض من ناحية العدو. 

وعندما يتم شرح الأمور بشكل استراتيجى فإن الأوضاع تتضح، لكن هناك استراتيجية إعلامية خارجية تعمل على خلق التيه فى التفاصيل، وتقنعك بأن عليك بالحرب بدلًا من تنفيذ المشروع التنموى، مع إقناع الناس بأشياء مختلفة، بدلًا من نظرة عين الطائر الاستراتيجية، التى تجعلك ترى المنطقة بالكامل، وكيف تعمل وأين تتجه، لأن الإعلام المضاد يعمل على الشوشرة والتشويش.

■ كيف عملت مصر على تأمين عمقها الاستراتيجى؟

- مصر تعيش حاليًا فى منطقة بها صراعات فى دول الجوار المباشر، وأسوأ صراع هو ما يكون فى «نقاط الأمن المباشر»، أى الدول التى بينى وبينها حدود، مثل غزة، والسودان وليبيا، وسابقًا شرق المتوسط، وإذن يجب أولًا تأمين الحدود الأربعة تأمينًا عاليًا جدًا طوال الـ٢٤ ساعة وطوال العام عبر الرصد المستمر، وهذا له تكلفة كبيرة، لأننا مثلًا ضربنا على الحدود الغربية نحو ٣ آلاف سيارة دفع رباعى «فور باى فور»، محملة بالأسلحة والذخيرة التى كانت تحاول دخول الحدود المصرية.

والنقطة الثانية، أنه يجب المتابعة المستمرة لتلك الصراعات، لأنها صراعات ليست لها ولاءات معينة، بل تتسم بشراء الولاءات والدعم الخفى بالسلاح، وهى من سمات الصراعات الموجودة فى المنطقة حاليًا، وهذا السلاح يمكن أن يدخل عندى، وهذا يعطينى الحق فى ضربه فى مكانه، وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، وهذا يشبه ما حدث فى ليبيا عندما قمنا بالضرب فى درنة مرتين.

أى أننى يجب أن أكون مستعدًا دائمًا عبر تأمين الحدود والجاهزية للعمل خارج الحدود على مسافات كبيرة ولأزمنة طويلة، وهذا ما يحققه تحديث الأسلحة الموجودة فى القوات المسلحة الآن.