رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

اجتهادات المفتي.. أقوى 20 تصريحًا من د. شوقى علام

شوقى علام
شوقى علام

على مدار ٣٠ يومًا من شهر رمضان المبارك، تناول الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، عددًا من الموضوعات والقضايا التى تهم المسلمين فى مصر وجميع أنحاء العالم بالشرح والتحليل، من خلال برنامج «حديث المفتى»، الذى عُرض يوميًا على شاشة قناة «الناس». وتحدث فضيلة المفتى، على مدار الشهر الكريم، عن فضل صيام شهر رمضان وأهمية صلة الرحم فيه مع الأهل والأقارب، وكذلك فضل الصلاة وتلاوة القرآن الكريم والإصلاح بين الناس، كما تناول عددًا من الفضائل التى يجب أن يتحلى بها المسلم فى حياته اليومية، مثل فضيلة الصبر والتوكل على الله بعد الأخذ بالأسباب، مبينًا ما خص الله به مصر من مكانة كبيرة عبر ذكرها فى القرآن الكريم، وأيضًا فى الأحاديث النبوية الشريفة التى أكدت أن أهلها فى رباط إلى يوم القيامة وأنها محفوظة بخير أجناد الأرض.

كتاب الله معجزة النبى الكبرى 

القرآن الكريم هو كتاب الله الخالد المُنزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو المعجزة الكبرى الدالة على صدق نبوته- صلى الله عليه وسلم- وهو الكتاب الذى لا اختلاف فيه ولا تضارب ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقال تعالى فى سورة «النساء» الآية ٨٢: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا».

والقرآن الكريم هو دستور أمة المسلمين، الذى أنزله الله رحمة وهداية للخلائق كلها، منظمًا لحياة الناس فى جميع تصرفاتهم وأحوالهم وضابطًا لحركة حياتهم، والله سبحانه أنزل القرآن الكريم فى شهر رمضان المُعظم جملة، كما فى قول الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ».

قراءة القرآن من واجبات المسلم 

هناك واجبات للمسلم تجاه القرآن، أولها الحرص على تلاوته آناء اليل وأطراف النهار، كما فى قول الله تعالى: «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُدَّكِرٍ»، وما يترتب على قراءته هو فضل عظيم، إذ يحصل المسلم على الحسنات الكثيرة المضاعفة على ذلك العمل الميسر.

وقال النبى، صلى الله عليه وسلم: «من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف».

وتعهد القرآن بالقراءة يجعل الإنسان من أصحابه الذين يُشفع لهم يوم القيامة، وقال النبى، صلى الله عليه وسلم: «اقرأوا القرآن فإنه يأتى يوم القيامة شفيعًا لأصحابه»، فكتاب الله يشفع لصاحبه ويحاجج عنه يوم الدين، فهو خير جليس فى الدنيا وخير صاحب يوم القيامة، وقال النبى، عليه الصلاة والسلام: «اقرأوا الزهراوين، البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما».

مكانة مصر عند الله

إن تخصيص الله مصر بالذكر فى القرآن يدل على أن لها مكانة وفضلًا عند الله وعند رسوله، صلى الله عليه وسلم، ونبى الله يوسف قال لإخوته وأبيه وقومه «ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ».

وقال الرسول، صلى الله عليه وسلم، فيما رواه ابن عبدالحكم «إذا فتح الله عليكم مصر، فاتخذوا فيها جندًا كثيرًا، فذلك الجند خير أجناد الأرض»، فسأل أبوبكر الصديق «ولمَ يا رسول الله؟»، فقال الرسول «لأنهم وأزواجهم فى رباط إلى يوم القيامة».

كما أن بمصر آل بيت الرسول، صلى الله عليه وسلم، وبها أولياء الله الصالحون، وحراسها وجنودها هم خير أجناد الأرض، وأهلها فى رباط إلى يوم القيامة، بعون الله سبحانه وتعالى وتأييده، وكلمة خير أجناد تشمل جميع أبناء شعب مصر، وتشمل جيشها الأبى، وشرطتها الباسلة.

