رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة «كحك» العيد!

الأزمة ليست فى أسعار «الكحك»، أو فى عدم توافره، لكن فى ذلك الجدل، الذى يتكرر سنويًا أو كل عيد، بين غالبية المصريين، وأقلية تصرّ على تسميته بـ«الكعك»، بزعم أن ذلك هو الصحيح لغويًا. وهكذا، صارت «الكحكة» التى كانت فى «إيد اليتيم عجبة»، لبانة، أو علكة، فى أفواه هؤلاء الذين حاولوا إقناعك، سابقًا، بأن تقول «المِرْناة» بدلا من التليفزيون، و«المِسَرّة» بدلًا من التليفون!

الكعك، فى «لسان العرب»، هو الخبز اليابس، وقيل إنه «فارسى معرَّب، قال الليث: أَظنه معرَّبًا؛ وأَنشد: يا حبَّذا الكعك بلحمٍ مثرودْ.. وخشْكُنانٌ بسَويقٍ مقنود». وستجد فى معجم «اللغة العربية المعاصرة»، وصفًا لـ«كعك الذّرة» بأنه «خبز من دقيق الذّرة مشكّل، ومخبوز أو مقلىّ فى صينيَّة خبز الكعك». كما وصف «الكعكة الاسفنجية»، بأنها «كعكة خفيفة مساميَّة تصنع من الدَّقيق والسّكر والبيض والنّكهات، ولا تحتوى على دُهون». ولعلّك لاحظت أن كل هذا «العجن» لا علاقة له بـ«الكحك» الذى نعرفه.

المصريون القدماء صنعوا «الكحك»، وكان الخبازون فى البلاط الفرعونى يتقنون صنعه بأشكال مختلفة كاللولبى والمخروطى والمستطيل والمستدير حتى وصلت أشكاله إلى حوالى ١٠٠ شكل، حسب بعض المصادر، و٣٠٠ شكل طبقًا لمصادر أخرى. أما ربط الكحك بعيد الفطر، فحدث بعد سنة ٩٦٩ ميلادية، حين أنشأ الفاطميون مؤسسة سمّوها «دار الفطرة»، كانت مسئولة عن كل التجهيزات اللازمة للاحتفال بالعيد، ومن بينها صناعة «الكحك»، التى كانت تلك المؤسسة تتفرغ لصناعته فى منتصف شهر رجب، ليبدأ توزيعه مع اقتراب العيد على جميع موظفى الدولة، ما خلق ارتباطًا وثيقًا بينه وبين الاحتفال بعيد الفطر وصار اسمه «كحك العيد». ومع عهد المماليك، انتقلت صناعة «الكحك» إلى عوام الناس، وصارت عادة شعبية أصيلة. ومع مرور الوقت، ظهرت ابنة لـ«الكحك»، هى «الغُرَيِّبة»، فى مصر والمغرب العربى، تشبهه فى المكونات وطريقة التحضير مع إضافة الفانيليا وحشوها بالفستق أو اللوز.

المهم، هو أن «الكحك» الذى نعرفه لا علاقة له باللحم المثرود أو الخشْكُنان بالسويق المقنود، ويختلف عن التورتة، التى توصف، أيضًا، بأنها «كعكة»، وبالتالى، لا نجد مانعًا، أو حرجًا، فى استعمال كلمة «كحك»، تحدثًا وكتابةً، لأن لغتنا العربية، كما قال الدكتور طه حسين، يسرٌ لا عسر، ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها، ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه من ألفاظ لم تكن مستعملة فى العصر القديم.

آلاف الكلمات الدخيلة، أو المعرّبة، صارت جزءًا من كلام العرب، بعد خضوعها لقانون اللسان العربى، سواء بإبدال حروف الدخيل، بأخرى من الأصيل، أو عبر تغيير لفظ، ليكون أقرب إلى اللغة المنقول إليها. وبهذا التعديل، صارت الكلمة المعرّبة، كما لو أنها من أصلها، وأضيفت إلى ثروة العرب اللفظية والبيانية، ولم يعد بالإمكان الاستغناء عن كثير منها، بعد رسوخها فى الكتابة والتخاطب. والفرق كبير، طبعًا، بين الغزو اللغوى، والافتراض المبنى على أسس منطقية تضعها المؤسسات اللغوية. 

فى الواقع اللغوى الحديث، أيضًا، أضيفت إلى اللغة العربية كلمات مثل الكلاسيكية والرومانتيكية، والفلسفة والموسيقا، بالألف أو بالياء، وأسماء بعض الآلات أو الأدوات كالتليفون والموتور، وبعض العلوم كالفيزياء والجيولوجيا والجغرافيا، و... و... ومنذ سنوات، يتبنى «مجمع اللغة العربية»، مشروعًا لـ«تفصيح العامية»، وهو محاولة لتقريب المسافات بين اللغة العربية الفصحى وبين اللهجات العامية العربية، التى تنتمى للغة العربية بأصولها المعجمية. ومن هذا المنطلق، يقوم المجمع، بشكل دورى، بإجازة الكثير من الألفاظ، الشائعة، التى كان من بينها، مثلًا، كلمة «ترند»، التى أوضح، فى بيان، أن «اشتهار هذه الكلمة وسرعة تداولها قد أعطتا هذه الكلمة قوة تعطيها فرصة كبرى للانتشار».

.. وأخيرًا، نرى أن على «مجمع اللغة العربية» أن يجيز، فى أقرب وقت ممكن، كلمة «كحك» لوصف ذلك الشىء، الذى يتناوله المصريون فى أعيادهم، ويوزعونه «رحمة ونور» على موتاهم، وقالوا عنه فى أمثالهم: «إن كان جارك سفيه.. اعمل له كحك وهاديه». وكل عيد وأنتم بخير.