 

الأخذ بالأسباب

القوة الإيمانية دائمًا تصمد وتنتصر أمام كثرة العدد والعتاد، وكم من فئة قليلة مؤمنة واثقة بالله سبحانه وتعالى مُحسنة فى تجهيزاتها وخططها والتزامها غلبت فئة كثيرة، مهما بلغت قوتها وإمكاناتها وأعوانها من البشر.

ومن المسلمات فى عقيدة المؤمن أن النصر من عند الله وحده، وألا يكون فى حقيقة الأمر فى العدد والعتاد، ففى معركة بدر الكبرى فى شهر رمضان كانت الأسباب المادية كلها فى صالح أعداء المسلمين، ومع ذلك نَصر الله- سبحانه وتعالى- المؤمنين فى المعركة.

والتوكل على الله- سبحانه وتعالى- لا ينافى الأخذ بالأسباب، بل إن الله لم يأمر بالتوكل إلا بعد التحرز والأخذ بالأسباب، كما ورد بالآية الكريمة: «وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ».

الصبر سمة عظيمة 

الشخصية التى يسعى إليها الإسلام لها عدة سمات رئيسية، من أهمها سمة الصبر، وهو حبس النفس على ما تكره وعلى خلاف مرادها، طلبًا لرضاء الله- عز وجل- وثوابه.

ومعنى الصبر لا يقتصر على تحمل الصعاب والتحديات فقط، بل إنه تحمل للصعاب والتحديات دون فقد الأمل والثقة فى النفس ودون إغفال الرجاء فى الله سبحانه وتعالى.

وقليل الصبر يورد نفسه المهالك، فكم من بيوت هُدّمت وكم من رحم قُطّعت وكم من أعمال فسدت بغياب هذه الصفة العظيمة، والرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يوصى الصحابة دائمًا بالصبر؛ لأنه يعلم قيمة هذه الصفة فى التعامل مع مجريات الحياة المختلفة.

المعاملة الطيبة بين الزوجين

المتأمل لأحاديث النبى، صلى الله وعليه وسلم، يجد أن النبى الكريم كان شديد الرعاية بآل بيته وشديد التعاون واللطف معهم، رغم قيادته المجاهدين المدافعين عن أوطانهم ودينهم، واستقباله الوفود، وتحمله مسئولية تبليغ الرسالة، ورغم الحمل الثقيل الذى كان يحمله على عاتقه.

ويجب علينا جميعًا أن نسير على نهج النبى، صلى الله عليه وسلم، أى يجب أن نصل الأرحام ونعامل الأهل معاملة طيبة حسنة، والنبى الكريم كان يشاور نساءه حتى فى بعض الأمور المهمة التى كان يتوقف عليها المجتمع، والدليل على ذلك حرصه، صلى الله عليه وسلم، على أخذ مشورة زوجته أم سلمة، رضوان الله عليها، فى صلح الحديبية.

الإصلاح بين الناس 

الشرع الشريف حثنا على حفظ الأخوة الإيمانية، وإزالة ما يكدر صفوها، ويهددها استقرارها، والرسول، صلى الله عليه وسلم، بيّن لنا فضل الإصلاح بين الناس، وقال: «ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟»، قالوا: بلى، قال: «إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هى الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين». 

وفساد ذات البين فيه مهلكة للإنسان والمجتمع، تنزع عنه الأمن، إما إصلاح ذات البين ففيه قوة المجتمع، وكان الرجال العظام والمشايخ وأصحاب الجاه فى السابق من أفراد كل قرية يندبون أنفسهم لهذا العمل، ويعتبرونه من تمام الشرف والعز.

مقابلة المنع بالإحسان

لا ينبغى للمسلم أن يتواصل مع من وصله فقط، وإنما جعل الشرع الشريف من يقابل القطيعة بالصلة، ومن يقابل المنع بالإحسان، ومن يقابل الإساءة بالعفو والغفران فى أعلى درجات القرب من الله عز وجل.

وصلة الرحم، خاصة فى شهر رمضان، أمر عظيم، والقطيعة فيه حرمتها أشد وأعظم. ومن أرقى مظاهر صلة الرحم الاجتماع على الطعام، حيث تكتسب النفوس السخاء وخدمة الآخرين من هذا الاجتماع، وهذا الطعام سبب من أسباب الحصول على البركة، والاجتماع والدعوة من أجل الإفطار يعملان على وجود حالة من القرب والمحبة بين الأشخاص.

إطعام الطعام 

الإسلام أعلى من شأن العبادات، ولعل إطعام الطعام من أكثر العبادات التى لها ثواب عظيم وأجر كبير، والإسلام يهتم بالجوانب الإصلاحية، والعرب قبل الإسلام كانوا يعتبرون إطعام الطعام من الأمور المهمة التى لها شأن كبير.

وإطعام الطعام من العبادات الجليلة وقد اشتهروا بذلك قديمًا بل افتخروا بها وتنافسوا فيها، ولما جاء الإسلام حضّ على إطعام الطعام ونقله من دائرة العادة إلى دائرة العبادة، من اتصف به بإطعام الطعام للمساكين والمحتاجين، وجعلها عادة جعلتهم فى مرتبة أعلى فى الجنة، حيث إن الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال إن هؤلاء من خيار الأقوام والعباد.

والرسول، صلى الله عليه وسلم، أكد أن إطعام الطعام من العبادات المخلصة لله، والنصوص الشريفة تحث على هذه الشعيرة، وهذا يرجع إلى أهمية هذه العبادة.

موعد ليلة القدر

عظيم ما أنعم الله به على هذه الأمة أن خصّها بليلة رفيعة المكانة شريفة الذكر عظيمة الأجر، وهى ليلة القدر، وسُميت بذلك لشرفها وجلال قدرها عند الله سبحانه وتعالى. 

وهى ليلة فيها منحة إلهية من الله- سبحانه وتعالى- وأطلع الله سبحانه رسوله الكريم على أعمار الأمم السابقة وأعمالها الكثيرة، فعز عليه أن عمر أمته قصير، ولا يستطيعون فعل هذا فأعطاه الله ليلة القدر.

وقد أوصانا النبى، صلى الله عليه وسلم، بتحرى هذه الليلة فى الوتر من العشر الأواخر من رمضان، وعلى الإنسان أن يُشرك أهله فى الخير الكبير من العبادة والطاعة، كما كان يفعل النبى، ولعل الله- سبحانه وتعالى- أخفى هذه الليلة حتى يجتهد المسلم فى طلبها، فيقوم فى سائر الليالى ويكون عبدًا ربانيًا لله، ويتعود على الطاعة والعبادة.

القيم الإنسانية الراقية 

حث الإسلام على القيم الإنسانية الراقية، كما أن نصوصه الشريفة مليئة بالدعوة إلى كل خُلق حسن، ومن ذلك خُلق العفو وما فيه معناه من الصفح والتسامح والمغفرة وكظم الغيظ وإقالة العثرات والتماس الأعذار، ولا ريب أن سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، هو القدوة فى كل خُلق حسن، فإن الله سبحانه وتعالى نظر إلى قلوب عباده فوجد خيرها قلب سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، ولذلك اصطفاه لنفسه ولرسالته ليكون خاتمًا للأنبياء وسيدًا للمرسلين.

كان من الطبيعى أن يبلغ الغاية فى حسن الخلق والكمال، وقد وصفته السيدة عائشة أم المؤمنين، رضى الله عنها، فقالت: «كان خلقه القرآن»، مصداقًا لقول الله سبحانه وتعالى: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ»، حتى إنه لم يكن يغضب لنفسه، صلى الله عليه وسلم، وفى ذلك تقول السيدة عائشة: «ما انتقم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لنفسه إلا أن تنتهك حرمة لله عز وجل، فينتقم لله عز وجل بها».

من صفات النبى العفو

من صفات النبى، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يسبق حلمه غضبه، ولقد لاقى سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، فى دعوته المشاق الكبيرة خاصة فى سنوات البعثة الأولى، ومع ذلك، حين مكّنه الله- سبحانه وتعالى- من فتح مكة وقف على باب الكعبة وقال: «يا معشر قريش ما ترون أنى فاعل فيكم». قالوا: خيرًا.. أخ كريم وابن أخ كريم. قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».

لو أن غيره مكانه لأبادهم ومثّل بهم كما يحدثنا التاريخ، لكنه، صلى الله عليه وسلم، هو الأسوة والقدوة الحسنة لمثل هذه الأخلاق العالية، لقد كان خلق العفو ملازمًا لسيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، طوال حياته، وحين وقف بعرفات فى خطبة الوداع أوصى أمته بالعفو: «ألا وإن كلَ دم كان فى الجاهلية موضوع، وأول دم أضع من دم الجاهلية دم الحارث بن عبدالمطلب».

المساواة بين الرجل والمرأة 

المرأة ليست فقط نصف المجتمع بل صانعة المجتمع كله، والإسلام أعطى المرأة مكانتها بما لم يكن لها قبل ذلك فى تاريخ الإنسانية كلها، وساوى بينها وبين الرجل فى جميع مجالات حياة، جعل لكل منهما ركنًا فى إعمار الأرض، والمرأة لم يكن لها أى حقوق قبل الإسلام.

بعض العرب كانوا يتشاءمون بولادة المرأة قبل الإسلام، وربما دفنوها وهى على قيد الحياة، وإذا تزوجت لا يكون لها على زوجها أى حق، مستشهدًا بقول عمر بن الخطاب، رضى الله عنه: «والله إنا كنا فى الجاهلية لا نعد للنساء أمرًا، حتى أنزل الله فيهن ما أنزل، وقسم لهن ما قسم».

لما جاء الإسلام رفع مكانة المرأة وأعلى شأنها، وصان شرفها وساوى بينها وبين الرجل فى القيمة الإنسانية والتكاليف والواجبات الشرعية.

الإسلام والعافية والغنى

الإسلام حرص على أهمية النظام الغذائى والشراب الصحى، حيث حلل الطعام الطيب الذى يعود بالنفع على الجسم، بينما حرّم الطعام الضار الذى يسبب المشاكل والأضرار، مستشهدًا بقول الله تعالى فى سورة الأعراف: «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ»، حيث أذن الله بتناول الطعام الصحى الذى يحمل فوائد كثيرة ويقلل الضرر، وحظر الطعام الضار الذى يسبب ضررًا كبيرًا ويعود بالمشاكل.

الإنسان لن يستمتع بالنعم التى يمتلكها إلا إذا كان صحيًا ومعافى، والإسلام يعتبر رءوس النعم الثلاث هى الإسلام والعافية والغنى، والإسلام يولى اهتمامًا بالحفاظ على الصحة والالتزام بكل ما يسهم فى تحقيق ذلك، مثل الطهارة والنظافة فى الجسم، والتطيب والغسل فى المناسبات، وتنظيم المنازل والأماكن.

المال الحرام 

استخدام المال الحرام سلوك يؤدى إلى تعتيم القلب وعدم استجابة الدعاء، والشخص الذى يغذى نفسه بالحرام لا يمكن أن يتوقع استجابة دعائه.

يجب استغلال الفرصة التى وفرها شهر رمضان المبارك للتوبة والتقرب من الله، فالصيام يساعد على تهذيب النفس والتحكم فى الشهوات، وهو ما يسهم فى تحقيق الخشوع والتقوى.

الدعاء جوهر العبادة

للدعاء مكانة رفيعة وهو من الأفعال التى تنال رضا الخالق عز وجل، فالدعاء يُعد من العبادات التى يُحبها الله تعالى ويستجيب لها، مستشهدًا بالحديث النبوى الشريف الذى يُبين فيه أن الله يأمر جبريل بإجابة دعاء العبد وتأخيرها لمحبة سماع صوته.

الدعاء يُعتبر جوهر العبادة، فقال إن النبى، صلى الله عليه وسلم، يؤكد أن الدعاء هو العبادة بحد ذاته، وذلك بالإشارة إلى قوله تعالى «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ»، وللدعاء مكانة خاصة فى شهر رمضان، حيث يجتمع فيه فضل الزمان وعبادة الصيام.

والقرآن الكريم نوه بفضل الدعاء خلال الصيام، وهناك علاقة وثيقة بين الدعاء والصيام، حيث يُعد الصوم تجاوبًا مع أمر الله وتعاليًا عن الشهوات.

التحديات فى طريق الإيمان

مسيرة الإنسان فى درب الإيمان ليست خالية من الصعاب والتحديات التى قد تعوقه عن بلوغ السعادة، فالحياة ما هى إلا ميدان للاختبار والابتلاء، والنجاة تكون لمن يسعى لتطهير روحه وتزكية نفسه، بينما يخسر من يتبع شهواته.

النفس البشرية تتطلب عناية فائقة وتهذيبًا مستمرًا، وشهر رمضان كان فرصة ذهبية للمسلمين لترويض أنفسهم، حيث تُكبَّل الشياطين ويجد الإنسان نفسه أمام معترك حقيقى مع ذاته، إما أن يسمو بها نحو مراتب الورع واليقظة، أو يتركها فريسة للشيطان.

والله عز وجل يمد يد العون لعباده، فاتحًا لهم أبواب الخير والرحمة، وأن الصيام يعمق الإحساس بالتعاطف مع الفقراء والمحتاجين، ما يشكل حافزًا للتغيير الإيجابى والسمو الروحى، ويمنح الإنسان الثقة بقدرته على التحكم فى رغباته، وتعزيز الشعور بالقوة الذاتية عبر الامتناع عن المباحات قبل المحرمات.

مضاعفة الحسنات

من ضمن رحمة الله سبحانه وتعالى بالأمة الإسلامية أن جعل لهم مواسم للطاعة، تكون بمثابة المنح التى تتضاعف فيها الحسنات وتُحط فيها السيئات، ومن تلك المواسم العظيمة شهر رمضان المبارك، الذى يمتاز عن غيره من مواسم الطاعات الأخرى بـظاهرة عجيبة واستثنائية.

هذه الظاهرة تحتاج إلى توقف وتأمل، وفى الوقت نفسه تحتاج إلى استثمار واستفادة، وهى ظاهرة تغير نظام الكون، مستشهدًا بقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين».

الزكاة تطهر النفس من البخل والشح

النصوص الدينية تحث على التعاون والتراحم بين المسلمين، والإسلام ينبذ الأنانية والجشع الذى يؤدى إلى الطمع والحرص المفرط على الدنيا، والله عز وجل فرض الزكاة كفريضة إسلامية لدعم المحتاجين وتزكية النفوس من الأمور التى تدنسها، مثل البخل والشح، والعطاء فى سبيل الله يعد من أسمى أشكال البذل، مستشهدًا بقوله تعالى: «وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ».

الواجبات الدينية والعملية

هناك أهمية كبيرة للجمع بين العبادة والمسئوليات الدنيوية خلال شهر رمضان المبارك، فالإسلام يحث على العمل والعبادة كقيمتين مترابطتين، والمسلم ينبغى له أن يوازن بين واجباته الدينية والعملية لتحقيق هذا التوازن الروحى والمادى، والصحابة كانوا قدوة فى هذا المجال، حيث كانوا يجمعون بين العبادة وأشق الأعمال، وهو الجهاد فى سبيل الله، لا سيما فى شهر رمضان الذى شهد أحداثًا ومعارك حاسمة أظهرت بطولاتهم وتضحياتهم العظيمة.

شهر رمضان لم يكن فقط شهر العبادة والتقوى، بل كان أيضًا شهر الغزوات والفتوحات الكبرى التى سطرت تاريخ الأمة الإسلامية بأحرف من نور، ومن بين هذه الأحداث البارزة غزوة بدر الكبرى، وفتح مكة المكرمة، والفتوحات الإسلامية فى الأندلس، ومعركتا عين جالوت والمنصورة.

الشعب المصرى أيضًا سطر نصرًا مؤزرًا فى العاشر من رمضان، والانتصارات والمعارك العظيمة قد وقعت فى أيام شهر رمضان المبارك، حيث تمكن المسلمون من التغلب على أعدائهم، وذلك على الرغم من الصعوبات والتحديات التى واجهوها من جوع وعطش، مستلهمين الصبر والتحمل من روح الصيام ومعانيه السامية.

خلال شهر رمضان، على المسلم التخلى عن الكسل والتباطؤ، فهذه السلوكيات تتنافى مع جوهر الصيام وأهدافه السامية كما وضعها الخالق، والعمل يعد عبادة بحد ذاته عندما يتم بنية طيبة وصادقة.